أبرزرأي

هندسة الشرق الأوسط بين الإستراتيجيتين… الصينية والأميركية

كتب د. عبدالله سهر في صحيفة الراي.

من المفاهيم الجديدة في العلاقات الدولية التي أخذت طريقها على بساط البحث هو «الهندسة السياسية».

إذا كان مفهوم الهندسة السياسية يشير في نمطه التقليدي إلى بناء الدولة وتصميم مؤسساتها وقوانينها وأنظمتها من أجل تحقيق غايات مبرمجة تتحدد وفق النظام السياسي، فإنّ هندسة العلاقات الدولية تنبثق من العلوم الإستراتيجية كفرع جديد يتعاطى مع المستجدات العالمية.
إن تأثير التكنولوجيا في السياسة وتعاظم دور الاقتصاد والتجارة في العلاقات الدولية وبروز الفاعلين الدوليين من غير الدول، وتزامن كل ذلك مع حقبة تحول في هيكلية النظام الدولي في ظل التنافس الأميركي – الصيني أدى إلى تبني إستراتيجيات جديدة على المستوى العالمي خصوصاً في الشرق الأوسط باعتباره إقليماً يقع في قلب العالم ويمثل الحاضنة اللوجستية لمرور طرق التجارة وفي الوقت ذاته يحتضن أهم مصادر الطاقة مثل الغاز والنفط.

الولايات المتحدة الأميركية التي كانت إلى فترة قريبة تعتبر منطقة الشرق الأوسط كمنطقة رمال ثابتة لها من خلال تحالفاتها القوية مع أهم دول المنطقة شهدت تحدياً كبيراً يتمثل في بعض الدول الإقليمية والآسيوية مثل الصين وروسيا وإيران وسورية، هذا إلى جانب بروز توجه جديد لدى بعض الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة لنسج شبكات تعاونية إستراتيجية مع الصين والتي تعتبر خسارة للنفوذ الأميركي في ظل المعادلة الإستراتيجية بين «النسر والتنين» والتي يبدو أنها تتجه إلى حسابات صفرية بشكل تصاعدي ينمو مع حدة التنافس بينهما.

وبناء عليه، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه إلى إعادة هندسة الشرق الأوسط من خلال تبني توجهين رئيسيين. الأول هو القضاء أو تحجيم المتحدين الإقليميين خصوصاً كل من إيران وسورية وحلفائهما من التنظيمات والكيانات السياسية بالمنطقة، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال الدعم اللامحدود لجرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ولبنان.

ولذلك، فمن السيناريوهات التي تدرس هو أن يقوم الكيان الصهيوني بتوجيه ضربة لمراكز القيادة والسيطرة في إيران وسورية وتصفية القيادات السياسية فيهما لخلق فراغ سياسي يؤدي إلى فوضى داخلية تهدف إلى تغيير الأنظمة السياسية فيهما لكي يتحجم دورهما في الحرب الدائرة في سياق مشروع إعادة الهندسة السياسية الشامل للمنطقة.

أما التوجه الثاني فيتمثل في التصدي للتوسع التجاري والسياسي الصيني والروسي، وذلك من خلال عرقلة بعض حلقات مشروع «الحزام والطريق» الذي تترأسه الصين، وكذلك من خلال عقد ترتيبات تعاونية مع الهند وتمهيدها للظهور كندٍ تجاري للصين، علاوة على دعم بعض الدول والكيانات والمشاريع التي من شأنها أن توقف توسع المشروع اللوجستي الاقتصادي والتجاري الذي تتبناه الصين.

الصين من جانب آخر، تسعى إلى تأكيد مصالحها الإستراتيجية من خلال المشاريع التجارية والاقتصادية واللوجستية سواءً كانت ضمن الأُطر الثنائية مع دول آسيا وأفريقيا، والأطر الجماعية مثل مجموعة بركس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

ولم تتوقف الصين عند هذا الحد بل امتدت في مشاريعها الإستراتيجية كي تحتوي على بروتوكولات وتفاهمات سياسية وعسكرية مع بعض الدول الإقليمية خصوصاً إيران، بل وحتى مع المملكة العربية السعودية بعد زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى بكين والتي أثمرت عن تعزيز الشراكة الإستراتيجية والعسكرية بين البلدين، هذا ناهيك عن التعاون الإستراتيجي الصيني مع بعض الدول الأفريقية مثل موزمبيق وتنزانيا وغيرهما، ما يدل على أن بكين قد خرجت من نسقها التجاري الخالص إلى نسقها الإستراتيجي الشامل والذي يتضمن إعادة لهندسة علاقاتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط بما يكفل مصالحها التي لا تقبل الاستفراد الأميركي بأي حال من الأحوال.

وفق هذه القراءة الشاملة والبنيوية لصراع الهيمنة والنفوذ بين الأقطاب الدولية نستطيع أن نفهم الكثير من مفاصل النزاع الذي تشهده المنطقة خصوصاً محاولة التغول الصهيوني المسدد أميركياً الذي يعد أحد المفاصل الرئيسية للهندسة الجديدة للمنطقة تحت غطاء ما يسمى بالإبراهيمية وتوسع النفوذ الصهيوني.

وبالتأكيد أمام تلك الهندسة الأميركية ستكون هندسة صينية وروسية أخرى لن تسمح لها بالتمكن، وهذا ما أكده الرئيس فلاديمير بوتين، في قمة قازان، أشار بوضوح في مطلع خطابه على أن العالم يشهد نظاماً متعدد الأقطاب وهو أمر لا رجعة عنه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى