اقتصاد ومال

هل تتحوّل طاقة الشرق الأوسط الوفيرة إلى غذاء للعالم كله؟

وسط تصاعد القلق عالمياً حول قضية الأمن الغذائي، والتأثير السلبي للتوسع الزراعي والإنتاج الحيواني على البيئة، يبرز أحد الحلول عبر تقنية واعدة لإنتاج الغذاء والحفاظ على البيئة، وهي التقنية التي قد تحوّل طاقة الشرق الأوسط الوفيرة إلى غذاء للعالم كله.

القضايا البيئية والغذائية المتشابكة التي تمثل تحدياً كبيراً، ربما تشكل في الوقت نفسه، فرصة لدول الشرق الأوسط خاصةً التي تنتج طاقة وفيرة ومنخفضة التكلفة. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ هذا بالضبط ما تضيفه تقنية “التخمير الدقيق” وتحويل الطاقة إلى غذاء، إذ يمكن عبر هذه التقنية تحويل مزيج من الطاقة ومدخلات أخرى مثل النيتروجين والكربون إلى بروتينات.

فرصة “التخمير الدقيق”

يبدو الحديث عن تقنية فريدة مثل “التخمير الدقيق” وتحويل الطاقة إلى غذاء شبيهاً بالخيال العلمي، لكن الأرقام والواقع الحالي قد تغير ليس فقط نظرتنا للموضوع، وإنما وجه الشرق الأوسط كله.

تخبرنا الأرقام المتعلقة بهذه الصناعة (إنتاج الغذاء عبر تقنية التخمير الدقيق)، أن العالم بدأ بالفعل في الاستثمار بمجال البروتينات البديلة، مع توقعات بوصول حجم الاستثمارات إلى 1.4 تريليون دولار أميركي بحلول 2050.

يتمثل أوضح الأدلة على تصاعد الاهتمام بتنقية التخمير الدقيق، بالقفزة في رأس المال المُستثمر بالقطاع بمعدل سنوي قدره 250% منذ 2018.

رغم الاستثمارات الدولية المتنامية في القطاع، إلاّ أن لدى منطقة الشرق الأوسط ميزة حاسمة هي الطاقة المنخفضة التكلفة، وهي الميزة التي قد تجعلها قادرة على قيادة النقلة التحوّل المرتقب في قطاع الغذاء العالمي.

إنتاج الغذاء بالطرق التقليدية

يستخدم البشر بالفعل 50% من الأراضي الصالحة للسكن على الكوكب في الزراعة. وحسب الدراسات، فإن الإنتاج الزراعي في العالم يحتاج لزيادة تتجاوز 60% من الإنتاج الحالي بحلول 2050، كي يتمكن قطاع الزراعة من إطعام قرابة 10 مليارات نسمة.

حتى مع افتراض استمرار نمو المحاصيل والمراعي بالمعدلات الحالية، فإننا سنكون بحاجة لإضافة 6 ملايين كيلومتر مربع أراضي زراعية لتلبية الطلب المتوقع على الغذاء. وهو ما يعني خسارة واسعة في أراضي الغابات التي تمثل “رئة الأرض”.

أما على مستوى المياه، فإن الزراعة تستهلك 70% من المياه العذبة المسحوبة، بينما يعاني ثلثي سكان العالم من نقص المياه.

وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فإنه كل ما يمكن للموارد المائية أن تضيفه لقطاع الزراعة بحلول 2050 هو زيادة بنسبة 10% فقط. . أمّا على مستوى البيئة، فتساهم الزراعة فيما بين ربع إلى ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً.

حلّ مستدام بيئياً

توفّر تقنية التخمير الدقيق حلًّ لإنتاج البروتينات بطريقة مستدامة وبأثر بيئي منخفض جداّ مقارنة بالطرق التقليدية. يحتاج إنتاج كيلوغرام بروتين من مصدر حيواني إلى 12 ألف لتر مياه، و200 متر مربع من الأراضي، وينجم عن ذلك انبعاثات تقدر بـ100 كيلوغرام “مكافئ” من ثاني أكسيد الكربون. بالمقابل يحتاج إنتاج كيلوغرام بروتين عبر التخمير الدقيق الى لتر واحد من المياه، ومتر مربع واحد من الأراضي، وينتج عنها 3 كيلوغرامات مكافئة من ثاني أكسيد الكربون.

تحدّيات رئيسية

للانتقال بعمليات التخمير الدقيق ومنتجاتها الغذائية من الإطار التجريبي إلى الاستهلاك الفعلي، نحتاج للتغلب على 3 تحديات أساسية؛ هي: التكلفة، وقبول المستهلك، ونطاق الإنتاج.

أولاً، يجب أن تصبح عملية تحويل الطاقة إلى طعام فعالة من حيث التكلفة. واليوم يّعدُّ إنتاج البروتين من أي شكل من أشكال التخمير الدقيق أكثر تكلفة بنحو 10 مرات من إنتاج البروتين من مصادر حيوانية.

ثاني التحديات، هو ضمان قبول المستهلك لهذا النوع الجديد من البروتينات. إذ أن الطعام بالأساس قضية تفضيل شخصي بامتياز. أما ثالث التحديات فهول بناء حجم مناسب من الإنتاج.

لماذا دول الخليج؟

يمكن لدول الخليج أن تحتل مكانة فريدة في مجال تحويل الطاقة إلى غذاء لأنها تمتلك أدنى تكلفة على مستوى العالم لمصادر الطاقة المتجددة. إذ تشكل الطاقة حوالي 40% إلى 60% من تكلفة إنتاج البروتينات الجديدة. وبافتراض أن المنتجين في دول الخليج يتكبدون تكاليف غير متعلقة بالطاقة تماثل المتوسط ​​العالمي، فإن انتاج الغذاء الجديد سيكون أقل تكلفة بكثير من أي مكان في العالم. لدى دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً أسباباً وجيهة لاقتحام لريادة هذا المجال.

أول هذه الأسباب، هو تعزيز الأمن الغذائي، فنحو 85% من الاحتياجات الغذائية في دول الخليج تأتي من الخارج في الوقت الحالي. أمّا على مستوى السوق، فإن الفرصة سانحة أمام دول الخليج، حيث يُتوقع أن تصل السوق العالمية للبروتينات البديلة إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2050. وبافتراض تشكيل منتجات التخمير الدقيق ما بين 20% إلى 25% من هذه السوق، وبافتراض تمكّن دول الخليج من الاستحواذ على 20% فقط من سوق البروتينات البديلة، فستحصل على مبيعات تتراوح ما بين 56 إلى 70 مليار دولار في السنة بحلول 2050.

الدافع الاّخر لدول الخليج هو الفائدة البيئية والمساهمة بتحقيق مستهدفات الحياد الكربوني، حيث ينتج عن تحوّل 25% من المستهلكين في الخليج إلى البروتين الناتج عن عملية الطاقة إلى الغذاء الى خفض الانبعاثات بالمنطقة بنسبة 3% إلى 5%.

خارطة الطريق

تتطلب ريادة دول مجلس التعاون الخليجي في مجال “تحويل الطاقة الى غذاء” الانخراط في جهود جريئة ومتضافرة. تبدأ تلك الجهود بالتركيز على الاستثمار في مجال البحث والتطوير لتسريع نضج تلك التكنولوجيا، ليتبعه بعد ذلك استثمارات القطاع الخاص.

كما إن تطوير هذا المجال يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، حيث إن الشركات العاملة في هذا المجال ستحتاج إلى مفاعلات حيوية قد تكلف ما يصل إلى 500 مليون دولار بسعة مليون لتر، واستثمارات قد تقارب تريليوني دولار على مستوى العالم بحلول 2030.

بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج دول الخليج إلى استقطاب الخبرات في مجالات البيولوجيا الجزيئية والهندسة الكيميائية، إضافة إلى قطاعات أخرى. على المستوى التنظيمي، ستحتاج حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى ممارسات تنظيمية فعالة تضمن جودة وسلامة البروتينات الناتجة عن “تحويل الطاقة إلى الغذاء”. هذا بالإضافة الى تحقيق القبول لدى المستهلكين، وضمان سلامة هذه المنتجات وامتثالها للمعايير الدينية في بعض الأحيان.

بشكل عام، تمثل تقنية “تحويل الطاقة إلى غذاء” تحدّياً استهلاكياً واستثمارياً وعلمياً، لكن لدول المنطقة ميزات وقدرات تمكنها من مواجهة هذا التحدي وقيادة ثورة غذائية جديدة تجعل الشرق الأوسط سلة غذاء العالم مجدداً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى