هل بدأ لبنان العودة التدريجية إلى حضنه العربي؟
تؤكد المحطات العربية والخليجية والبيانات الصادرة من جدة إلى أبو ظبي والدوحة وصولاً إلى القاهرة، أن لبنان انطلق نحو العودة التدريجية إلى الحضن العربي، إذ فُتح هذا الخط بعد إعلان جدة وصولاً إلى أجواء ومعلومات يؤكدها سفير خليجي سابق في بيروت، بأن لبنان كان في صلب مباحثات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال جولته الخليجية، وثمة معطيات ستتوالى فصولها تباعاً في الأيام المقبلة رغم صعوبة الوضع على الساحة اللبنانية وعدم قدرة الدولة والحكومة على مواجهة من يتحكم بالقرار الداخلي في هذا البلد وتحديداً “حزب الله”.
وهذه المسألة تؤخذ في الاعتبار لكن لا يمكن بعد اليوم أن يبقى لبنان خارج محيطه العربي ومسلوباً ومخطوفاً، كاشفاً عن خطواتٍ وإجراءاتٍ قد تنطلق في وقت ليس ببعيد من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، ولكن ذلك ليس بالأمر السهل في هذه الظروف إلى أن يتبلور المشهد السياسي اللبناني بعد الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة، وهذا ما يعوَّل عليه عربياً ودولياً وحتى من غالبية اللبنانيين.
توازياً، تشير مصادر سياسية عليمة لـ”النهار”، إلى أن المرحلة الراهنة ستشهد حراكاً خليجياً وعربياً ودولياً فاعلاً، يتمحور حول الملفّ اللبناني وقد ينحو باتجاه تسوية دولية بدأت تُبحث في بعض الأروقة الدولية وتحديداً باريس وواشنطن، وهذا ما كُشف عنه خلال لقاء حصل بين أحد النواب المستقيلين وسفير أميركي سابق في لبنان استعرضا خلاله الوضع المحلي من كل جوانبه وفي ظل تأكيد أن هذا البلد سيسلك طريق التسوية، وثمّة سيناريوهات تُعرض في أكثر من عاصمة عربية ودولية، نافياً تكرار تجربة “سان كلو” لأنها كانت مرحلية وجمعت بعض الأحزاب والقوى السياسية، ولا يُصنّف هذا اللقاء بالدولي أو يؤسّس لمؤتمر وطني وتطوير النظام، لذلك ثمّة بحث جدّي عن السبل الآيلة لخروج لبنان من هذا المستنقع الذي يتخبط فيه، حتى إن هناك تداولاً بحصول انتخابات رئاسية مبكرة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية على غرار انتخاب الرئيس شارل حلو في الستينيات، وبمعنى أوضح أن لا يكون الرئيس حزبياً أو يمثل هذا التيار أو تلك الحركة الحزبية والسياسية، أي صياغة نظام جديد للبنان من خلال تطوير وتحديث اتفاق الطائف لا إلغائه، لأن ذلك قد يؤسس لحروب جديدة.
وتردف المصادر كاشفة عن أن بعض القوى السياسية وفي صلبها “حزب الله”، وخلافاً للنفي، يعمل على تحصين وضعيته السياسية بعد انتفاء تمسّكه بالسلاح وفائض القوّة الذي يملكه، وخصوصاً بعد أجواء عليمة عن البحث الجدي في المؤتمر التأسيسي قبل حصول المتغيرات في المنطقة والتسويات من العراق إلى سوريا وما ستفضي إليه المباحثات النووية الجارية في فيينا، ولهذه الغاية قد تشهد المرحلة القادمة مواقف تصبّ في هذا الإطار، أي الحديث عن تغيير النظام، الأمر الذي سيتظهّر عبر الاستحقاقات الدستورية المقبلة من النيابية إلى الرئاسية. وهنا ثمّة من يؤكد أن سيناريو الثمانينيات قد يتكرر مع الرئيس ميشال عون في بعبدا أو أقله الفراغ، وبكلام آخر فإن الوضع على خط الانتخابات الرئاسية ليس سليماً في ظلّ التصعيد السياسي والانقسامات والخلافات والمتغيرات، إلى ضرورة قراءة الموقف الفرنسي من جراء عدم اتصال الرئيس إيمانويل ماكرون برئيس الجمهورية ميشال عون على الرغم من زيارة سفيرة بلاده آن غريو لبعبدا لتوضيح هذه المسألة، ولكنّ هناك تماهياً واضحاً بين باريس وواشنطن والرياض والقاهرة والمجتمع الدولي عموماً على ضرورة التغيير في لبنان وعدم السماح بأن تتكرّر تجارب الثمانينيات، وحتى ما جرى بعد الطائف من تشكيل الحكومات وانتخابات رئاسية وأمور كثيرة، فالبلد أمام مخاض عسير حالياً إن من خلال الحديث عن المؤتمر التأسيسي أو المثالثة وتغيير النظام، وكل ما يُبحث في هذا الاتجاه وصولاً إلى الانتخابات النيابية والرئاسية، وما سيرسو عليه الشأن الاقتصادي والاجتماعي، حيث قد يؤدّي الإحباط المسيطر على اللبنانيين بسبب معاناتهم الحياتية والمعيشية اليومية إلى الانفجار الاجتماعي الذي قد يحدث في أي توقيت.
وأخيراً وربطاً بهذه التطوّرات، ما يحصل اليوم على خطّ الحراك العربي والدولي، إنّما هدفه منع سقوط لبنان نهائياً في المحور الإيراني وعودته إلى محيطه العربي الطبيعي، إضافة إلى أن واشنطن تركز أساساً على دعم الجيش اللبناني من أجل صموده الاجتماعي لضمان السلم الأهلي والاستقرار في ظل شلل كل مؤسسات الدولة ومرافقها، وبناءً على ذلك فالوقت الضائع والمستقطع يدفع المجتمع الدولي لإيجاد سبل الوصول إلى التسوية الشاملة لخلاص لبنان، تجنباً لأي أحداث أمنية وحصر المساعدات الدولية في هذه المرحلة بالشق الإنساني والاجتماعي والتربوي والصحي.