هدنة الخيارات المتعثرة

كنب يونس السيد, في صحيفة الخليج:
بين مقترح وآخر مضاد، تتعثر الخيارات المطروحة للتوصل إلى اتفاق حول هدنة غزة، وتتشابك التعقيدات أمام المساعي الهادفة لإنهاء هذه الحرب المأساوية بعد نحو 18 شهراً من القتل والخراب والتدمير، من دون أن تلوح في الأفق أي بادرة أو إرادة حقيقية لوضع حد لها.
من المؤكد أن الوسطاء يفعلون ما بوسعهم لتقريب وجهات النظر وجسر الهوة بين مواقف الأطراف المتصارعة، لكن رغبة هؤلاء الوسطاء تصطدم بحسابات هذه الأطراف التي تتعدى النصوص الواردة في المقترحات إلى ما يعتبرونه تهديداً وجودياً بالنسبة لهم، ناهيك عن الحسابات الشخصية، وبالتالي تتعدد المقترحات والمقترحات المضادة وفقاً لمصالح وأهداف كل طرف. ومن هنا يمكن ربط الضغوط والمناورات التي يمارسها كل طرف بالأهداف النهائية التي يسعى لتحقيقها، والتي حولت أهل غزة إلى ميدان اختبار لها، على حساب دمائهم وتجويعهم وتشريدهم وحرمانهم من كل مقومات الحياة في ظل صمت دولي مريب.
من البديهي أن تحاول المقترحات التي يتم طرحها التوفيق بين خيارات متناقضة، وقد نجحت هنا نسبياً في حالتين سابقتين، حين كانت تتعلق باتفاقات جزئية، أو تم اجتزاؤها، لكنها تتعثر اليوم لأنها باتت تصطدم بالاستحقاقات الكبرى أو ما يسمى باليوم التالي. فهناك الجانب الإسرائيلي بزعامة نتنياهو الذي يعتقد أن موازين القوى الراهنة تمكنه من تحقيق أهداف الحرب، واستعادة الرهائن وإنهاء حكم «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى ونزع سلاحها. وهو يدرك أن الفشل في تحقيق تلك الأهداف سيكلفه انهيار ائتلافه الحكومي، وربما يؤدي به إلى السجن، على خلفية قضايا الفساد أو بسبب مسؤوليته عن الإخفاق في منع هجوم 7 أكتوبر.
وبالمقابل، يواجه الطرف الفلسطيني استحقاقاً أكثر خطورة، يتعلق ليس فقط بمصير الفصائل المسلحة وسلاحها، وإنما بمصير قطاع غزة، والخطط الموضوعة لتهجير سكانه، وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية برمتها. وبالتالي فقد بات الطرف الفلسطيني يتمسك بمقترح «الصفقة الشاملة» القائم على إطلاق سراح كل الرهائن دفعة واحدة، مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين يتفق على عددهم، وانسحاب الجيش الإسرائيلي وإنهاء الحرب.
بهذا المعني، ثمة افتراق واضح في المقترحات والأهداف، وهو ما يشي بصعوبة مهمة الوسطاء، وأيضاً صعوبة المرحلة المقبلة التي يشوبها الكثير من التصعيد العسكري والتلويح بالضم وتحويل قطاع غزة إلى معازل متفرقة، مع أن هذا الخيار ثبت فشله، طوال الأشهر الماضية.
أياً تكن المقترحات المطروحة، فإن خيار الحرب يعني استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، حيث تشير التقارير إلى أن واشنطن منحت نتنياهو مهلة محدودة لاستعادة الرهائن وتحقيق الأهداف، لا تتجاوز نهاية الشهر الحالي، أي قبل زيارة ترامب إلى المنطقة. وهناك أيضاً من يرى أن مقترح «الصفقة الشاملة» يتقاطع مع ما تطالب به واشنطن، وبالتالي قد يجد نتنياهو نفسه مضطراً للرضوخ أمام الضغوط الأمريكية والقيام بتنفيذ هذه الصفقة بكل بنودها.