هل أحبط ميقاتي “انقلاباً” على “رَبْعِه” والقضاء والمجتمع الدولي؟
![](https://raiseyasi.com/wp-content/uploads/2021/12/ميقاتي67-780x470.jpg)
كتب سركيس نعوم في “النهار”: خيَّب المجلس الدستوري آمال اللبنانيّين الذين ظنّوا، رغم شكوكهم المتزايدة في انحياد أعضائه إلى الجهات السياسيّة النافذة التي اختارت أعضاءه سواء بالتعيين أو بالانتخاب في مجلس النوّاب، أنّه سيُصدر قراراً في الطعن الذي قدّمه إليه نوّاب “التيّار الوطني الحرّ” في قانون الانتخاب بعد تعديل المجلس المذكور له، يُعيد إليه هيبته التي ضُربت أكثر من مرّة في السابق. ذلك أنّه فشِل بعد مداولات ومناقشات مُعمّقة في إصدار قرار في الطعن المقدّم، سواء مؤيّد له أو مُعارض. ولم يكُن سبب فشله اختلافاً قانونيّاً، بل سياسيّ، إذ عكس اختلاف الجهات السياسيّة النافذة التي تقاسمت أعضاء المجلس المذكور بين مؤيّدٍ للطعن الذي قدَّمه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بواسطة رئيس “تيّاره” السياسي النائب #جبران باسيل، وبين رافض له كان في مقدّمهم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وجهات أخرى.
الخيبة المُشار إليها لم تكُن الأولى، إذ عطَّل المجلس الدستوري نفسه في مرّة سابقة ولكن ليس بسبب العجز عن اتّخاذ قرار في اجتماعٍ مكتملٍ نصابه، بل بسبب الغياب لأعذار غير صحيحة ففُقد النصاب. من شأن ذلك اعتبار القانون المطعون فيه نافذاً. وهذا موقفٌ قانوني. طبعاً يجب عدم المبالغة في التأسُّف على ضعف إنتاجيّة المجلس الدستوري في صورة عامّة وعلى إخفاقه في إصدار قرار قانوني لا سياسي في الطعن الأخير بقانون الانتخاب المُعدَّل. كما يجب عدم التأمُّل خيراً منه عند تلقّيه طعوناً أخرى لاحقاً. لا يعود ذلك إلى غياب الكفاءة القانونيّة العالية الضروريّة عند أعضائه المُعيّنين والمُنتخبين، بل يعود إلى النظام اللبناني الطائفي الفاسد، وإلى استخدام السياسيّين على تنوّعهم “كفاءات” من يُعيّنونهم في المجلس الدستوري أو في القضاء أو في سائر مؤسَّسات الدولة من أجل تأمين مصالحهم السياسيّة وغير السياسيّة، وإن على حساب العدل ومصلحة الدولة والشعب الذي جعلوه شعوباً منذ قيامها (أي الدولة). يعود أيضاً الى استعداد قسمٍ لا بأس بحجمه من أعضاء المجلس الدستوري كما في المؤسَّسات القضائية الأخرى للتضحية بما حصّلوه من علم القانون وحتّى بكراماتهم وبرأي الناس فيهم من أجل الاحتفاظ برضى الذين عيّنوهم أو انتخبوهم ومكاسب أخرى معروفة. ومثلما عطَّلت الأحزاب الطائفيّة والمذهبيّة مؤسَّسات دولة لبنان وجعلتها فاشلة فإنّها عطَّلت أيضاً المجلس الدستوري منذ تأسيسه، إذ رفض هؤلاء كلُّهم أن تكون له صلاحيّة النظر في دستوريّة القوانين من دون أن يطلب أحد منهم ذلك، وأصرّوا على عدم منحه إيّاها، وتمسّكوا بحصر تقديم الطعن، أيّ طعن، بالرؤساء الثلاثة ومجلس النوّاب المؤلّف من مُمثّلي طوائف ومذاهب وقبائل وإقطاعيّين ورجال مال وأعمال. بذلك انطبق عليه المثل القائل: “ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له/إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء”. وقد ابتلّ به بل غرق فيه وفقد كثيرون من أعضائه صدقيّتهم إلّا قلّة منهم شعر اللبنانيّون حيالهم ويشعرون بالاحترام والفخر.
في أيّ حال، كانت هذه المقدّمة طويلة، لكنّ هدفها لم يكُن التشهير بقضاة الدستوري بل بالذين عيّنونهم وبطريقة تعيينهم التي تُشبه أخيراً التعيين في سائر مؤسّسات الدولة، والتي كانت أحد أبرز أسباب تقسيمها وانقسامها وانخراطها و”سقطة” المجلس الدستوري على ما قال رئيسه أخيراً بعجزه عن اتخاذ قرار. في هذا المجال لا بُدّ من إطلاع اللبنانيّين على معلومات، وإن غير مُكتملة، عن مداولات المجلس الدستوري في آخر فشل له تؤكِّد أن رئيسه وعدداً من أعضائه كانوا عازمين على إصدار قرار بقبول الطعن في قانون الانتخاب “ملائم” للجهة التي قدّمته وغير ملائم لجهات أخرى كانت عارضته مع إبقاء أبوابها مفتوحة للحوار حوله إذا تأمّنت مصالحها “بصفقة” مُعيّنة تُرضي الثلاثيّة الحاكمة أو الثنائيّة داخلها أي “الثنائيّة الشيعيّة” و”التيّار الوطني الحرّ”. فقبل يومٍ من موعد جلسة إصدار قرار المجلس الدستوري بالطعن المقدَّم زار رئيسه الرئيس عون وأبلغه أنّ هناك ستّةً من أعضائه يؤيّدون الطعن، لكنّه يحتاج إلى عضوٍ سابع كي يُتّخذ القرار. كانت الأجواء متفائلة لأنّ مُقدّم الطعن باسيل ونوّاب “تيّار عون” لم يستبعدوا صفقة تتيح رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمدّعي العام التمييزي غسّان عويدات وتُبقي على المُدّعي العام المالي علي إبراهيم الذي رفض بقوّة مُعيِّنه الرئيس نبيه برّي إطاحته من موقعه مهما يكُن السبب. لكنّ أمراً ما حصل دفع رئيس مجلس النوّاب إلى التخلّي عن الصفقة، فبقيت الأكثريّة المطلوبة لقبول الطعن ناقصة عضواً واحداً.
طبعاً لا يمتلك “الموقف هذا النهار” كلّ المعلومات عن هذا الأمر بُغية إطلاع اللبنانيّين عليها. لكنّ ما وصله منها كافٍ لشرح بعض ما جرى ولإعطاء فكرة عن الذي حصل. فالرئيس برّي اتّصل الأسبوع الماضي هاتفيّاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي طالباً رؤيته (بدّي شوفك) فذهب الأخير إلى عين التينة، وأخبره رئيس المجلس أنّه اتّفق مع الرئيس عون على أن تتّخذ المؤسَّسات المُختصّة والمعنيّة قرارات بالاستغناء عن رئيس مجلس القضاء الأعلى والمدّعي العام التمييزي وبترك المدّعي العام المالي في منصبه. فوجئ ميقاتي واستاء ولم يتمكَّن من ضبط غضبه فتحدّث بغضب وبصوت عالٍ رافضاً هذا الأمر ووصل صوته وربّما صوت برّي إلى خارج المكتب الذي كانا مجتمعين فيه. فاضطرّ أحد المسؤولين في عين التينة إلى الدخول إلى حيث كانا ولفت الرئيسين إلى أنّ الذين خارج المكتب يسمعون كلّ شيء. وقد ركّز ميقاتي في أثناء غضبه على “رفضه القضاء على رصيد القضاء وعلى صدقيّته (ميقاتي) أمام اللبنانيّين وكذلك أمام الجمهور السُنّي”، ثمّ قال إنّ “صدقيّتي أهمّ من… (سمّى نائباً ووزيراً سابقاً من “أمل”). وأضاف أنّ هذا الوزير السابق “إن كان خائفاً من الاعتقال يجب أن لا يخاف إذ لا أحد يستطيع أن يُقدم على عمل كهذا لا سيّما أنّ وزارة الداخليّة في يدي”. أدرك رئيس المجلس أنّ هناك ضرورة لوقف غضب ميقاتي فأمسكه من يده ثمّ قبّله في رأسه وانتقل وإيّاه إلى مكتب آخر ودعاه إلى تناول “الشوكولا” التي يحبّها والمعروف عنه أنّه يحبّها. طبعاً بقي ميقاتي غاضباً وغادر عين التينة، ولاحظ الإعلاميّون ولاحقاً اللبنانيّون أنّه مُنزعج جدّاً. اتصل ميقاتي بعد وصوله الى منزله هاتفيّاً برئيس الجمهوريّة عون وقال له: “بدّك تعمل دولة مؤسّسات هَيْك؟”. فردّ الرئيس: “أنا حكيتك سابقاً في هذا الأمر”. فعلّق ميقاتي: “أخبرتني عن هذا الموضوع قبل أربعة أو خمسة أشهر، ولم نتّفق على شيء نهائي وأرجأنا البحث إلى وقت آخر…”. طبعاً لم يحصل جديد بعد ذلك. فميقاتي اعتبر ما حصل “انقلاباً” على السُنّة وعلى المجتمعَيْن المدني والدولي، علماً بأنّه يسعى جاهداً للحصول على دعم الثاني لمساعدة لبنان. وأيّده في موقفه الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة، واتّصل به سفراء دول أجنبيّة مُعتمدون لدى لبنان، كما تلقّى اتصالات هاتفيّة أخرى من دولتَي الإمارات العربية المتّحدة وقطر. في هذا المجال شعر الرئيس سهيل عبّود والمدّعي العام عويدات وقضاة آخرون عديدون بأنّ الرئيس عون يريد أن يؤذيهم علماً بأنّهم كانوا دائماً على اتصال به وبرئيس الحكومة ميقاتي. ولا يعرف أحد إلى ماذا سيؤدّي ذلك. لكنّ عبود وعويدات اتّصلا برئيس الحكومة، فقال لهما: “أنا لا أطلب منكم شيئاً ضدّ القانون. وإذا فعلت فلا تُنفّذوا ما أطلبه”. ولا شكّ في أنّ ذلك “فشّ خلق ربعه” أي السُنّة.
في النهاية لا بُدّ من الإشارة إلى أن فساد القضاء أو معظمه أو بعضه كما فساد الدولة ليس جديداً. فقد بدأ من زمان أي منذ عقود. ولا بُدّ يوماً من أن يُكشَف ذلك للرأي العام.