لحماية المناخ.. بدائل “نظيفة” ورخيصة لأجهزة التكييف.
في أجواء الصيف القائظ في الكويت يصعب الخروج إلى الشوارع إذ يكون الأمر مهلكا فالحرارة المرتفعة تشيع من كل مكان، لذا يلجأ سكان البلاد إلى البقاء في أماكن مزودة بأجهزة تكييف حيث لا مناص عن ذلك الخيار.
ويستذكر ألكسندر ناصر، الذي عاش في السابق في الكويت، ذكريات هذه الأجواء، قائلا “الأمر الشائع في الكويت في هذا الطقس البقاء داخل المسكن المكيف أو السيارة المكيفة أو التواجد في المركز التجاري المكيف. بالطبع كان الأمر سيئا للبيئة، لكنه الطريقة الوحيدة لتجنب جحيم الشارع”.
في عام 2014، انتقل ناصر إلى برلين، لكن لم يتمكن من الهروب من الطقس الحار إذ تصل درجات الحرارة في العاصمة الألمانية خلال فصل الصيف إلى 38 درجة مئوية رغم اعتدال الطقس مقارنة بالطقس الخليجي.
بيد أن الفارق هو عدم انتشار أجهزة التكييف في ألمانيا مقارنة بالكويت وباقي دول الخليج.
وفي ذلك، قال ناصر في مقابلة مع DW عام 2022: “لا أستطيع تحمل الطقس ولا أريد اللجوء إلى مكيف الهواء مرة أخرى. لكن الأمر يزداد سوءا كل عام ونجد صعوبة في التكيف مع الطقس“.
تزايد الطلب على أجهزة التكييف
وبسبب تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ، تزايد الاحترار العالمي في جميع أنحاء العالم حيث يعد الصيف الجاري الأكثر ارتفاعا في درجات الحرارة فيما قالت ناسا إن يوليو / تموز الماضي كان الأكثر سخونة على الإطلاق.
تزامن مع تزايد الطلب على شراء أجهزة التكييف التي كان استهلاكها من الكهرباء مع المراوح الكهربائية يبلغ حوالي 10% من الاستهلاك العالمي للكهرباء عام 2018، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
لكن أجهزة التكييف لا تنتشر على نطاق واسع إلا في عدد قليل من البلدان مثل اليابان والولايات المتحدة حيث تمتلكها أكثر من 90% من الأسر فيما تصل النسبة في المناطق الأكثر حرارة في العالم إلى 8 بالمائة.
بيد أنه مع ارتفاع الحرارة خلال فصول الصيف، شهدت مبيعات أجهزة التكييف ارتفاعا خاصة في الدول ذات الاقتصادات الناشئة فيما يتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء ثلاث مرات بحلول عام 2050.
وتؤدي زيادة الطلب على أجهزة تكييف الهواء إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء ما يسفر عنه زيادة في حرق مصادر الوقود الأحفوري لينجم ذلك في نهاية المطاف انبعاث المزيد من الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وقالت سنيها ساشار، المديرة المساعدة في مبادرة “التعاون من أجل تبريد نظيف”، إن الأمر يمثل حلقة مفرغة، مضيفة “نحن نقوم بتبريد الأماكن الداخلية، ولكننا نقوم بتدفئة الأماكن الخارجية وزيادة حرارتها. ليؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى زيادة الطلب أجهزة التكييف”.
وفي محاولة كسر هذه الحلقة المفرغة، يقول العلماء إنه يمكن اللجوء إلى ما يُعرف بـ “التبريد السلبية” بهدف التحكم في درجة الحرارة باستخدام القليل من مصادر الطاقة أو حتى بدونها.
وقالت ألكسندرا ريمبل، الأستاذة المساعدة في مجال البيئة والبناء بجامعة أوريغون الأمريكية، إن التبريد السلبي يعد “واعدا لأنه أقل تكلفة فضلا عن قدرته على التقليل من تأثير الجزر الحرارية بالمناطق الحضرية ويساهم في تقليل الاعتماد على أجهزة التكييف فضلا عن أنه لا يمثل عبئا على شبكات الكهرباء”.
حلول بسيطة لمواجهة الطقس الحار
وفي سياق متصل، قال خبراء إنه يمكن تبريد المنازل بحلول بسيطة مثل القيام بفتح النوافذ خلال المساء للسماح بدخول الهواء البارد أو وضع أغطية داكنة على النوافذ خلال أوقات النهار.
وقد عكفت ريمبل على القيام بدراسة كشفت عن أن هذه الطرق البسيطة يمكنها أن تخفض درجات الحرارة داخل المنازل بحوالي 14 درجة مئوية ومن ثم تقليل الاعتماد على أجهزة التكييف بنسبة قد تصل إلى 80 بالمائة.
منذ مرحلة البناء
ويقول الخبراء إنه يمكن دمج التبريد السلبي في عمليات البناء والتشييد حيث نجحت بعض الطرق البدائية التي تعود لقرون في تقليل درجات الحرارة مثل إنشاء “مصائد او أبراج الرياح” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويتم وضع هذه الأبراج ذات النوافذ المفتوحة فوق المباني حيث تعمل على التقاط الرياح والنسيم ثم تعمل على توجيهه داخل المنازل مع دفع الهواء الساخن خارج المنازل ما يعني إمكانية الاستفادة من هذه الفكرة عند إنشاء المباني الحديثة.
ويضاف إلى ذلك اللجوء إلى خيار آخر يتمثل في جعل ألوان النوافذ داكنة لحجب أشعة الشمس حيث كشفت دراسة أجريت في الهند عن هذا الأمر يقلل درجات الحرارة داخل المنازل بمقدار 2 إلى 5 درجات مئوية.
وخلال عمليات البناء ينصح خبراء البيئة بدراسة اتجاه الريح قبل البناء لأن ذلك قد يساهم في تهوية المنازل ومن ثم تلطيف الجو داخلها خلال الصيف.
وفي هذا السياق، يشدد تشارلز غالافاردين، المؤسس المشارك لشركة Kanopea Architecture & T3 Architects “”، على ضرورة الانتباه إلى اتجاه الشمس عند عمليات البناء للتأكد من عدم تعرض واجهات المنازل لأشعة الشمس مباشرة.
وأضاف “بعد ذلك تأتي خطوة دراسة اتجاه الرياح”، مشيرا إلى أن هذه الطرق قد تخفض درجات الحرارة في الأماكن المغلقة بنحو 5 درجات مئوية.
بيد أن التبريد السلبي لا يقتصر على خفض درجات الحرارة داخل المنازل بشكل مباشر إذ يمتد الأمر بخفض درجات الحرارة خارج المنازل والمناطق المحيطة، لكن هذا الامر ليس بالسهل وسط الكتل الخرسانية في المدن الكبرى.
وفي ذلك، قالت ريمبل إنه “عندما تسقط أشعة الشمس على الشوارع والأرصفة طوال اليوم، فإنها تخزن الحرارة داخلها حيث تستمر في إشعاعها مرة أخرى في الليل ما يؤدي في نهاية المطاف إلى استنزاف بعض موارد التهوية سواء الطبيعية أو الصناعية مثل أجهزة تكييف الهواء“.
الاحتماء بالأشجار
لا يجب التقليل منأهمية الأشجار خلال الصيف الحار إذ علاوة على أن الأشجار توفر الظل من أشعة الشمس، فهي أيضا تعد مصدرا للبرودة حيث تمتص الأشجار والنباتات الماء من خلال جذورها ثم ينبعث بخار الماء من أوراقها مما يؤدي بدوره إلى تبريد المنطقة المحيطة بالأشجار.
وفي هذا السياق، قامت السلطات الكولومبية بزراعة ما أطلق عليه “ممرات خضراء” التي عبارة عن ممرات زُرع فيها نباتات وأشجار حيث يحتمي فيها المارة بعيدا عن أشعة الشمس المباشرة. ووجد الباحثون أن هذه الممرات قد ساعدت في خفض متوسط درجات الحرارة في المدينة بمقدار درجتين مئويتين في ميديين التي تعد ثاني أكبر مدن البلاد.
كذلك تحد النباتات الموجودة على بعض واجهات ناطحات السحاب من شدة درجات الحرارة في سنغافورة إذ قال أيو سوكما أديليا، المهندس المعماري من مجال أبحاث تبريد في سنغافورة، إن “وجود عشرة أمتار من المساحات الخضراء أمام المباني، قد يساعد في خفض درجة حرارة بمقدار 5 درجات مئوية”.
تبريد مناطق بأسرها
ويقول الباحثون إن هناك طريقة لتبريد مناطق بأسرها عن طريق وحدات تبريد ضخمة تحت الأرض حيث تمتلك سنغافورة “أكبر محطة تبريد تحت الأرض في العالم” حيث تعمل على خفض درجات الحرارة داخل المباني السكنية والبنوك ومراكز التسوق والفنادق الشهيرة حيث تسري المياه الباردة على عمق 25 مترا تحت الأرض.
ثم يتم بعد ذلك نقل المياه الباردة عبر الأنابيب المغلقة حيث تتدفق إلى أجهزة المبادل الحرارية في كل مبنى من أجل امتصاص الحرارة وتبريد المبنى قبل أن يتم إعادة الماء إلى محطة التبريد المركزية تحت الأرض.
ويقول الباحثون إنه عند استخدام هذه التقنية لتبريد مناطق بأسرها، فإن هذا قد يساهم في خفض استهلاك الكهرباء بمعدل 50 بالمائة مقارنة باستخدام أجهزة التكييف التي يتم استخدامها حاليا في مدن مثل تورونتو وباريس وهونغ كونغ.