رأي

هل تنقذ إيران وتركيا العراق من الجفاف؟

أظهر مقطع فيديو انتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، انخفاضا كبيرا بمنسوب نهر دجلة في محافظة ميسان، جنوبي البلاد، بينما قررت وزارتا الزراعة والموارد المائية في العراق تخفيض المساحة المقررة للزراعة.

ويأتي ذلك بسبب قلة الإيرادات المائية القادمة من تركيا وإيران، وسط تحذيرات من أن شح المياه بات يهدد بانهيار أمن العراقيين الغذائي.

وتهدد نقص كميات المياه نسبة كبيرة من المواطنين الذين يعملون بالأراضي الزراعية، علاوة على إمدادات المياه لباقي القطاعات، وتزايدت الدعوات لجلسات النقاش والتفاوض بين الأطراف المشتركة في تلك الأزمة والمتمثلة في تركيا وإيران وسوريا والعراق.

فهل تنجح المفاوضات في إنهاء تلك الأزمة التي تهدد العراق بالجفاف والتصحر؟

بداية يقول غازي السكوتي، مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، إنه يجب على تركيا وإيران تحمل مسؤولية العلاقة مع العراق، باعتباره دولة جارة تاريخيا، وهناك حقوق اقتصادية وحدودية وسياسية مشتركة.

انتهاك خطير

وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك“، أنه “لا ننكر أن هناك أزمة مياه في إيران، لكن هذا لا يعني قطع 12 نهر كانت تمد الأراضي الزراعية في المناطق المحاذية لتركيا والتي تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد العراقي، كما أن هذا الأمر يشكل انتهاكا خطيرا للاتفاقيات الدولية التي تضمن الحقوق المشتركة للدول المشتركة في العديد من الأنهار”.

وتابع السكوتي “هناك حقوق مائية للعراق تكفلها الأعراف والمواثيق الدولية وليست منحة من أحد، ومع الأسف عقدت اجتماعات مشتركة بين العراق وتركيا وإيران خلال القرن الماضي وبعدها وخلال تلك المرحلة، لكن لم يتم التوصل إلى نتائج جدية لتقاسم المياه، والأمر لا يتعلق أيضا بسوريا والتي تعاني أيضا بصورة كبيرة”، مطالبا تركيا وإيران باحترام تلك الحقوق المشتركة لكل من العراق وسوريا، علاوة على وضع آلية لتقاسم المياه بصورة منصفة وعادلة طبقا للقوانين الدولية.

علاقات وثيقة

وأشار مدير المركز العراقي إلى أن “العلاقات السياسية على سبيل المثال بين حكومتي طهران وبغداد هي علاقات وثيقة ومتنوعة في مختلف المجالات، حيث تتجاوز التجارة البينية مع إيران 12 مليار دولار ومع تركيا 20 مليار سنويا، إذا المصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة موجودة، لكن لا أعتقد أن تلك الخطوات التركية الإيرانية دوافعها سياسية”.

وطالب السكوتي العراق بأن”يذهب إلى وضع سياسات واستراتيجيات تتعلق بالثروة المائية، سواء التي في باطن الأرض أو التي على السطح، وتقليل المسطحات المائية التي تذهب للتبخر ومنع التصحر”.

اتفاق عراقي تركي على تشكيل لجنة مشتركة لحل مشكلة المياه والاعتداءات المتكررة

9 يناير, 21:24 GMT

موضوع إقليمي

من جانبه يرى باسم أبو عبد الله، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق السورية أن “عدد السدود التي بنتها تركيا خلال السنوات الماضية يكفي لإظهار حجم المياه الذي يتم تجميعه، والجانب الآخر هناك اتفاقيات لم تلتزم بها الحكومة التركية مع الحكومة السورية، وارتبط الأمر بالحالة المزاجية، والآن بسبب الزلزال في تركيا تم تفريغ بعض السدود فتدفقت المياه بتلك الأنهار”.

وأشار في حديثه لـ”سبوتنيك”، إلى أن موضوع المياه هو موضوع إقليمي وليس موضوعا تتحكم به الحكومة التركية ولا حتى الحكومة السورية، هناك حصص لكل دولة يفترض أنه متفق عليها ويجب أن تلتزم بها الحكومة التركية باعتبارها بلد المنبع، لكن تركيا ترفض بالأساس إطلاق اسم أنهار دولية على تلك التي تمد أنهار العراق وسوريا بالمياه وتعتبرها أنهارا داخلية، وهذا أيضا نقطة اختلاف فيما بين سوريا والعراق”.

الاتفاقات السابقة

وأكد أبو عبد الله أن “مسألة المياه ترتبط بالدول الثلاث تركيا والعراق وسوريا وضرورة تطبيق الاتفاقيات السابقة المتعلقة بحصص كل دولة في مياه نهري دجلة والفرات، الأمر لا يرتبط بتحميل الحكومة السورية جزئيا بهذا الملف لأنها دولة مصب وليست منبع، لذا يجب أن يجرى الحديث بين الدول الثلاث ضمن الإطار الحالي أو المستقبلي، ملف المياه سوف يكون على الطاولة بصورة أساسية”.

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية “سبق أن كانت هناك اتفاقيات تضبط كميات المياه التي يجب أن تتركها تركيا ونسب كل من سوريا والعراق من هذه المياه، لأن النهر ينبع من تركيا ثم يمر بكل من سوريا والعراق، المسألة ثلاثية الأبعاد، والجميع يعرف أن تركيا وبكل أسف استخدمت سلاح المياه في أكثر من مرحلة من مراحل الحرب على سوريا”.

القوانين الدولية

في المقابل يقول بكير اتاجان، المحلل السياسي التركي، إن “تركيا من حيث القوانين الدولية عليها أن تتقاسم ولكن بنسب محدودة المياه مع كل من سوريا والعراق، وهذه النسب معروفة في القوانين الدولية والأمم المتحدة ومتعارف عليها، لكن أنقرة وافقت على اتفاقية في العام 1986 مع العراق لتقاسم المياه، ولم يكن التقاسم هذه المرة وفق القوانين الدولية والنسب المحددة بها، بل عمدت تركيا إلى إعطاء العراق كميات ونسب أكبر”.

وأشار في حديثه لـ”سبوتنيك” إلى أن نهري دجلة والفرات يمران بسوريا إلى العراق ثم يصبان في الخليج، لكن بعد فترة من توقيع الاتفاقية مع العراق بدأ الجفاف يضرب العالم كله، لكن تركيا لم تتنصل من اتفاقها، بل قامت بمنح الحكومة العراقية في العام 2010 عددا من القروض والمساعدات من أجل أن تقوم الحكومة في بغداد بتغيير البنية التحتية المتهالكة وأبدت أنقرة استعدادها للمساعدة لتوفير الفاقد من المياه، لكن العراق حصل على القروض ولم يغير أي شيء، ومنذ عامين فقط ذهب مستشار الرئيس أردوغان للعراق وطلب الجلوس إلى الطاولة مرة أخرى لمناقشة تلك الأمور، لكن لم يتقدم أي عراقي للحديث في هذا الموضوع”.

القروض التركية

وأوضح اتاجان أن “السلطات العراقية تدعي بين الآن والآخر وبعد أن أضاعت القروض التركية لتقول إن أنقرة تزيد من عدد السدود لحجز المياه، علما بأن السدود التي تم تشييدها في السنوات العشر الأخيرة في تركيا ليست للري وإنما لتوليد الطاقة، وبالتالي نحن لا نستطيع حجز تلك المياه حتى لو كنا نريد ذلك، وفي نفس التوقيت تطمح تركيا أن تكون إلى توقيع اتفاقيات جديدة تتواكب مع التطورات في المنطقة والعالم”.

وحاولت “سبوتنيك” التواصل مع الجانب الإيراني ولم نحصل على رد حتى كتابة التقرير.

أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية عن “إيعاز رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بالتحرك لتفعيل ملف التفاوض مع تركيا وإيران وسوريا حيال حصص العراق المائية من نهري دجلة والفرات”.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية، عن المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، قوله إن “موضوع أزمة المياه متشابك، والجزء الأكبر ضمن المباحثات الخارجية”، مبينا أن “وزير الموارد المائية عون ذياب أوصل هذه الصورة لرئيس الوزراء السوداني والذي أوعز باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتفعيل ملفات التفاوض مع تركيا وإيران وسوريا”.

وأضاف أن “الوزارة بدأت أمس بدفع إطلاقات مائية من سدود دوكان ودربندخان والموصل باتجاه نهر دجلة لرفع منسوب النهر”، وذلك بعد تراجع غير مسبوق في مستوى مناسيب نهري دجلة والفرات، وبدت المحافظات الجنوبية الأكثر تضرراً منها.

وكان العراق دعا “تركيا وإيران إلى اتخاذ خطوات جادة وعملية للتوصّل إلى اتفاق لتوفير حصة عادلة من المياه له، مع تراجع منسوب نهري دجلة والفرات”.

وأكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، خلال ترؤسه في بغداد اجتماعا موسعا بشأن ملف المياه في العراق، على “أهمية مؤتمر نيويورك للمياه المزمع عقده في 22 مارس/ آذار الجاري، وضرورة طرح موقف العراق المائي والمشكلات الناجمة عن شحة المياه والتغيرات المناخية”.

وشدد رشيد على “أهمية الحاجة إلى خطوات جادة وعملية للتوصّل إلى اتفاق مع دول الجوار في إشارة إلى تركيا وإيران اللتين تعتبران رافدين لمياهه من أجل تقاسم الضرر وتوفير حصة عادلة من المياه”.

وأكد رئيس العراق، على “أهمية الاهتمام بالموارد المائية في العراق والحفاظ عليها بإجراءات جادة وفاعلة، خصوصا أننا من الدول الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية والجفاف والتصحر”.

ولأكثر من مرة حملت بغداد جارتيها إيران وتركيا مسؤولية تراجع منسوب المياه إلى حد مخيف على خلفية بناء سدود على نهري دجلة والفرات.

وكان البنك الدولي قد حذر من أن غياب أي سياسات بشأن المياه قد يؤدي إلى فقدان العراق بحلول عام 2050 نسبة 20% من موارده المائية.

والعراق الغني بالنفط والذي يتجاوز عدد سكانه 42 مليون نسمة من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى