اقتصاد ومال

هل يطيّر رياض سلامة شركة التدقيق مجدداً؟

قبل يوم واحد من انتهاء مفاعيل قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان لإجراء التدقيق الجنائي فيها، أمر حاكم المصرف رياض سلامة بتزويد الحواسيب الموجودة في وزارة المال بـ«الداتا»، بناءً على طلب شركة «ألفاريز أند مارسال» المكلفة القيام بأعمال التدقيق. يصعب التكهن مسبقاً إن كان سلامة قد قدّم المعلومات المطلوبة منه، أو أنه تعمّد المماطلة حتى اليوم الأخير. ويفترض بشركة التدقيق أن تحسم هذه الضبابية مطلع العام المقبل، فإما تفسخ الاتفاقية مرة أخرى أو يبدأ بالتدقيق فعلاً… مع طغيان الاحتمال الأول نتيجة المسار الذي سلكه سلامة منذ سنتين، وكلّله رئيس مجلس النواب أخيراً بإسقاط صفة العجلة عن اقتراح قانون لتمديد مهلة السرية المصرفية

تنتهي اليوم المهلة المحددة في القانون 200/2020 لتعليق قانون السرية المصرفية لمدة عام في كل ما يتعلق بالتدقيق الجنائي. عملياً، بات بإمكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التلطّي، مجدداً، وراء السرية المصرفية للامتناع عن التعاون مع الشركة المكلفة بالتدقيق المحاسبي المكثّف «ألفاريز أند مارسال». التجربة السابقة مع الحاكم تُشكّل نموذجاً لما سيقوم به بعد انتهاء هذه المهلة. إذ سبق له، في تشرين الثاني 2020، أن تسبّب بفسخ العقد مع شركة التدقيق حين امتنع عن تسليم البيانات بذريعة السرية وقانون النقد والتسليف. ومن المرجح، بالتالي، أن يلجأ الى الحيلة نفسها بعدما أتاح له مجلس النواب التهرّب من المسؤولية ومن المحاسبة. فقبل نحو شهر، أسقط رئيس مجلس النواب نبيه بري صفة العجلة عن اقتراح قانون معجل مكرر لتمديد العمل بالقانون 200/2020 ريثما تُنهي الشركة مهمتها. حصل ذلك رغم رفع أكثرية النواب أيديهم تأييداً لإبقاء صفة العجلة، على ما تؤكد مصادر القصر الجمهوري نقلاً عن وزراء في حكومة نجيب ميقاتي كانوا حاضرين في الجلسة. النتيجة الأولى لإنهاء الاتفاقية كلّفت لبنان 150 ألف دولار، وستُكبّده اليوم 100 ألف دولار مدفوعة سلفاً في حال فسخت «ألفاريز» العقد.

وتفيد معلومات بأنه كان يفترض أن يُفرج مصرف لبنان أمس عن «داتا» طلبتها الشركة، على أن يزوّد بها الحواسيب الموضوعة في وزارة المال. وبالفعل، تلقّت دوائر القصر تبليغَين من وزير المال يوسف خليل ومفوضة الحكومة لدى مصرف لبنان كريستال واكيم بأن الـ«داتا» قيد التعبئة في الحواسيب. لكن ما حصل لا يطمئن، ولا يعني أن التدقيق المحاسبي الجنائي سيبدأ، فوحدها الشركة هي الطرف الذي سيُحدّد ما إذا كانت الـ«داتا» تتناسب مع ما طلبته من معلومات ناقصة وتحديث أخرى، أو أن حاكم مصرف لبنان راوغ وماطل الى اللحظة الأخيرة حتى لا تتمكن «ألفاريز» من القيام بالمراجعة وإبداء ملاحظاتها قبل انتفاء مفاعيل قانون رفع السرية المصرفية. وبات لزاماً الآن انتظار اطّلاع الشركة على المعلومات في الأسبوع الأول من العام المقبل لتأخذ قراراً من اثنين: إما فسخ العقد مباشرة في حال تيقّنها من عدم اكتمال الـ«داتا» المطلوبة كما يتيح لها العقد بعدما قطعت المرحلة الأولى منه، وهو ما أبلغته بوضوح الى رئاسة الجمهورية، أو أن تكون المعلومات التي أمدّها بها مصرف لبنان كافية للمباشرة بعملها. عندها سيُستتبع الأمر بحضور المدير الإقليمي للشركة جايمس دانيال وفريق عمل الى لبنان للتأكد مجدداً من أن الأمور تعمل بشكل جيد ومتاحة في وزارة المال، فيُعلن عن بدء العمل بالعقد أو ما يسمى commencement date، على أن يتابع المصرف إمداد الشركة بالمعلومات إن احتاجت إليها، ما يعيد المسؤولية الى مجلس النواب عبر تمديد مهلة رفع السرية المصرفية مرة أخرى. وحتى ذلك الحين، من الصعب الجزم بمصير التدقيق الجنائي، وعما إذا أُسقط فعلاً في المجلس النيابي ومصرف لبنان، أو أن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ربحا المعركة الأولى.
ورغم انتهاء مفعول القانون اليوم، ثمة اجتهاد قانوني يقول إنه بمجرد الإفراج عن قسم كبير من الـ«داتا» لا يعود للسرية أهمية، ولا سيما إن كانت تعيق عمل تدقيق محاسبي جنائي، فضلاً عن أن «لا سرية على المال العام» عملاً باجتهاد صادر عن هيئة التشريع والاستشارات؛ فالسرية تشمل فقط الحسابات العائدة لزبائن خاصين. لكن في حال سلامة، كان «إصدار قانون واضح لزاماً طالما أنه تذرّع بالسرية وماطل». من جانبها، تشير مصادر مقرّبة من عون الى «قلق من إسقاط التدقيق لأن التجربة كانت قاسية، وهو ما أثاره رئيس الجمهورية في كلمته (أول من أمس) ولو أنه مصمّم على التصدّي للعرقلة والتعطيل».

وفي السياق نفسه، أتى بيان تكتل «لبنان القوي» أمس، عقب اجتماعه الدوري، ليشير الى أنه «مع استمرار المماطلة في تنفيذ العقد الموقّع بين وزارة المال وشركة ألفاريز ومارسال يعلن التكتل أن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان لا يرتبط بمهلة ولا يسقط، مهما سعى البعض الى ذلك، لأنه السبيل لمعرفة مصير أموال اللبنانيين والعمل على استردادها وكشف الفجوة الكبيرة في حسابات المصرف المركزي». وجدّد «دعوة الحكومة الى الاجتماع وكفّ يد حاكم المصرف المركزي فوراً وتعيين بديل منه بعدما صار مثقلاً بملفات الدعاوى ضدّه في لبنان والخارج». وردّ التيار على تصريح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن سلامة «بأنه خلال الحرب لا نغيّر الضباط ونحن في وضع صعب ولا يمكنني أن أغيّر ضباطي»، بالقول «لا أحد يذهب الى المعركة بضابط ‏غير مؤهل لقيادتها ومتهم بالخيانة، ‏ولا يمكن الفوز بالحرب عندما يكون على رأس الجيش من تسبّب أصلاً بانهياره».
وفيما جرى الحديث سابقاً عن احتمال تقديم إخبار الى النيابة العامة التمييزية ضد حاكم مصرف لبنان في حال عدم تعاونه مع الشركة لمخالفته قرارَي السلطتين التشريعية والتنفيذية تمهيداً لإقالته، قالت المصادر إن قرار «ألفاريز» في مطلع العام سيُحدّد الخطوات التي ينبغي القيام بها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى