رأي

ورطة ترامب مع منظمة شنغهاي للتعاون

كتب محمد السعيد إدريس, في الخليج:

الهجوم اللافت الذي شنته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأسبوع الماضي كرد فعل لحدثين مهمين اعتبرتهما الصحيفة «نيلاً من المكانة الأمريكية» أولهما: هجوم إسرائيل على قطر، والثاني تجرؤ روسيا على إطلاق عدد من المسيرات في سماء بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أثار تساؤلاً مهماً هو: أي مستقبل ينتظر التحالف الغربي عموماً والزعامة الأمريكية على وجه الخصوص؟ بتفصيل أكثر: هل الانتقادات التي وجهتها الصحيفة للرئيس الأمريكي يمكن أن تكون بمنزلة قراءة مستقبلية لتدني مكانة الولايات المتحدة لدى حلفائها الأوروبيين إذا أخذنا في الاعتبار أن بريطانيا هي أهم هؤلاء الحلفاء، مقارنة بحالة التماسك الذي يزداد يوماً بعد يوم بالنسبة لمنظمة شنغهاي للتعاون وشقيقتها، إذا جازت التسمية، «مجموعة بريكس»، بين الأقطاب الكبار الثلاثة: الصين وروسيا والهند، ودخول إيران كطرف فاعل في شراكات قوية مع كل من الصين وروسيا، وفي علاقات مميزة مع الهند.
فقد اعتبرت الصحيفة أن تصرف بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بالهجوم على قطر، وفلاديمير بوتين، بإطلاق مسيرات في سماء بولندا مرجعه إلى أن كلاً منهما «فعل ما فعل وهو على يقين أنه لن يتعرض للعقاب». الرئيس الأمريكي الذي كان قد رد على مخرجات قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة بداية سبتمبر/ أيلول الحالي والاستعراض العسكري الصيني الضخم، في اليوم التالي، بمناسبة الاحتفال بالعيد الثمانين لانتصارات الصين على اليابان بإجراءين، أولهما: اتهام الصين وروسيا وكوريا الشمالية بالتآمر على الولايات المتحدة، وثانيهما: تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة الحرب، لكن يبدو أن هذين الإجراءين لم يحدثا الأثر الذي كان ترامب يأمله، لذلك اتجه إلى الإعلان عن مناورة عسكرية مشتركة مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية من الخامس عشر من الشهر الجاري، وحتى اليوم التاسع عشر، تشمل تدريبات عسكرية بحرية وجوية قبالة جزيرة جيجو الكورية الجنوبية، وذلك بهدف الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة أي تهديد من قبل كوريا الشمالية.
هل يمكن اعتبار أن هذه المناورة نوع من الرد على مشاركة الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون في الاستعراض العسكري الصيني على يسار الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهل يمكن أن يستعيد ترامب ثقة الحليفين الآسيويين الكبيرين، اليابان وكوريا الجنوبية بالولايات المتحدة؟ وأن تفرض نوعاً من «الردع» للسياسة الكورية الشمالية في تحالفها المتزايد مع كل من روسيا والصين؟
رد الفعل الكوري الشمالي على هذه المناورة جاء سريعاً، ولكن ليس على لسان الرئيس الكوري الشمالي، الذي ربما قد تعمد الاستهانة بالقرار الأمريكي الذي أوصى بهذه المناورة، لكن الرد جاء على لسان شقيقته كيم يو جونغ، التي وصفت المناورة الأمريكية – اليابانية – الكورية الجنوبية، بأنها «استعراض متهور للقوة من شأنه أن يؤدي إلى نتائج سيئة».
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يجد لديه ما يفعله للرد على التطورات المتسارعة التي تحدث على جبهة منظمة شنغهاي للتعاون، والتي كشفت عن حقيقتين أضحى العالم واعياً بهما، الحقيقة الأولى تقول إن نظام الأحادية القطبية العالمية يتهاوى أمام صعود قطب عالمي جديد يضم أكثر من نصف سكان العالم واقتصاداته، بزعامة الصين وروسيا والهند ومجموعة ما يسمى حالياً ب «الجنوب العالمي»، التي تضم القوى الإقليمية العالمية الكبرى مثل: البرازيل وجنوب إفريقيا وإيران وتركيا. والحقيقة الثانية تقول إن هذا القطب العالمي سوف تكون له الغلبة في المستقبل، مقارنة بحال القطب الآخر الذي تتزعمه الولايات المتحدة الذي يزداد تفككاً وتداعياً وانفراطاً.
مؤشرات ذلك كثيرة أبرزها ثلاثة مؤشرات: أول هذه المؤشرات التوجه الصيني الروسي المكثف نحو تعزيز الشراكة الموسعة الاستراتيجية والاقتصادية، وتوقيع عدد كبير من الاتفاقيات على هامش حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقمة منظمة شنغهاي للتعاون، بما في ذلك الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا، ما يساعد كلا البلدين على تقليل تعرضهما للعقوبات المالية والتكنولوجية الغربية، حيث تعمل هذه الشراكة على إنشاء أنظمة بديلة للتجارة والبنوك، تتحدى الهياكل التي تقودها الولايات المتحدة والنظام المالي القائم على الدولار.
وثاني هذه المؤشرات، اصطفاف الهند إلى جانب الصين وروسيا على حساب عضويتها في التحالف الأمني الرباعي (كواد QUAD)، الذي يضم: الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، كرد فعل هندي لتدهور العلاقة الهندية مع الولايات المتحدة، لأسباب كثيرة منها العقوبات الجمركية الأمريكية على الهند التي بلغت 50%، بسبب شراء الهند للنفط الروسي، وغضب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من ادعاء ترامب أنه السبب وراء انتهاء التوترات والحرب الهندية – الباكستانية، وتفاخر ترامب بأن باكستان سترشحه لجائزة نوبل للسلام.
ثالث هذه المؤشرات دعم منظمة شنغهاي للتعاون مع إيران في صراعها مع الولايات المتحدة ودول «الترويكا الأوروبية» (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، ورفض مسعى هذه الترويكا لتفعيل آلية «سناب باك» ضد إيران وتجديد فرض العقوبات الدولية عليها.
هذه المؤشرات تحمل دلالات مهمة على ورطة ترامب مع منظمة شنغهاي للتعاون، وهي ورطة فرضت عليه العجز عن مواجهة تلك الاندفاعة الصينية – الروسية – الهندية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى