لبنان وغزة رهينة الصراع الإيراني – الإسرائيلي

كتب العيد التقاعد نزار عبد القادر في “اللواء”:
شهد الاسبوع الماضي جولة جديدة من العمليات العسكرية التي شنتها اسرائيل ضد قطاع غزة، مستهدفة ما يقارب 170 هدفاً لمنظمة الجهاد الاسلامي، والتي ردّت خلال ثلاثة ايام من هذه الحرب القصيرة مع اسرائيل باطلاق ما يقارب 1000 صاروخ، سقط منها ما يُقارب 200 صاروخ داخل القطاع. ادت هذه الحرب وفق الاحصاءات المتوفرة إلى 44 قتيلاً من الجانب الفلسطيني، من بينهم قائدان عسكريان بارزان من الجهاد الاسلامي.
تذكرنا هذه الحرب القصيرة التي شنتها اسرائيل ضد هذا التنظيم بالحرب التي اندلعت في تشرين ثاني عام 2019، والتي دامت لخمسة ايام والتي قتل فيها 34 فلسطينياً وجرح 111، مقابل 63 جريحاً في الجانب الاسرائيلي، ويؤشر سجل العمليات العسكرية الى امكانية تجدد العمليات في المستقبل المنظور وذلك لسببين:
الاول، حالة الحصار التي يعيشها قطاع غزة، والتي تتسبب بفرض حالة من الظلم والحرمان ضد مليون فلسطيني، هذا بالاضافة الى ما يلقاه سكان الضفة الغربية من ظلم واضطهاد ومصادرة اراضٍ، وطرد عائلات من منازلها وهدمها في القدس الشرقية وغيرها من المدن والقرى. يضاف الى ذلك المداهمات والتوقيفات التي تشنها الاجهزة الامنية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة، والتي ادت مؤخراً الى توقيف بسّام السعدي مسؤول تنظيم الجهاد الاسلامي في جنين، مما تسبب بحدوث التوتر الذي ادى الى اندلاع العمليات العسكرية الاخيرة، بعد ان قررت اسرائيل القيام بعمليات استباقية ضد مواقع التنظيم داخل القطاع.
الثاني، تراكم التعقيدات بفعل العمليات الاسرائيلية، في ظل غياب كامل لأي مشروع حل ينصف الشعب الفلسطيني، ويفتح الباب لاستعادته بعض حقوقه، وبما يفتح الباب لتحرير الارادة الفلسطينية من الارتهان لمشاريع ايران في المنطقة، وبالتالي فك وتحرير الحركة الاسلامية في فلسطين من القبضة الايرانية، لا يبدو بأن حدوث مثل هذا التطور سيكون ممكناً في المستقبل المنظور، وبما يفتح الباب بجولات مواجهة جديدة، في ظل استمرار اسرائيل والجهاد الاسلامي في الادعاء بتحقيق «انتصارات وهمية» في نهاية كل جولة من هذه الحروب القصيرة.
لكن يبقى اللافت والمؤسف في آن، ان الاعلام الدولي لم يُعر اي اهتمام بكل ما جرى من عمليات قصف للمناطق الاهلية داخل غزة والتي تسببت بقتل عشرات المدنيين ومن بينهم اطفال. ويمكن على سبيل المثال القول بأن الصحف الاميركية الكبرى، ومنها صحيفة «نيويورك تايمز» لم تورد اي خبر عن هذه الحرب وما تسببت به من خسائر بشرية. وتسجل في نفس الوقت حالة غياب الاهتمام السياسي والدبلوماسي الدولي والعربي، والذي اقتصر على المبادرة المصرية «المشكورة» التي انتهت بنجاحها في اعلان وقف لاطلاق النار، وباعادة فتح معابر التموين باتجاه القطاع. اما التصريح المقتضب الذي صدر عن الرئيس الاميركي بايدن، فقد جاء ليؤكد على دعم قرار الحكومة الاسرائيلية في شن الحرب، وعلى حق اسرائيل في القيام بما تراه مناسباً للحفاظ على أمنها، ونسجل ايضاً عدم اهتمام مجلس الامن، والذي اجتمع بعد وقف العمليات بدعوة من مندوب فلسطين، وذلك للاستماع الى «احاطة» اخبارية عن العمليات يقدمها هذا المندوب.
صحيح ان وقف النار الذي حققته الوساطة المصرية ما زال صامداً، ولكن يبقى صموده مؤقتاً بانتظار عمل امني جديد تقوم به اسرائيل في غزة او الضفة، او اي اختراق امني تنفذه حركة «الجهاد الاسلامي» خدمة للاجندة الايرانية او خدمة لاهدافها الداخلية سواء في غزة او الضفة الغربية، وذلك في اطار عملية التفاف شعبي ووطني ومواجهة حماس، والسلطة الفلسطينية.
لا بد أن ندرك ان مصير فلسطين ومستقبل شعبها لم يعد في ايدي منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية او حماس، بل انتقل الى ايدي الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تخضع للوصاية الايرانية.
فالسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس قد شاخت ولديها مشاكلها الداخلية والعربية والدولية، وهي مشلولة بشكل شبه كامل منذ توقف عملية السلام، وإن المشاريع التي قادتها الولايات المتحدة على المستويين الداخلي والدولي ومنها «مشروع العصر» و«مشروع ابراهام» قد جعلاها في حالة من الموت السريري، ولم تنجح زيارة الرئيس بايدن الاخيرة الى اسرائيل ورام الله باعطائها اية جرعة منشطة للعودة الى ممارسة دورها المعهود. اما حماس، والتي اكتسبت شهرتها كمنظمة اسلامية قتالية، فهي منشغلة منذ فترة زمنية في تقوية مواقعها في حكم القطاع، وهذا ما حدا بمنظمة الجهاد الاسلامي للتقدم عليها كفصيل جهادي تموله وتسلحه ايران. لقد ادى هذا التقدم لدور الجهاد الاسلامي في مقاومة اسرائيل عسكرياً وامنياً الى تراجع الدعم الشعبي الذي كانت تحظى به حماس. وتتجه قيادات حماس الى تحميل اسرائيل مسؤولية تراجع شعبيتها، في الوقت الذي تتحمل فيه قيادات حماس مسؤولية هذا التراجع دورها داخل فلسطين، ومع القيادات الايرانية نفسها، والتي باتت تجد في حزب الله والجهاد الاسلامي القوة العسكرية اللازمة لممارسة الضغوط العسكرية اللازمة ضد اسرائيل ،وضد المصالح الأميركية في المنطقة.
في الواقع نجحت ايران في اضعاف الموقف الاميركي في المنطقة كما نجحت في ارباك المؤسسات الامنية الاسرائيلية من خلال استعمالها لقدرات حزب الله والجهاد الاسلامي، وكان المؤسف في الامر بأن الولايات المتحدة لم تعط لمواجهة هذا الامر الاهتمام الكافي للحد من مفاعيله على الصعيد الاقليمي. حيث لم يعد الامر يقتصر على تأثيراته على الامن الاسرائيلي بل يمتد ليشمل الامن الاقليمي في ظل قدرات حزب الله على التدخل في الصراعات الاقليمية كسوريا واليمن وعدة دول خليجية.
ما لم تدركه واشنطن بأن طهران لا تهتم لتحرير فلسطين، ولكنها تركز على تهديد «الوجود الاسرائيلي» الحليف الاساسي لاميركا، وهي تفعل ذلك بأقل خسائر وكلفة ممكنة، وذلك من خلال مد الجهاد الاسلامي بالمال والسلاح، وذلك بهدف الدفع نحو تسعير الازمات والتهيئة لاندلاع الحروب في المنطقة.
اندلعت الحرب الاخيرة في وقت ما زالت فيه ادارة بايدن تركز على بذل اقصى مساعيها لانقاذ الاتفاق النووي مع ايران. وهي تهمل بذلك واجب العمل على اقامة جبهة شرق اوسطية قادرة على التصعيد لتهديدات ايران المزعزعة لامن واستقرار الدول والمجتمعات، بالاضافة الى الحد من برامجها الصاروخية، والتدخل في شؤون جيرانها الداخلية وخصوصاً في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
يبدو بوضوح بأن الارتهان الفلسطيني لمحور الممانعة سيؤدي الى استمرار الحالة المزعزعة الراهنة، ولكنه لن يؤدي الى استعادة الاهتمام العربي والدولي باقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل. ويبقى الامل بالقدرة على استعادة الاهتمام بمستقبل فلسطين ومصير شعبها من خلال وحدة الشعب الفلسطيني، وبالتالي الكف عن الرهانات الخاطئة والتي تصب في الصالح الايراني.
على الشعب اللبناني ان يأخذ العبر من تراجع الاهتمام الدولي والعربي بفلسطين وشعبها، حيث يدرك الجميع خطورة القطيعة التي يواجهها لبنان عربياً ودولياً كنتيجة لرهانات حزب الله الاقليمية، والتي في حال استمرارها في التصعيد الراهن يمكن ان تؤدي الى نشوب حرب مدمرة لا يملك لبنان القدرة علي التعامل مع نتائجها.
لا يمكن المقارنة بين لبنان وغزة، فلبنان ما زال دولة قائمة، تمتلك كل عناصر السيادة للدولة المستقلة، ولا يحق او يجوز لحزب الله او ايران التلاعب بمصيره، طمعاً لمشاريع الهيمنة التي تقودها طهران.