نيويورك تايمز: زيلنسكي.. الكوميدي الذي تحول إلى رئيس غارق حتى أذنيه
تحت عنوان “الكوميدي الذي تحول إلى رئيس غارق حتى أذنيه” ناقشت الصحافية الأوكرانية ومحررة “كييف إندبندنت”، أولغا رودينكو، معضلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بمقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قالت فيه “ليس من الصعب التنبؤ بما يحن إليه الرئيس فولوديمير زيلنسكي الآن: يوم عادي”. فلم يكن الكوميدي الذي أصبح رئيسا يتخيل أن تكون الوظيفة بهذا الضغط، ووجد نفسه أولا متشابكا في محاكمة دونالد ترامب، ثم واجه وباء كوفيد-19 والآن يواجه غزوا روسيا شاملا. وبالطبع، فروسيا تشن حربا على شرقي أوكرانيا منذ عام 2014، والآن التهديد شامل: حوالي 190 ألف جندي روسي تم حشدهم قرب الحدود الأوكرانية وفي مناطق الانفصاليين وغزو سيجلب دمارا وكارثة، ويمكن أن يحصل في أي وقت. وهو وضع خطير.
وتتابع الصحافية “زيلنسكي الكوميدي طوال حياته غارق حتى أذنيه”، فعندما تولى السلطة في عام 2019 محولا شهرته التلفزيونية إلى مسيرة سياسية لم يكن أحد لديه فكرة عما يتوقع منه. ويقول المعارضون له إنه غير مجرب ولن تأتي منه إلا المصائب. أما المدافعون عنه فقد قالوا إنه سيتخلى عن عاداته القديمة وينهي الفساد. وقال أقسى نقاده إن زيلنسكي المولود في شرق أوكرانيا ويتحدث الروسية سيبيع كل البلاد إلى روسيا، وقال آخرون إنه دمية بيد أصحاب المصالح والأوليغارش. والحقيقة هي أكثر ابتذالا. فقد تم كشف القناع عن زيلنسكي رجل الاستعراض. وبدا واضحا بعد 3 أعوام في السلطة أن مشكلة زيلنسكي هي التعامل مع كل شيء كجزء من عرض. فاللفتات بالنسبة إليه مهمة أكثر من التداعيات. ويتم التضحية بالأهداف الإستراتيجية من أجل منافع قصيرة الأمد. وما يستخدمه من كلمات لا تهم، طالما كانت ترفه عن الناس. وعندما تكون المواقف والمراجعات في الإعلام سيئة يتوقف عن الاستماع ويحيط نفسه بالمشجعين.
وكان الرئيس قد بدأ بداية جيدة، ففي المرحلة الأولى من حكمه كانت لديه سلطة أكثر من سابقيه. فشهرته كمعارض للمؤسسة أعطته الغالبية البرلمانية وحكومة اختارها بنفسه ولديها تفويض للقيام بإصلاحات. وبدت خطواته في البداية تحقق نتائج، وفتحت حكومته سوق المزارعين ووسعت من الخدمات الرقمية في كل أنحاء البلاد. وبدأ بعمليات تعبيد طرق ضخمة وأعلن أنه يريد تذكر الأوكرانيين له بالرئيس الذي بنى لهم طرقا جيدة. وتوقف النجاح عند هذا الحد، فمشاريع زيلنسكي الأخرى التي أطلق عليها “التخلص من الأوليغارش” والتي تهدف للحد من تأثير الأثرياء بدت وكأنها حملة علاقات عامة أكثر من كونها سياسة جادة.
ورغم تعهداته الانتخابية بمكافحة الفساد إلا أن تقارير منظمة الشفافية الدولية تضع أوكرانيا في المرتبة الثالثة لأكثر الدول فسادا في أوروبا، بعد روسيا وأذربيجان. وتم توقف حملة مكافحة الفساد وإصلاح وكالات فرض النظام أو أنها أصبحت مدارة من قبل الموالين له. ولا يبدو أن الفساد يقلق زيلنسكي كثيرا، وبخاصة عندما يكون الذين ثبت تورطهم من المقربين له. وفي آذار/مارس 2020 عندما تم الكشف عن تورط شقيق رئيس طاقمه وهو يعرض المناصب مقابل المال، لم يفعل زيلنسكي أي شيء. وقبل فترة سجلت الكاميرا نائبا مخمورا وهو يعرض الرشوة على ضابط شرطة في موقع حادث سيارة ربما كان سببا به. وعبر الرأي العام عن غضبه لكن زيلنسكي تمتم ببعض الكلمات التي شجب فيها الأمر ثم نسيه.
وحتى شوارع الرئيس الجميلة غارقة في الجدل. فعملية الشراء تعرضت للتزوير والكلفة عالية جدا. وأدت الفضائح والتسامح مع الفساد لتراجع شعبية الرئيس. ويريد 62% من الأوكرانيين منه عدم الترشح مرة أخرى. ولو عقدت الانتخابات اليوم فلن يحصل إلا على 25% من الأصوات وأقل من 30% التي ربحها في الجولة الأولى عام 2019. ويمكنه الفوز لكن النسبة التاريخية التي حصل عليها في الجولة الثانية 73% تبدو ذكرى بعيدة.
ولم تساعده العلاقة المتوترة مع الصحافة، حيث أظهر زيلنسكي، الممثل السابق الذي اعتاد على التصفيق، حساسيه عندما يتعلق الأمر بالنقد أو الأسئلة المتحدية. وهو واضح في غضبه من الصحافة التقليدية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر أدى نهجه الهش هذا إلى مواجهة أثناء مؤتمر صحافي. وليست الصحافة هي مشكلة زيلنسكي وعدم قدرته على العمل معها، فعامه الأول في الحكم اتسم بالفوضى. وانهار فريقه الذي جمعه بسرعة، وتحول حلفاء الأمس لأكثر الناقدين له. وشهدت حكومته تعديلات مستمرة. ولا يمنح الوزراء الجدد الوقت الكافي لإثبات أنفسهم ويتم التخلص منهم لو فشلوا. وتوقفت الاضطرابات ولكن بثمن، فزيلنسكي الذي لسعته الخلافات بات يعتمد على الموالين بدلا من المؤهلين. وتم تعيين منتج سينمائي سابق وصديق رئيسا لطاقمه. ويدير الأمن صديق طفولة له ومحامي شركات سابق. أما رئيس حزب الرئيس في البرلمان فيديره رجل أعمال سابق في تكنولوجيا المعلومات. وتحولت الحلقة حول الرئيس مثل غرفة صدى. وفي هذه العملية تحول زيلنسكي إلى نسخة مثل السياسيين الذين دخل السياسة ضدهم: معزول عن الناس ومحاط برجال مطيعين له. وفي الظروف العادية يبدو الأمر سيئا بما فيه الكفاية. ولكن الآن وأوكرانيا تواجه خطرا روسيا، فربما أثر على تقدير زيلنسكي. وبدا واضحا في الأسابيع الماضية.
وفي الوقت الذي تبنى فيه الغرب دبلوماسية الميكرفون لمنع الغزو، حاول زيلنسكي التقليل من التهديد. وقاد جهودا لتهدئة الوضع وتحقيق الاستقرار للأسواق المضطربة، لكن النبرة أضعفت بسبب أسلوبه الاستعراضي. وفي لغته الخالية من الكياسة أثناء خطابه في كانون الثاني/يناير، سخر زيلنسكي، الذي لعب دورا أبويا مع الأوكرانيين وعايرهم بميلهم للفزع وقلل من فكرة الغزو المحتمل. وفي اليوم التالي قال إن الروس قد يحتلون كاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية. وأشعر البلاد بالتشوش بدلا من طمأنة السكان.
نحو نصف سكان أوكرانيا يعتقدون أن زيلنسكي لن يكون قادرا على الدفاع عن البلاد في حالة الغزو
وليس مستغربا اعتقاد 52% من سكان أوكرانيا أن زيلنسكي لن يكون قادرا على الدفاع عن البلاد حالة الغزو. لكن تصرف زيلنسكي المتناقض إلى حد التقلب يخفي وراءه الحقيقة، فهو لا يملك خيارات جيدة. فمن ناحية، يعني أي تنازل للروس وبخاصة في مناطق الشرق خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، بشكل يهدد بمصير كذلك الذي عانى من فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الذي أطاحت به ثورة عام 2014. ومن جهة اخرى فأي تحرك حاسم ضد الروس يعني منحهم المبرر لغزو قاتل. والعرض يجب أن يستمر بالطبع، والأزمة مستمرة ولكن أداء الرئيس المتوتر المرتبك وغير المناسب دائما لا يساعد.