لبنان على التوقيت الإيراني… والسوري كذلك
كتبت روزانا بو منصف في “النهار”: “ثمة اقتناع سياسي شامل بان المحرك الاساسي للإفراج عن الحكومة لا يكمن في الاعتبارات الداخلية على وجاهتها بل في القطبة الاقليمية المتمثلة في التفاؤل الذي باتت تعممه #إيران في شكل خاص في موضوع تقدم المفاوضات في فيينا حول العودة الى العمل بالاتفاق النووي الموقع معها العام 2015. اذ تقدم التفاؤل الايراني الحذر الفرنسي والغربي عموما وحتى الاميركي وطغى عليهما في الايحاء بأن إيران على باب انجاز العودة الى الاتفاق. وإذا تمت قراءة المؤشرات جيدا فان الافراج عن الحكومة ليس بريئا من حيث توقيته بما يصعب ربطه بمفاوضات فيينا او بكشف كوريا الجنوبية عن حصولها على ” ترخيص محدد ” من الخزانة الاميركية يوم الخميس الماضي يسمح لها بدفع تعويض قيمته 61 مليون دولار لشركة ايرانية وهو ما يتيح استخدام النظام المالي الاميركي لدفع هذا التعويض. وفي موازاة ذلك لفت المراقبين الضجة الاعلامية التي رافقت انتقال محسن رضائي نائب الرئيس الايراني للشؤون الاقتصادية للمشاركة في حفل تنصيب رئيس نيكارغوا عابرا بطائرته اجواء دول عدة حليفة لواشنطن التي كان يمكن ان تطلب انزالها ولكن ذلك لم يحصل. ورضائي قائد سابق للحرس الثوري الايراني مطلوب من الارجنتين بموجب ” نشرة حمراء” صادرة عن الانتربول لـ”تورطه” في الهجوم على مركز يهودي في بوينس ايرس العام 1994. وفيما رصد البعض رد الفعل الاميركي على ذلك وقراءة مؤشرات اي رد فعل محتمل، فان غياب ذلك ربط حكما بالمفاوضات القائمة في فيينا من اجل اعادة العمل بالاتفاق النووي فيما عد البعض ذلك امتحانا من إيران للحدود التي يمكنها الذهاب اليها في تحدي العقوبات الاميركية او توسيعها قسرا تماما. وهو ما يشابه الى حد كبير غض النظر الاميركي على نقل إيران النفط الايراني الى ” #حزب الله” عبر #سوريا في ايلول الماضي. فليس تفعيل العقوبات المتخذة ضد ايران هو المؤشر فحسب بل اتاحة حصول بعض التسهيلات كما في موضوع كوريا الجنوبية. ولذلك لا يجب ان يكون مفاجئا تغيير المزاج لدى ” الثنائي الشيعي” فغدا أكثر تحسسا بمعاناة اللبنانيين في الايام الاخيرة وفق بيان افراجه عن اجتماعات مجلس الوزراء ربما على سبيل اعطاء مؤشرات عن رغبة ايرانية في التعاون. فلا ايران كاريتاس ولا الثنائي الشيعي كذلك في الحسابات المحلية والاقليمية على حد سواء.
واذا لم تكن صدقية للاعتبارات الداخلية وتأثيرها، فان هذا الاقتناع يصعب دحضه وهو يقود اصحابه الكثر الى ترقب اي تطور ايجابي في موضوع ما يمكن ان يحمله المنسق الاميركي لشؤون الطاقة الدولية اموس هوكشتاين كاقتراحات حلول لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل ربطا بما سيحصل في فيينا في الاسابيع المقبلة التي ستكون حاسمة وفق مواقف المسؤولين الاميركيين. مضت ايام عدة حتى الان منذ اخر عملية اسرائيلية ضد مواقع ايرانية في سوريا فيما لفت موقف اسرائيلي يفيد بان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “آمان”، الجنرال أهارون حاليفا ابلغ المجلس الوزراي الأمني المصغر أنه من الأفضل لإسرائيل التوصل إلى صفقة بين القوى الكبرى وإيران بشأن الاتفاق النووي وان التوصل الى اتفاق افضل من عدمه بالنسبة الى إسرائيل على رغم الموقف العلني المناهض لها للاتفاق.
يبدو من السذاجة تبعا لذلك الرهان على العوامل الداخلية او خريطة الطريق الواضحة والمعروفة لإخراج لبنان من أزمته. فمنذ اعوام باتت تسير الامور على وقع الساعة الايرانية من دون اهمال الساعة السورية التي شكلت عاملا متجددا على المستوى نفسه لا سيما بعد وقف الاعمال العسكرية هناك فيما يعتبر كثيرون ان انفجار مرفأ بيروت يعتبر أبرز ترجمة لهذين العاملين او التوقيتين معا. وذلك علما ان ذلك لا ينفي وجود صراع داخلي على السلطة ومصالح متضاربة تشكل غطاء مثاليا لهذين التوقيتين انما من دون القدرة على حسم اي منهما بل على العكس الانتظار الذي بات يعيشه لبنان غدا قاتلا له على وقعهما. في اخر تقرير للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس عن سوريا قال ان 90 في المئة من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر. فيما ان المنظمات الدولية حددت هذه النسبة في لبنان ب 75 في المئة في ايلول الماضي علما ان المزيد من الانهيار حصل منذ ذلك الوقت.
والمغزى من ذلك هو السعي المضمر لإلحاق لبنان بسوريا باي ثمن علما ان الاخيرة يمكن ان تحظى باهتمام اكبر من اجل ايجاد حل سياسي فيها يسبق حلا في لبنان وفق ما يخشى سياسيون كثر. فهناك روسيا التي تضع ثقلها في هذا الإطار على “القطعة الكبيرة” التي تشكلها سوريا من حيث تلاقي جملة مصالح عربية واسرائيلية وحتى غربية بحيث يسهل بعد ذلك سريان ذلك على لبنان. وفي ظل المخاوف الكبيرة التي تساور هؤلاء السياسيون ليس فقط الاتفاق المحتمل مع ايران في فيينا والافراج عن اموالها المحتجزة ما يخيف اطلاق يدها ونفوذها في المنطقة، بل ما يمكن ان تذهب اليه اي مساعي للتسوية في سوريا يرجح ان ترغب في ابعاد بشار الاسد عن ايران كما في انخراطه في سلم مع اسرائيل لا يبدو صعبا في ظل الحماية التي وفرتها له هذه الاخيرة طيلة فترة الثورة السورية ضده. ويضاف الى ذلك المتغيرات الكبيرة في المنطقة ان لجهة التطبيع العربي مع اسرائيل فيما ان الدول المعنية في هذا الاطار باتت تستقبل الاف الهاربين السوريين كما اللبنانيين لاعتبارات الحرب او الانهيار الى حد يغدو مكابرا من يعتقد انه يمكن فصل الناس كما يفعلون حين انتخاب ملكة جمال العالم مثلا اذا وقفت ملكة جمال من المنطقة الى جانب ملكة جمال اسرائيل او صافحتها ، او لجهة جهوزية ايران ما بعد النووي الى التفاوض على موقعها وحصتها في مناطق نفوذها في المنطقة بغض النظر عما سيصبح عليه.”