كتب ألكسندر نازاروف في “روسيا اليوم”:
وفقاً لـ “وول ستريت جورنال” لم يردّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على مكالمات بايدن، طلباً للدعم لاستبدال النفط الروسي في أوروبا.
إذا ما صدقت الصحيفة، فإنها بالطبع خطوة جريئة وغير متوقعة.
ومن باب التوضيح، أشارت “وول ستريت جورنال” كذلك إلى استياء القادة العرب من موقف الإدارة الأمريكية إزاء قضية خاشقجي والحرب في اليمن.
أعتقد هنا أن الصحيفة كانت تنشر الأمنيات كحقائق، بينما تفضّل تفسيراً أكثر إرضاءً للولايات المتحدة. لكني أظن أن الأسباب الحقيقية وراء ذلك الموقف أعمق من ذلك.
أولاً، وقد كتبت عن ذلك عدة مرات، لطالما كان الخليج، من الناحية الاقتصادية، جزءاً من الاقتصاد الصيني. بل هو جزء من الاقتصاد الآسيوي، ولكن بالنظر إلى أن الجالية الصينية في معظم بلدان جنوب شرق آسيا تلعب دوراً رائداً في الاقتصاد، فلن يكون خطأً كبيراً تسمية المنطقة كلها بـ “الصين الكبرى”.
وقد أصبح توجه الخليج صوب الصين منذ فترة طويلة، لكنه حتى الآن لا يجرؤ أن يصارح الولايات المتحدة الأمريكية ببساطة بأن قصة الحب بينه وبينها قد انتهت، وأصبح قلبه ملكاً لآخر.
ثانياً، وفي رأيي المتواضع، وعلى الرغم من كونه ليس العامل الأكثر أهمية، إلا أنه مع ذلك ضروري: لا تستطيع الدول العربية في الخليج طباعة النقود، كما تفعل البنوك المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. والأزمة الاقتصادية التي تقترب أكثر فأكثر لا تجعل حتى لدى ممالك الخليج، الغنية في يوم من الأيام، ما يكفي من المال، وهي لا تريد زيادة الإنتاج وخفض الأسعار.
فالاقتصاد هو ما يحدد السياسة دائماً، باستثناء ما يخص القضايا الأمنية الحادة.
بل وأخاطر بالإشارة إلى أن أوكرانيا أصبحت بمثابة حمام بارد لدول الخليج.
حيث أدرك عرب الخليج أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحميهم من إيران أو من سواها. وفي أفضل الأحوال، سترسل أسلحة، لكنها ستجعلهم يدفعون ثمنها، عكس أوكرانيا التي لا تدفع شيئا في المقابل.
بل إن واشنطن، وإذا ما قررت القتال مع إيران، فسوف تقاتل بأيدٍ عربية ودماء عربية، كما تقاتل الآن مع روسيا بأيدٍ أوكرانية.
في الوقت نفسه، يتضاءل الخطر الحقيقي من جيران دول الخليج العربية. وأخيراً، اختفى خطر الحرب مع إسرائيل من جدول الأعمال. كما أن هناك كذلك احتمالات معينة لوقف التصعيد مع إيران، على أي حال، لا يريد أحد من الجيران تصعيد التناقضات الحالية إلى حرب مباشرة، وبالتالي لم تعد هناك حاجة للمظلة العسكرية الأمريكية.
علاوة على ذلك، فقد أدرك الخليج أن الارتباط الوثيق المفرط بالولايات المتحدة الأمريكية قد تحوّل من مصدر للأمن إلى مصدر لخطر مميت.
وبعد الهجوم الناجح للحوثيين على منشآت النفط السعودية، أصبح من الواضح للجميع أن ثروة ممالك النفط بأكملها يمكن أن تتحول إلى غبار في غضون ساعات قليلة.
والآن يحاول عرب الخليج بكل الوسائل التهرّب من المشاركة في المواجهة الأمريكية الروسية، لأنه إذا ما ساءت الأمور بالنسبة لروسيا، فلا يمكن لأي عضو واحد في التحالف المناهض لها أن يضمن سلامته. وقد ضربت أوكرانيا مثالاً واضحاً على ذلك. علاوة على ما تقدم، فإن القضاء على مصادر الطاقة البديلة بالنسبة لروسيا يعدّ أمراً منطقياً للغاية.
أضف إلى ذلك أن إعادة توجيه تدفقات النفط والغاز من الصين وآسيا إلى أوروبا ربما سيؤدي إلى إشراك الصين في الصراع. بعدها ستصبح شبه الجزيرة العربية حقاً ساحة معركة في حرب ساخنة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، كتبت عنها قبل أربعة أعوام…
لهذا أفترض أن حكام الخليج الآن يترددون في تلقي أي مكالمات هاتفية من البيت الأبيض، وربما يطلبون من أحد أفراد الأسرة همساً أن يقول لبايدن على الطرف الآخر إنهم “غادروا للعمل أو نائمون أو ليسوا هنا…”.
فهل يفلتون من العقاب؟
يستحيل الحديث عن ذلك دون الأخذ بعين الاعتبار الاحتمال المتزايد باستمرار لعودة العميل الروسي “دونالد ترامب” إلى السلطة في واشنطن.
فليس بإمكان إيران أو فنزويلا أو عرب الخليج الاعتماد على احترام واشنطن لأي اتفاقيات أكثر من نصف عام، حتى موعد انتخابات الكونغرس المقبلة. أو بالأحرى، وبالنظر إلى الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن الاعتماد على احترام الولايات المتحدة لأي اتفاقات على الإطلاق، وفي ظل أي رئيس.
فما يجري الآن في الولايات المتحدة الأمريكية من حرب أهلية مستترة يمكن أن تحوّل أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية إلى سلاح في يد أحد الطرفين المتصارعين في واشنطن. وبعد ذلك سيتعيّن على الطرف الثالث الخارجي فقط أن يقرر الاختيار بين صداقة الجمهوريين ليصبح هدفاً للديمقراطيين أو العكس فيصبح هدفاً للجمهوريين.
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية قد وهنت كثيراً لدرجة أن واشنطن لم تعد تلعب مع حلفائها كبيادق، بل بالعكس، بدأ هؤلاء الحلفاء في زعزعة عرش السلطة في ظل الرئيس الحالي، وترقية مرشحهم المفضل. والخليج، في رأيي، يراهن علناً على “العميل دونالد ترامب”، وقد أصبح بايدن بطة عرجاء.
بالنسبة لي، فإن التقارير التي تتحدث عن البصقة العلنية في وجه بايدن تبدو معقولة تماماً. حتى أنني أعتقد أن دول الخليج قد ترغب في ذلك وستواصل القيام به حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما بعدها، طوال ما تبقى من فترة وجود العالم القديم وإلى أن تنتقل قيادة العالم إلى الصين، أو إلى حين تدمير الكوكب في حرب نووية أمريكية روسية.
كما يقولون دائماً في بوليصة التأمين: “أيهما أقرب..”