رأي

الدبلوماسية السعودية والفرصة الذهبية

تسعى أي دولة لاستثمار الدبلوماسية للوصول إلى أهدافها من خلال إدارة علاقاتها الخارجية بالشكل الذي يحقق لها مصالحها وبما يتوافق مع القوانين والأعراف الدولية، لذلك ترسم الدبلوماسية للدول وفق الحاجة والمصالح الداخلية في كل المستويات، مما يدفع أي بلد إلى أن يحدد أنماط الدبلوماسية التي يعمل على تطبيقها وهذا ما جعل هناك تنوع في صور وأشكال الدبلوماسية مثل: دبلوماسية القمة ودبلوماسية المنظمات الدولية والدبلوماسية الدفاعية والدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الثقافية وغيرها، وقد لا تنجح كثير من الدول في تنفيذ سياساتها الخارجية بحكم عوامل عديدة، وبالتالي تتحول كثير منها إلى بؤر توتر ممكن أن تسبب ارتباكاً أو تهديداً للدول المجاورة أو لمحيطها الإقليمي أو حتى الدولي.

انتقلت المملكة العربية السعودية، نتيجة ما تمر به منطقة الشرق الأوسط بشكل عام أو المنطقة العربية والخليج من توترات يمكن أن تنتج تداعيات سلبية على أمن واستقرار واقتصاد الدول جميعاً، إلى اعتماد نمط دبلوماسي جديد يقوم على فلسفة التكامل والشراكات وإحلال السلام، والذي يمكن أن نعده تطويراً لمبدأ الدبلوماسية الوقائية الهادف إلى درء الأزمات قبل وقوعها ومحاولة حلها قبل أن تتفاقم إلى نزاع مسلح، وهذا يتم من خلال الاستناد إلى عدة أدوات لغرض النجاح، لهذا انطلقت الدبلوماسية السعودية بعدة مسارات لتحقيق هذه الرؤية الخارجية ونقل الدبلوماسية للمملكة من كونها خادمة لسياسات ومصالح السعودية إلى أن توفر القنوات لبقية الدول من أجل تحقيق مصالحها ووفق الأعراف والقوانين الدولية.

وفرت السعودية منصة للدول العربية من خلال اعتمادها نمط دبلوماسية القمة لتوحيد المواقف والمصالح، وهذا ما ظهر أثناء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية في العام 2022، وطرحها مبادرة السلام والحل السياسي في اليمن وأثر استقرار هذا البلد على الممرات المائية والتجارة العالمية، كذلك فإن قبولها الصلح مع إيران لم تنظر إليه كدبلوماسية تقتصر عند حدود مصالح المملكة الخاصة، بل راعت فيه مصالح دول المنطقة العربية والإسلامية وبقدر ما يحققه من انعكاسات على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، فضلاً عن أن القمة العربية التي رعتها المملكة في جدة، أسّست لمرحلة جديدة في التكامل العربي، فالمملكة دفعت بنهج جديد من خلال القمة على مستوى التحضير لها أو لهدفها الأهم وهو لم الشمل العربي وهذا ما ظهر حين رعت عودة سوريا إلى حاضنتها العربية بحضور الرئيس السوري إلى قمة جدة 32، فضلاً عن قدرة الدبلوماسية السعودية على نقل هذا الحدث من نطاقه العربي إلى نطاق عالمي ودفع المنتظم العربي ليكون كتلة قادرة على طرح رؤيتها في القضايا العالمية وإمكانية لعب العرب دور الوسيط في الصراع بين روسيا وأوكرانيا والبناء على الخطوات الدبلوماسية السعودية الناجحة التي ساهمت بصفقة تبادل الأسرى بين موسكو وكييف والتي انتهت بإفراج موسكو عن عشرة أسرى من مواطني المغرب وأمريكا وبريطانيا والسويد وكرواتيا في إطار تبني المبادرات الإنسانية.

إن الدبلوماسية السعودية الناجحة والتي جاءت تطبيقاً لرؤية الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان وفرت أرضية ثابتة وصلبة تنطلق باتجاه المستقبل، خصوصاً بعد أن عانت المنطقة من الأزمات والحروب والاستنزاف التي تضرر الجميع من استمرارها، فاعتماد دبلوماسية تدعم الحوار مع كل دول الجوار في التعاطي مع أي مسألة خلافية، والعمل على منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ومغادرة لغة الحروب هو الحل الأمثل للوصول للسلام الدائم وبناء الثقة بشكل متصاعد، مما يجعل دول المنطقة والدول الكبرى أمام فرصة ذهبية لن تتكرر لاستثمار هذا النهج للدبلوماسية السعودية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى