أنصار بوتين وثورة الفلاحين في أوروبا!
كتب خالد أبو بكر في صحيفة الشروق.
يعيش الكثير من دول الاتحاد الأوروبى موجة من الاحتجاجات المتزامنة للفلاحين، الذين أغلقت جراراتهم الطرق السريعة فى فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا، وأصابت مدينة فيلنيوس بالشلل فى ليتوانيا. وفى هولندا حاصر المزارعون منزل أحد الوزراء، فيما تظاهر مئات الآلاف فى إسبانيا، كما حاصر آلاف المزارعين البلجيك القمة الأوروبية التى انعقدت فى المفوضية الأوروبية فى بروكسل الخميس الماضى، وهو ما دعا بعض الصحف ووسائل الإعلام الأوروبية لأن تطلق على هذا الحراك الاحتجاجى مسمى «ثورة الفلاحين».
فى الحديث عن أسباب هذا الحراك أو تلك الثورة لمزارعى أوروبا، يمكن أن نمسك بعض الخيوط العريضة المشتركة بين هؤلاء الفلاحين فى مختلف الدول الأوروبية، مع الإقرار بوجود بعض الأسباب الداخلية التى تختلف من دولة إلى أخرى، لكن مهما تعددت الأسباب فإن بصمات اليمين المتطرف الموالى فى الغالب لروسيا والمناهض للاتحاد الأوروبى واضحة للعيان فى إذكاء تلك الموجة من الاحتجاجات التى تهز التكتل الأوروبى.
***
على رأس الأسباب العامة لغضب الفلاحين فى الاتحاد الأوروبى تأتى المنتجات الزراعية الأوكرانية التى يرون أنها أغرقت السوق الأوروبية، بعد أن سمح الاتحاد الأوروبى بدخولها إليه فى محاولة لدعم أوكرانيا فى حربها ضد روسيا، ولهذا السبب يطالب المزارعون المحتجون المفوضية الأوروبية بفرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية القادمة من أوكرانيا، باعتبار أن ذلك هو الطريقة الوحيدة لتحقيق الاستقرار فى الأسواق فى أوروبا مرة أخرى.
فى هذا الأمر بالضبط صرحت وزيرة الشئون الأوروبية النمساوية كارولين إدتشتادلر المنتمية لحزب الشعب الحاكم (يمين الوسط) قائلة: «إذا خرج المزارعون فى العديد من البلدان إلى الشوارع، فعلينا أن نأخذ الأمر على محمل الجد ونتحرك، يتعلق الأمر هنا بالقرارات المقبلة بشأن واردات الاتحاد الأوروبى المعفاة من الرسوم الجمركية من المنتجات الزراعية الأوكرانية.. لقد ساعد الاتحاد الأوروبى أوكرانيا، لكنه ألحق الضرر بنفسه».
***
لقد استغل اليمين المتطرف المقرب من روسيا تلك الموجة الاحتجاجية للفلاحين لتعزيز أجندته المناهضة للتكتل الأوروبى ولنشر عدم إيمانه بالمخاطر المتعلقة بالتغيرات المناخية، وفى هذا الخصوص يمكن أن نقول إنه مثل اليمين المتطرف يعارض المزارعون المحتجون بشدة ما يعرف بـ«الصفقة الأوروبية الخضراء» التى تستهدف الوصول بانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى إلى الصفر بحلول عام 2050 فى الاتحاد الأوروبى عبر ما يعرف بـ«الحياد المناخى».
وبمقتضى هذه الصفقة الخضراء» يلتزم الفلاحون الأوروبيون بعدم استخدام المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، وهو ما يؤدى حتما إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية كما يقول المزارعون، فضلا عن الزامهم باتباع طرق صديقة للبيئة فى الزراعة مثل ترك مساحة «بور» فى كل مزرعة، مع تطوير الزراعة العضوية وحماية التنوع البيولوجى، وهو الأمر الذى تسبب فى خسائر للفلاحين الأوروبيين، الذين يقولون إن المناطق الأخرى من العالم لا تلتزم بكل هذه القيود وفى نفس الوقت تغرق منتجاتها الأسواق الأوروبية، ويعتبرون ذلك أمرا غير عادل بالنسبة لهم ويخرجهم من المنافسة.
مثل اليمين المتطرف المدعوم من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ــ بحسب الكثير من الدراسات ــ يعارض الفلاحون الأوروبيون معاهدة الاتحاد الأوروبى الجديدة التى تفتح الباب أمام استيراد المزيد من لحوم البقر من الأرجنتين والبرازيل، وهما من الدول التى لا تخضع لمعايير صارمة لرعاية الحيوان، وفق النقابات الزراعية الأوروبية. فضلا عن أن المنتجات الحيوانية القادمة من أمريكا اللاتينية غالبا ما تكون رخيصة وبعيدة عن المعايير المطلوبة التى يخضع لها المنتجون المحليون الأوروبيون، وهو ما يعرضهم لخسائر.
***
توجيه الاتهام للأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب «التجمع الوطنى الفرنسى» وحزب «البديل من أجل ألمانيا»، وحزب «الحرية» فى النمسا بمحاولة استغلال غضب المزارعين، مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبى المقررة فى يونيو المقبل صارت موضعا للمناكفات السياسية فى العديد من دول الاتحاد الأوروبى، وتشير استطلاعات الرأى إلى أن التحالف بين المزارعين واليمين الشعبوى يساعد فى زيادة جاذبية الأحزاب اليمينية المتطرفة بين ما يقرب من تسعة ملايين مزارع فى الاتحاد الأوروبى وعائلاتهم؛ لذلك لا نستغرب ما أظهره استطلاع أجراه المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، بأن الأحزاب اليمينية المتطرفة احتلت المرتبة الأولى فى تسع دول فى الاتحاد الأوروبى.