رأي

ضرورة حظر الأسلحة النووية دوليا.

كتب نبيل فهمي في إندبندنت.

أحيت اليابان في السادس من أغسطس (آب) الماضي الذكرى الـ78 للهجوم النووي الأميركي على مدينة هيروشيما غرب البلاد، وصدر عن المناسبة إعلان السلام السنوي، ويحضرها عبر السنين آلاف من المواطنين وشخصيات دولية وعالمية عديدة احتراماً لأهل المنطقة من الضحايا ويقدرون بـ140 ألف شخص وعدد من الناجين.

لهذه المناسبة أهمية متزايدة الآن مع ارتفاع حدة التوترات الدولية بين الدول النووية الكبرى نتيجة للحرب في أوكرانيا وما يتردد عن نشر الأسلحة النووية بالقرب من منطقة النزاع، وإحياء الحديث عن حرب باردة بين رؤساء الأقطاب القديمة، وكذلك مع ارتفاع حدة التصريحات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين.

وخلال هذا الصيف أطلق فيلم جديد عن عالم الذرة الأميركي روبرت أوبنهايمر الذي كان طرفاً رئيساً في المشروع السري المسمى “مشروع مانهاتن” بهدف صناعة أول  قنبلة نووية في 16 يوليو (تموز) 1945، وأتطلع كثيراً لمشاهدة الفيلم بعين ثاقبة  قريباً لاهتمامي بهذه القضية، مع تقديري بأن التاريخ لا يكتب من زاوية واحدة، وأنه لا توجد رواية مكتملة العناصر مع حساسية الموضوعات وعدم تداول المعلومات بشكل واسع، واختلاف المصالح والرغبة في إخفاء بعض المواقف أو تبرير القرارات الصعبة.

يذكر أن الفيلم عرض عدداً من التناقضات في مواقف الدول والعلماء المشاركين فيه بما في ذلك أوبنهايمر نفسه، الذي شعر بالذنب وتأنيب الضمير من الخسائر الإنسانية الضخمة.

وهناك سؤال جوهري يتعلق بضمائرنا الوطنية وتقديراتنا الأمنية والعسكرية، ألا وهو هل كان استخدام الأسلحة النووية ضرورة عسكرية في ضوء انحسار  القدرات العسكرية اليابانية حينذاك؟ وهل نقبل على أنفسنا وضمائرنا استخدام تلك الأسلحة الفتاكة التي يذهب ضحاياها آلاف المدنيين لمجرد الحد من خسائرها العسكرية المحتملة؟

يخطئ من يعتبر السؤال جزءاً من التاريخ مع عودة الحديث عن الأسلحة النووية كسلاح عسكري عملياتي الآن، واستخدام الأسلحة المحرمة أو المنبوذة مثل الذخائر العنقودية لأنها الأكثر فاعلية عسكرياً، كما يجب عدم إغفال خطورة حيازة عدد غير قليل من الدول للأسلحة النووية وصل عددها إلى تسع دول على الأقل، وحيازة أكثر من 130 ألف سلاح نووي، واستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بخاصة الطاقة والطب، بما لا يسمح بحظرها، كلياً وحصرياً، خصوصاً مع انتشار المعلومات عن هذه التكنولوجيات لفئات مختلفة من مجتمعاتنا العسكرية والمدنية والشرعية وغير المشروعة.

ولعلنا نتذكر أن أول قرار للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، التي أنشئت بعد الحرب العالمية واعتبرت العمود الفقري للنظام الدولي المعاصر صدر في 24 يناير (كانون الثاني) 1945 بعنوان “إنشاء هيئة تابعة لمجلس الأمن الدولي للتعامل مع المشكلات المرتبطة بتوليد الطاقة الذرية”، ودعا إلى إخلاء القدرات العسكرية للدول من الأسلحة الذرية وأنواع أسلحة الدمار الشامل الأخرى كافة، إذاً القلق مقدر ومسجل منذ أكثر من نصف قرن.

بعد ذلك مرت جهود منع الانتشار ونزع السلاح النووي تقليدياً في محاور مختلفة ومتوازية منها مفاوضات بين الدول النووية الكبرى، وهي في الأساس الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وتشتبك أحياناً مع قدرات الصين وبريطانيا وفرنسا باعتبارها دولاً نووية للحد من عدد وطبيعة السلاح النووي.

وهناك اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية متعددة الأطراف وتركز في المقام الأول على عدم انتشار تلك الأسلحة خارج نطاق الدول التي كانت حائزة عليها مع وجود نصوص صريحة في المعاهدة عن ضرورة تحرك الدول النووية نحو التخلي عن الأسلحة النووية ووصول الدول كافة إلى نزع السلاح الشامل والكامل، وأكدت المعاهدة حق الجميع في الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

والمحور الثالث ينصب على حظر تلك الأسلحة عن مناطق معينة، أو من خلال جهود إقليمية، للتوصل إلى اتفاقات مع الدول المجاورة حول عدم حيازة تلك الأسلحة، ومنها  القطب الجنوبي والفضاء الخارجي وقاع البحار وجنوب المحيط الهادئ والآسيان وآسيا الوسطى وأفريقيا،  وهناك جهد يبذل منذ 1974 لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط تعثر نتيجة المواقف المتعنتة لإسرائيل وهي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، والقضية بالغة الخطورة في الشرق الأوسط.

وهناك محور مجتمعي إنساني وقانوني لحظر الأسلحة النووية منها ICAN يزداد نشاطاً وحماساً خلال الآونة الأخيرة، على رغم أنه طرح للمرة الأولى في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961، عندما اعتبرت أن استخدام السلاح النووي يتعارض مع القانون الدولي والإنساني،  وطلبت عام 1996 من محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً عن جواز استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية تحت أي ظروف وفقاً للقانون الدولي وهو ما تجنبته المحكمة، مع إبراز أن القانون يجب أن يراعي الاعتبارات الإنسانية، وأن النتائج الوخيمة لاستخدام تلك الأسلحة تجعلها مخالفة للقانون الدولي.

وهناك فرصة لتنشيط الجهود ضد الأسلحة النووية بتنسيق وجهد أفريقي آسيوي لعمل متواز لحظر استخدامها وتنشيط جهود نزع السلاح النووي بدعم التصديق على اتفاقية حظر الأسلحة النووية (TPNW) التي ينقصها تصديق أربع دول إضافية فقط للدخول حيز النفاذ، وبدء مراحل مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) للضغط بشكل أقوى لتفعيل دعوة معاهدة للدول النووية إجراء مفاوضات جادة لنزع السلاح النووي بالتنويه باللجوء مرة أخرى لمحكمة العدل بشأن مدى وفاء الدول النووية بالتزاماتها وفقاً للمعاهدة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى