شؤون لبنانية

هل سنشهد حضورًا رسميًا للبنان على المستوى الدولي؟

فيما كان يُعوَّل على زيارتي كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقطر ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للفاتيكان، لإحداث خرق في جدار الأزمات الذي استُعصي فتح كوة فيه بالأيدي الداخلية، هناك قضايا يُمكن لدول العالم أن تساهم في حلّها، خصوصاً إذا كانت مرتبطة بالسياسات الكبرى بين الدول. وهناك قضايا يبقى مفتاح حلّها في الداخل، ومنها تحديداً المشكلة القائمة جرّاء اعتراض «الثنائي الشيعي» على عمل المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق بيطار، الذي يمنع انعقاد مجلس الوزراء. كذلك يبدو أنّ مفتاح حلحلة الأزمة مع السعودية في لبنان أيضاً، بمعزل عن ارتباط قوى لبنانية بكلمة من دول إقليمية أو غيرها، والمفتاح هو استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. وقبل هذه الخطوة لن تنفع أي وساطة، أو من المتعذّر بدء أي بحث مع السعودية، إن من الدوحة أو أي عاصمة في العالم.

بمعزل عن النتائج العملية الملموسة على مستوى الأزمات لكلّ من زيارتي عون وميقاتي الخارجيتين، الّا أنّ هاتين الزيارتين الرسميتين مهمتان جداً، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة، إذ إنّ من الضروري أن يحصل تواصل وحوار مباشر بين المسؤولين اللبنانيين والمسؤولين في الدول المؤثرة، لشرح الموقف والوضع اللبنانيين، ولإبقاء لبنان محور اهتمام. وهناك ضرورة للتواصل المباشر، وأن يكون هناك دائماً حضور لبناني رسمي على المستوى الدولي. إنطلاقاً من ذلك، كانت هاتان الزيارتان ضروريتين جداً، وأمّنت زيارة ميقاتي للفاتيكان المطلوب وتركت صدى إيجابياً.

وتؤكّد مصادر مطلعة، أنّ زيارة ميقاتي للفاتيكان بحدّ ذاتها كانت ناجحة وموفّقة من النواحي كلّها، وكان بحث في المواضيع المطروحة في لبنان على كلّ الأصعدة، خصوصاً الأزمات المتتالية التي يشهدها البلد. وأكّد الفاتيكان مجدّداً استعداده للمساعدة في المجالات كلّها، ومنها المجال الديبلوماسي، خصوصاً أنّ كانت هناك زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للفاتيكان في اليوم التالي لزيارة ميقاتي، وسبقتها زيارة للرئيس الأميركي وغيرهما من المسؤولين الكبار في دول العالم، وكان لبنان على جدول أعمال هذه اللقاءات ومن مواضيع البحث خصوصاً من قِبل الفاتيكان. وإذ من المؤكّد أنّ ميقاتي بحث مع قداسة البابا فرنسيس ومسؤولين آخرين في الفاتيكان في الأزمات التي يواجهها لبنان، ومن بينها الأزمة مع السعودية وبعض دول الخليج، الّا أنّ ما تلى هذه الزيارة من تحليلات إعلامية ومقالات صحافية غير صحيحة، بحسب المصادر نفسها. إذ جرى خلال زيارة ميقاتي للكرسي الرسولي طرح الأمور الكبيرة والمبدئية. فتفاصيل الحياة السياسية اليومية في لبنان لا تعني الفاتيكان، وما يعنيه وجود «لبنان الرسالة – العيش المشترك» وشؤون الناس الحياتية والاستقرار. كذلك لا يتعامل الفاتيكان على طريقة إبداء توجيهات أو طلبات، بل يستمع ويشدّد على الأساسيات، ويحاول العمل على المساعدة، خصوصاً ديبلوماسياً، نظراً لموقعه بالنسبة الى غالبية الدول.

وانطلاقاً من أنّ لبنان ثابت في اهتمامات الكرسي الرسولي وفي صلبها، فعلى صعيد الأزمات على المستوى الخارجي الإقليمي – الدولي، يؤكّد الفاتيكان دائماً طلبه من الجهات الدولية المعنية مساعدة لبنان، وهذا بحد ذاته يعطي زخماً ودعماً للبلد. لكن الى إيجابية هذه الزيارة وأهمية اهتمام الفاتيكان بلبنان، يبقى الأساس أنّه يجب على المسؤولين في لبنان أن يؤدوا واجباتهم، وليس فقط انتظار العصا السحرية التي تأتي من الخارج كما جرت العادة، إذ إنّ هناك أموراً تخصّنا كلبنانيين في الداخل وليس فقط قضايا تتجاوز الداخل اللبناني، بحسب المصادر نفسها. وفيما أنّ مفاتيح الحلّ لبعض المسائل تتطلّب دعماً دولياً، إلّا أنّ موضوع التحقيق في جريمة المرفأ والقضاء وفرملة انعقاد مجلس الوزراء، على سبيل المثال، لا يُمكن العالم كلّه فعل شيء حياله، وفق هذه المصادر. فما دور أي دولة أو ديبلوماسية في الحديث الدائر في لبنان عن مقايضة في هذا الملف؟

وتشير المصادر المطلعة، الى أنّ رسالة البابا فرنسيس الى اللبنانيين، في أي لقاء أو موقف أو «تغريدة» يتعلّق بلبنان، واحدة: «لا تيأسوا واستمرّوا في المحاولة». أمّا الحديث عن مؤتمرات داخلية أو خارجية لطرح الوضع اللبناني، فغير مطروحة جدّياً لدى الفاتيكان حتى الآن، بحسب هذه المصادر، كذلك إنّ زيارة البابا للبنان واردة لكن موعدها غير مُحدّد في وقتٍ قريب.

على ضفة زيارة عون لقطر، فهي بحدّ ذاتها إيجابية، وإثارة موضوع الأزمة اللبنانية – السعودية مع القطريين خطوة مفيدة، لكن السؤال المطروح هو مدى قدرة قطر أو اهتمامها بالضغط على السعودية في موضوع أزمتها مع لبنان، بحسب مصادر ديبلوماسية، انطلاقاً من أنّ العلاقات بين قطر والسعودية تحسّنت منذ فترة قصيرة، كذلك لم يزر وزير الخارجية القطري بيروت في الموعد المحدّد سابقاً، ما يعني أنّ قطر لم تكن جاهزة للدخول على خط الوساطة بين لبنان والسعودية، وقد لا تكون بالضرورة زيارة وزير الخارجية القطري لبيروت في هذه المرحلة، كما أبلغ أمير قطر الى عون، مؤثّرة على السعودية، إلّا إذا نجح في إقناع الأطراف اللبنانية باستقالة قرداحي كبداية وساطة مع السعودية، وهذا الأمر معروف أصلاً ولا يستدعي طلباً قطرياً إذا حصل، خصوصاً أنّ الموقف السعودي يبدو متشدّداً جداً، بمعزل عن أسبابه وأغراضه. ولم تؤتِ مبادرة الجامعة العربية حتى الآن ثماراً على هذا الخط، ولا الاتصالات الأميركية والفرنسية، فيما يُعوّل على زيارة ماكرون القريبة للرياض، علّها تثمر حلحلة ما. لكن أي نتائج يُرجى من كلّ هذه الديبلوماسية والحركة الدولية إذا لم يقم لبنان بما عليه؟، بحسب ما تسأل المصادر إيّاها، ولماذا لا يستبق لبنان أي زيارة أو لقاء بخطوة «حسن نية» تجاه السعودية؟

إنطلاقاً من هذه المعطيات، تسأل المصادر نفسها: قبل كلّ هذه الزيارات الخارجية الأزمات تتناسل وتتفاقم، ومفتاح حلّها في الداخل، فلماذا انتظار المتغيّرات الدولية والمساعي الخارجية، التي لن تؤتي ثماراً بلا إرادة داخلية؟ وما الذي يمنع الحوار اللبناني والاتفاق على الحلحلة والتوافق على خريطة طريق للخروج من الأزمات داخلياً، خصوصاً أنّ هناك جهات ودولاً خارجية تدعم ذلك؟

المصدر
الجمهورية

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى