صراع ترامب وماسك

كتب فارس الحباشنة في صحيفة الدستور.
خلاف ترامب وماسك تحول إلى معركة تغريدات.
التحالف بين أقوى رئيس في العالم وأغنى رجل فيه يتهاوى. وأنه ليس مجرد علاقة براغماتية، بل إنه الوهم الأمريكي الكبير.
ووهم السيطرة على التكنولوجيا والعلوم والقوة المفرطة، والدولة «الإمبراطورية».
وأنه شكل من أوهام تجاوز النفوذ الشخصي للدولة والقوانين والمؤسسات. ترامب وماسك لم يجمعهما حزب أو رؤية سياسية وأيدولوجية. وما جمع ترامب وماسك فردانية مفرطة، وغرور يلامس السماء.
وكلاهما ينظران إلى النظام والسلطة كأداة.
والسلطة مشروع ذاتي نرجسي، لا يلتزم بميثاق ولا مساءلة. والتقيا على طموح بلا سقف، وعلى قناعة أن المنصة أقوى من الدولة، وأن الخوارزميات أسرع من الدستور. قبل الانتخابات أبرم ترامب وماسك اتفاقًا. وحيث فتح ماسك فضاء منصة «إكس» تويتر سابقًا، ومنح ترامب مفاتيح القوة والنفوذ.
وأطلق له العنان في التغريد، وضخ أموالًا وعقد اتفاقات. تقاسما الرغبة في مساحات مرئية ولا مرئية للهيمنة والنفوذ. علاقة بنيت على المزاج والرغائبية، وسرعان ما انهارت في أول تصادم.
ماسك يهاجم خطة ترامب الاقتصادية، ويصفها بالعار المقزز. ويلمح إلى ورود اسم ترامب في ملفات فضائحية مع الملياردير الراحل جيفري أبستين، والمتهم بالتحرش الجنسي واغتصاب قاصرات.
وترامب يرد بسحب الغطاء عن ماسك، والتهديد بإلغاء العقود، والسخرية من مظهر ماسك أمام الناس.
وعرض ترامب سيارة تيسلا التي يملكها للبيع.
لا مرجعية تضبط الصراع والنزاع بين الرجلين.
وأول ارتدادات صراع ترامب وماسك قلق في الأسواق المالية، وارتباك في دوائر القرار، وصمت في وادي السيليكون. وإنه تحالف اليمين التكنولوجي، وقد دب به الانهيار، وفي أطراف اللعبة بات أحدهم عبئًا على الآخر. وفي الرأسمالية لا ولاء إلا للسلعة، وقيم الاستهلاك.
انفصال وصراع ترامب وماسك يكشف هشاشة التحالف. ويكشف عن نمط حكم جديد في ظل «شعبويات رقمية». لا مؤسسات بل إدارة تطبيقات، كل شيء قابل للتعديل وإعادة التشغيل، لا توازن ولا مساءلة بكبسة زر، وكبسة تتحكم في دولة ووطن.
ترامب يرى أمريكا امتدادًا لذاته وشخصيته، لا كيانًا عامًا. وماسك، ضخ وتبرع بملايين الدولارات في الحملة الانتخابية دعمًا لترامب.
نهاية التحالف بين ترامب وماسك ليست كحادثة شخصية. بل هوعرض مكشوف لانهيار أوسع، انكسار لعلاقة السلطة مع المجتمع، وتحول الدولة إلى تطبيق يُدار من يد المالك، لا من عقل مؤسسات الدولة.
مشهد، لا يُبقي على السياسة كوظيفة عامة، ولا وزن للمؤسسات، بل يُعاد تشكيل الحكم وفق منطق السوق، وحيث الولاءات تُسيَّر وتُبرمج القرارات، ويُحذف كل ما لا ينسجم مع كود السيطرة. إنها لحظة ما بعد الدولة، ولحظة حكم خيال الخوارزمي، ويُدار مصير الشعوب والدول والأمم بلمسة إصبع.