رأي

هل أميركا على شفا حرب أهلية؟

كتب محمد فيصل بن سبت في صحيفة القبس.

تعتبر الحرب الأهلية الأميركية، التي جرت أحداثها بين عامي 1861–1865 من الأحداث الأكثر تكلفة ودموية في تاريخ الولايات المتحدة منذ استقلالها، وشارك فيها أكثر من 3 ملايين جندي، يمثلون الولايات المتصارعة شمالاً وجنوباً. الولايات الشمالية كان يشار إليها بالاتحاد الفدرالي، أما ولايات الجنوب فكان يشار إليها بالكونفدرالية. انتهت الحرب الأهلية، التي استمرت أكثر من أربع سنوات، وخلفت حوالي 800 ألف قتيل وملايين الجرحى ودماراً كبيراً في الولايات الجنوبية، باستسلام الكونفدراليين ودخول الولايات الجنوبية ضمن الاتحاد الفدرالي، الذي أصبح في ما بعد الولايات المتحدة الأميركية.

تعود الحرب الأهلية الأميركية إلى ثلاثة أسباب «أخلاقية، اقتصادية، وسياسية»، وإن كان السببان الأخلاقي والسياسي متداخلين معاً في تلك الفترة، وكانا السبب الرئيسي لها. اقتصادياً، كانت قطاعات الصناعة والبنوك ووسائل النقل والاتصالات العمود الفقري لاقتصاد الولايات الشمالية، بينما اعتمد اقتصاد الولايات الجنوبية على الزراعة، وبوجه خاص زراعة القطن، التي اعتمدت اعتماداً كلياً على العبيد، وازدهرت التجارة بهم، وحقق الإقطاعيون فيها أموالاً طائلة، ونتيجة لذلك كان دخل المواطن الجنوبي يعادل ضعف دخل المواطن الشمالي، وكان %60 من أثرياء أميركا يعيشون في الولايات الجنوبية.

أما السبب الأخلاقي فكان مرتبطاً بالسبب السياسي ارتباطاً مباشراً، ففي الوقت الذي كانت الولايات الشمالية تحارب فيه نظام الرق (العبودية)، وتصدر القوانين التي تحد من انتشاره وتجريمه، كانت الولايات الجنوبية تتوسّع فيه، كونه يمثل العامل الأساسي لنظامها الزراعي القوي، الذي كان يدر عليها الأموال الوفيرة، وهو ما أثار خوف الولايات الشمالية من أن يؤدي ذلك إلى توسّع نفوذ الجنوبيين ليشمل الولايات الغربية، التي انفصلت في ذلك الحين عن المكسيك، وانظمت إلى الاتحاد الفدرالي، فكانت الحرب.

السؤال: هل الحرب الأهلية إذا «حدثت» هذه المرة ستكون مثل الحرب الأولى، ويكون هناك جيشان وولايات ضد أخرى؟ طبعاً لا، الحرب الجديدة، كما تحدّث عنها الخبراء، سوف تأتي عن طريق زيادة أعمال العنف وعمليات اغتيال للمسؤولين، وإعلان حالات تمرّد وعصيان في بعض المناطق تقودها الميليشيات، ويتم خلالها استهداف البنى التحتية في مختلف الولايات.

الحرب سوف تكون بين أنصار الحزبين الديموقراطي والجمهوري وأتباعه من المحافظين، وخصوصاً أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب المتطرفين، وهم يشكلون أغلبية كبيرة، وهم الذين يرفضون ما يقوم به الحزب الديموقراطي من تمزيق للمجتمع الأميركي وتهميش واضح للأميركيين البيض، كما يدّعون.

الهجوم الدموي، الذي قام به أنصار ترامب على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية، مؤشر قوي على المناخ السياسي الخطير الذي تعيشه الولايات المتحدة، الذي يشبه إلى حد كبير الأوقات التي سبقت الحرب الأهلية الأولى، كما إن التهديدات بالانتقام من أفراد مكتب التحقيقات الفدرالي، أو من أي قاض يحكم ضد ترامب بعد تفتيش مقر سكنه في ولاية فلوريدا، تصب في الاتجاه نفسه، وتزيد من شراسة الصراع السياسي بين الطرفين، خصوصاً أن أنصار الرئيس ترامب وبعض النواب الجمهوريين شككوا في عملية التفتيش، وقالوا إنها تمت بإيعاز من الرئيس بايدن لتشويه سمعة دونالد ترامب قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

سياسيون كثيرون وكتّاب وباحثون حذّروا من أن أميركا تشهد هذه الأيام عنفاً سياسياً لا مثيل له منذ الحرب الأهلية، وتتم تغذيته من قبل المتطرفين والعنصريين. ومن الملاحظ أن ما يزيد من الانقسامات والعنف السياسي وتدهور الوضع الاجتماعي في أميركا ما ينفذه الحزب الديموقراطي من سياسات ومخططات تفسخية مدمرة، يعارضها الجزء الأكبر من الشعب الأميركي، ولو سرّاً من بعضهم خوفاً من ردة فعل مؤيدي الحزب.

مرشحة الرئاسة السابقة، تولسي غابرد، قالت في إحدى المقابلات إن الحزب الديموقراطي يهدف إلى هدم وتدمير النسيج الأسري، وهدم ومحاربة الأديان، وإنه بدأ ذلك عن طريق الدعم الكامل للإجهاض والمثلية والتحوّل الجنسي، وفتح الحرية الجنسية بشكل كبير لا مثيل له، ومحاربة كل من يعترض على سياساته من المواطنين وإساكتهم بأي طريقة ممكنة، وهذا ما يردده أنصار الحزب الجمهوري والمحافظون على الدوام.

ختاماً، الباحثون والمتخوفون من قيام حرب أهلية جديدة يشيرون إلى زيادة وتيرة العنف في أميركا، وإلى ازدياد ظاهرة القتل الجماعي بشكل كبير، خصوصاً في السنوات الأخيرة من حكم الديموقراطيين، وإن ذلك يصب في خانة الفوضى السياسية التي تشهدها البلاد، كما أشاروا إلى أن بعض استطلاعات الرأي بيّنت أن نسبة كبيرة من الأميركيين، تصل في بعض الأحيان إلى %50، يتوقعون حدوث حرب أهلية في السنوات القليلة المقبلة، إذا لم تتبدل الأوضاع عمّا عليه الآن.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى