واشنطن وموسكو ما بعد حادثة البحر الأسود
كتبت الاإعلامية ماريا معلوف في “سكاي نيوز عربية”:
ثمة أسئلة ملحة حول آفاق التوتر بين واشنطن وموسكو بعد سقوط المسيّرة الأميركية فوق البحر الأسود يوم الثلاثاء.
ومن خلال متابعة تصريحات لبعض القادة في كل من أميركا وروسيا نرى بأن الطرفين يؤكدان على ضرورة المفاوضات لحل الأزمة الناشئة بين الدولتين على خلفية الحرب التي استعرت في أوكرانيا قبل عام مضى، ولهذا لن يؤدي حادث تحطم الطائرة الأميركية إلى تصعيد ومواجهة عسكرية مباشرة حيث يعتبر بمثابة تصعيد دبلوماسي ومواجهة ناعمة فقط وقد يكون ذلك مجرد عملية تسخين كمقدمة لانطلاق مفاوضات جادة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بوساطة بكين التي تعتبر بدورها لاعبا دوليا كبيرا في إطار العلاقات الدولية الراهنة ولم تنحاز بشكل واضح وصريح لجانب أحد أطراف الحرب الأوكرانية.
والأمر الذي يعزز هذا الاتجاه تأكيد الكرملين “بأنه على الرغم من عدم وجود اتصالات عالية المستوى بين موسكو وواشنطن بشأن حادث سقوط المسيرة الأميركية إلا أن روسيا لم ترفض الحوار البنّاء”.
وعلى الرغم من التصريحات أو الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وموسكو حول سقوط الطائرة الأميركية والذهاب إلى أبعد من ذلك حيث حذر قائد مشاة البحرية الأميركية، الجنرال ديفيد بيرغر، بعد سقوط المسيرة من خطر اندلاع حرب عالمية، نتيجة “لتردّي” الاتصالات بين موسكو وواشنطن، وترجيح بيرغر تطور حوادث الطائرات بين البلدين إلى مواجهة مباشرة في ظل “اتصالات سيئة لمنع الحوادث العرضية” ولفت إلى أن هذا ما يجسد خشيته الرئيسية.
تحذيرات بيرغر تبعها إجراء اتصال هاتفي بين وزيري الدفاع الأميركي والروسي الأربعاء، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في إفادة صحفية، أنه تحدث هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي شويغو بشأن حادثة المسيّرة، التي حمّلت واشنطن موسكو المسؤولية عنها لكنه قال في ذات الوقت “من المهم أن تكون القوى العظمى نماذج للشفافية والتواصل”، مؤكدا أن الولايات المتحدة “ستواصل طائراتها في التحليق والعمل حيثما يسمح القانون الدولي بذلك” الأمر الذي يؤكد بأن تداعيات سقوط الطائرة لن تذهب بعيدا لجهة مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.
كذلك أشارت وسائل إعلام أميركية عن متحدث باسم الخارجية قوله إن حادث إسقاط المسيرة كان على الأرجح عملا غير مقصود من قبل روسيا.
وذهبت وسائل الإعلام الروسية إلى أن المقاتلات الروسية لم تستخدم أسلحة ولم تصطدم بالمسيرة، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية وموسكو عملتا على نزع فتيل أزمة قد تكون منفلتة وتذهب لمواجهة خطيرة لا تحمد عقباها ويتلافها الطرفان.
وبغض النظر عن أسباب سقوط الطائرة والتصريحات وردود الفعل الأميركية الرسمية والإعلامية وكذلك الرد الروسي عن الأحقية في الدفاع عن مجالها الجوي إلا أن المتابع للعلاقات الأميركية – الروسية والتي شهدت تراجعا كبيرا خلال العام الفائت، يدرك أن حادثة المسيرة لن تكون مقدمة لمواجهة عسكرية مباشرة وشاملة بين الدولتين.
وقد نشهد خلال الفترة القادمة تناميا للدور الصيني بغرض دفع التفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا بغض النظر عن تفاصيل موازنة الربح والخسارة، ولتنتهي بعد ذلك عملية الاصطفافات والتوترات لتكون بكين بعد ذلك الرابح الأكبر على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وتعود بعد ذلك العلاقات الأميركية الروسية مع استمرار الصراع على بؤر توتر أخرى كثيرة في العالم.
وبهذا يمكن القول بأن سقوط الطائرة المسيرة إنما مجرد سحابة عابرة في العلاقات الأميركية الروسية المتوترة منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا لكن الأمور لن تصل لعملية كسر عظم وحرب خشنة بين موسكو وواشنطن.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا