هذه المرة …ماكرون لن يرضخ لعنف التظاهرات
ستيفاني حداد.
خاص رأي سياسي…
هذه ليست المرة الأولى التي يحتج فيها الفرنسيون على نظام التقاعد، ففي عام 1995 خرج العاملين في قطاع النقل إلى الشوارع إحتجاجا على خطط الحكومة لتغيير نظام التقاعد. تحولت الاحتجاجات حينها إلى إضرابات إنتهت بالتراجع عن قرار التعديل.
المشهدية تكررت في تشرين الثاني 2019، حينها خرج الفرنسيون مجددا إلى الشوارع للإحتجاج على خطط الحكومة لتغيير نظام التقاعد في البلاد و بعد عدة اسابيع من الإحتجاجات والإضرابات تم إلغاء الخطط وسط ترحيب من المحتجين.
من جديد، أعلن الرئيس الفرنسي عام 2020 عن تمسكه بخطط تعديل نظام التقاعد في البلاد على الرغم من المعارضة الواسعة لهذه الخطط من قبل العمال والنقابات وحتى أعضاء البرلمان.
رفضت النقابات هذه الخطط وخرجوا مجددا إلى الشوارع في إضرابات وأحتجاجات عديدة مطالبين الحكومة بالتراجع عن هذه الخطط ومع ذلك قرر ماكرون وإدارته الإصرار على تطبيق الخطط وعدم التراجع عنها لكن مع إرتفاع وتيرة العنف والتخريب التي شهدتها شوارع العاصمة باريس اتخذت الحكومة الفرنسية قرارًا بإلغاء الخطة.
في نيسان 2023 أعلنت الحكومة الفرنسية عن تمرير القانون المتعلق بنظام التقاعد من دون الحصول على موافقة البرلمان ما أثار سخط كبير وجدلا كبيرا في صفوف المعارضين بحيث اعتبر الكثيرين انه نسف لمبدأ الديموقراطية وتجاهل لمطالب الشعب الفرنسي.
هذه الخطط التي لطالما شكلت أزمة في فرنسا نتيجة الرفض التام من قبل العاملين خاصة في القطاع العام ، تنص على توحيد نظام التقاعد في فرنسا حيث يتم إلغاء العديد من الأنظمة المتعلقة بالتقاعد وتوحيدها في نظام واحد ورفع سن التقاعد للعاملين في القطاع الخاص من 62 عاما إلى 64 عاما والذي يتعارض مع الممارسات الحالية في فرنسا. هذا وتشير الإحصائات إلى أن نظام التقاعد الفرنسي فيه ثغرات عديدة، أبرزها عجز التمويل وزيادة عدد المتقاعدين وانخفاض معدل الولادات بالرغم من امتلاك فرنسا واحدة من أكبر المنظومات التقاعدية في العالم .
شهدت فرنسا في الاشهر الماضية، العديد من التظاهرات السلمية إلا أن منحى التظاهرات بدأ يأخذ طابعا عنيفا وتخريبي ما يثير قلق حيال الأمن العام وسلامة الفرنسيين أنفسهم، فتداعيات إرتفاع منوسب العنف في الشوارع الفرنسية قد يأخذ إتجاها لا يرغب فيه حتى المعارضين.
لا يولد التفلت الأمني إلا بؤر صالحة للإرهاب و لفرنسا تريخ حافل بالإعتداءات الإرهابية الدموية . فرنسا ولغاية اليوم لم تتعافى من اليوم من الترددات الإرهابية التي أصابتها إن كان إعتداء نيس أو ستاد در باتاكلان والذي أودى بحياة المئات. إصرار حكومة ماكرون بلجم الإحتجاجات ظهر جليا في الماضية إذا تم استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه و الذخيرة المطاطية لتفريق المتظاهرين وهذا أداء غالبا ما نراه في الدول الأوروبية لكن من الواضح أنه يجب وضع حد للتظاهرات الفرنسية التي لن تؤدي إلى أي نتيجة طالما المعارضة لم تطيح بحكومة الرئيس ماكرون.
الأكيد أن المعارضة الفرنسية تستفيد بطبيعة الحال من الحركات الإحتجاجية لمصالحها الخاصة بهدف الترويج لأجنداتها السياسية، هذا واتهمت حكومة ماكرون بعض المعارضين بتأجيج الحشود والتحريض على العنف وتعكير صفو التظاهرات السلمية.
تسعى حكومة ماكرون جاهدة للحفاظ على النظام العام والتصدي للشغب والعنف في ظل الدعوات المتكررة من قبل المعارضة إلى تغيير السياسيات الحكومية والإستجابة لمطالب المتظاهرين بهدف كسب أصوات إنتخابية أكثر واستميال الجيل الشاب إلى سياسيها واتجاهها خصوصا بعد الإنتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة التي أنذرت بتغير كبير في المزاج العام الفرنسي نحو النفس اليميني. هذه السابقة لم تشهدها فرنسا من قبل فمنافسة ماكرون اليساري مارين لوبن زعيمة الحزب اليميني حينها سجلت أرقاما تنذر بتغير قريب في تركيبة المجتمع الفرنسي، وإذا كان لدى اليسار رغبة في بسط سلطته من جديد فالأكيد انه لم يجد الطريقة الأنسب حتى الساعة في رفع شعبيته.
يتكبد الإقتصاد القرنسي خسائر كبيرة يوميا بسبب الشلل الذي يضرب العاصمة وعدد كبير من المناطق الأساسية بسبب التوترات والخلل الأمني فكل يوم إضراب يكلف البلاد خسائر إقتصادية طائلة .
في النهاية، إن الحوار والتفاهم بين الحكومة والمعارضة هو المطاف التي ستنتهي عنده هذه الإحتجاجات لحل القضايا العالقة وتجنيب البلاد عنف أكثر يأخذ فرنسا إلى اتجاهات مجهولة مع إقتراب اقتراب موعد الألعاب الأولمبية والتي تتخذ من فرنسا مقرا لها.