إعادة التجنيد في الأردن.. صناعة الرجال وتعزيز المواطنة

كتبت لما جمال العبسه في صحيفة الدستور.
وقت حرج تعيشه المنطقة العربية ككل عنوانها التشظي والرغبة الصهيونية في اشعالها من خلال ادواتها السياسية والاعلامية والاجتماعية وفكرها الصهيوني الفاشي الهادف الى زعزعة ثقة المواطن العربي في دولته ومجتمعه وجعلت من بعضهم بطريقة غير مباشرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي واحيانا ابواق اعلامية خارجة عن السرب اداة لتنفيذ خطة الفكر الصهيوني في التوسع على حساب الدول.
في هذه اللحظة الاقليمية الحرجة، اخذ الاردن قرارا بعودة التجنيد، واعتقد انه لم يكن اجراء عسكريا فحسب، بل فعل سياسي اجتماعي يعيد تعريف العلاقة بين الفرد والوطن على اساس تعزيز الانتماء الوطني وتعميق الحس الاجتماعي والانخراط فيما بين الجانبين، للعودة الى الجذور التي جعلت من الاردن على مدار عقود دولة متماسكة رغم كل ما يعصف بجوارها.
منذ ان أُعلن هذا التوجه، خرجت وللاسف بعض الاصوات المناوئة، ليس للتحليل واستخلاص عمق هذا التوجه ولكن لاسباب اخرى اقل ما يقال عنها انها سطحية ولديها اهداف غير شريفة ان صح القول، ذلك انهم غضوا الطرف عن اهمية المرحلة التي تحتاج بكل قوة لمواجهة التفكك الاقليمي والتضليل الاعلامي المعزز لهذا التشرذم.
لطالما كان الجيش الأردني أكثر من مجرد قوة عسكرية؛ فهو مؤسسة تربوية، أخلاقية، ووطنية، وإعادة التجنيد تعني إعادة فتح أبواب هذه المؤسسة أمام جيل جديد، يحتاج إلى من يُعيد تشكيل وعيه، ويغرس فيه قيم الانضباط، التضحية، والانتماء، في وقت تتآكل فيه المرجعيات، ليبقى الجيش مصنعا للرجال، لا بالمعنى الجسدي فقط، بل بالمعنى الأخلاقي والوطني.
واذا ما نظرنا الى الامر في بعده السياسي، نجد ان القرار بإعادة التجنيد يعكس رغبة الدولة الاردنية في تجديد العقد الوطني، كما سيقوم بتعزيز دوره في اعادة تعريف المواطنة على اعتبار انها ليست مجرد انتماء جغرافي انما مشاركة فعلية في حماية الوطن ارضا وحدودا وشعبا، ما يعني ان هذا الاعلان يُحمل الجميع مسؤولية الدفاع عن الاردن ابتداء من كل مجند يتعلم أن الوطنية ليست شعارا بل ممارسة يومية.
أما اجتماعيا، فإن لهذا القرار بعدا هاما وسط انفجار وسائل التواصل الاجتماعي، وتحوّلها إلى منصات لترويج الشائعات وتفكيك الثقة، فهو وسيلة لتحصين الشباب معرفيا، حيث يتعلم المجندون داخل المؤسسة العسكرية كيف يميزون بين الحقيقة والتضليل، وكيف يفهمون السياقات السياسية والإعلامية، اي انهم سيصونون المجتمع من الانجرار وراء حملات التشويه والتفكيك التي تستهدف استقرار اردننا ومناعته الوطنية.
اقليميا، فانه لا يمكن لا يمكن فصل إعادة التجنيد عن السياق الإقليمي المتوتر والتحديات التي يواجهها، حيث تتعرض دوله لضغوط أمنية وسياسية متزايدة، وفي هذا السياق، يصبح التجنيد رسالة سياسية واضحة بان الأردن يراهن على شعبه، على شبابه، وعلى قدرته على الصمود.
التجنيد هو استثمار في الإنسان، باعتباره خط الدفاع الأول، وحامل المشروع الوطني في وجه كل تهديد.