رأي

هل تريد الأمم المتحدة انتخابات في ليبيا؟

كتب أسامة علي في العربي الجديد.

في مطلع يوليو/تموز الماضي أصدر المجلس الرئاسي في ليبيا قراراً بتشكيل لجنة عليا لإدارة موارد الدولة المالية، بعد مشاورات كثيفة مع البعثة الأممية، التي كانت تدفع باتجاه تشكيل هذه اللجنة. وما إن صدر القرار، حتى بادرت البعثة للترحيب به، معتبرة أنه يمثل “مقاربة شاملة من شأنها الإسهام في توفير فرص متكافئة بين جميع المرشحين في الانتخابات المرتقبة”.

وفي مؤشر إلى عنايتها الكبيرة بالقرار، استبقت البعثة المجلس الرئاسي وسمت أعضاء اللجنة قبل أن يعلن عنهم، وذكرت أنهم ممثلون عن “مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوحدة الوطنية، والجيش الوطني الليبي (قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر)، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، والمؤسسة الوطنية للنفط، بالإضافة إلى المجلس الرئاسي”.

صحيح أن قرار المجلس الرئاسي جاء بعد أقل من يومين من تهديد معلن من جانب حفتر بإعلان جاهزية قواته لوقف تدفق وتصدير النفط، أو تشكيل “لجنة عليا للترتيبات المالية لتوزيع الإيرادات بطريقة عادلة”، وبعد أسبوع من تمكن الحكومة المكلفة من مجلس النواب من انتزاع حكم قضائي بالحجز على أموال إيرادات النفط لمنع حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس من التصرف فيها.

لكن ما يهم هنا هو فهم موقف البعثة ودوافعها من تشكيل لجنة لإدارة موارد الدولة، بمشاركة الأطراف التي سمتها، والذي قد لا يتوافق مع دعوتها لذات الأطراف بضرورة إجراء انتخابات عامة في البلاد، فالموقفان يبدوان شديدي التناقض.

والواقع أن اللجنة والمطالبات بتشكيلها، وإن حملت شعار “التوزيع العادل للثروة”، ويقصد به إيرادات النفط كونه المورد الوحيد للدولة، إلا أن الأعضاء الذين تشكلت منهم، يظهرون حقيقة هدفها، وهو “تقاسم الثروة”، فهم يمثلون أطراف الصراع السياسي في البلاد. كما أن فحوى القرار لم يُحدد كيف ستوزع الثروة، وعلى من ستوزع وكيف ستُصرف، ما يزيد من الشكوك حول حقيقة أهداف هذه اللجنة.

علاوة على ذلك، فإن عضوية هذه الأطراف في اللجنة تعزز في الواقع من وجودها على الأرض وتكرسه بشكل أكبر، ما يناقض فكرة إجراء الانتخابات، التي من المفترض أن هدفها الأساسي إفراز طبقة سياسية جديدة، تتجدد معها الشرعية وتُنهي الانقسام الحكومي والعسكري.

وحتى إذا ما قدرنا أن أعضاء هذه اللجنة يمثلون أجساماً ومواقع ثابتة في هيكل الدولة، يُسلم الحالي منهم للتالي عند إجراء الانتخابات، فإن هذا الأمر غير ممكن مع وجود ممثلين لحكومتين ومجلسين تشريعيين مقابل مجلس تشريعي واحد بعد الانتخابات. يقر مراقبون، بل أيضاً قادة سياسيون في عواصم دولية وإقليمية في الكثير من المناسبات، وأكثر من ذلك الأمم المتحدة، أن الدافع الرئيسي لحالة الصراع في ليبيا هو الاستحواذ على أموال وموارد الدولة والسيطرة عليها.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن التوفيق بين خطاب الأمم المتحدة الذي لا يتوقف عن الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات في ليبيا، والتهديد بمعاقبة معرقلي إجرائها من جهة، ومن جهة يعزز استمرار وجودهم، عبر لجنة تختصر عليهم المسافات الطويلة وتوصلهم بسهولة ويسر لهدف الاستحواذ على موارد الدولة، ما يعزز نفوذهم ويقوي فرص بقائهم، ويستحيل معه إجبارهم على القبول بالانتخابات التي ستقصيهم من المشهد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى