رأي

هدف إيران الاستراتيجى أبعد من الانشغال برأس هنية!

كتب خالد أبو بكر في صحيفة الشروق.

أيها الجالسون فى الشرق الأوسط أمام الشاشات تنتظرون الانتقام الإيرانى المزلزل من إسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس فى طهران، اسمحوا لى أن أقول لكم: لا اغتيال هنية ولا مقتل الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى ووزير خارجيته فى حادث تحطم المروحية الشهيرة، ولا قبل ذلك اغتيال قاسم سليمانى، ولا اغتيال أى مسئول إيرانى فى المستقبل، سوف يدفع «آيات الله» إلى الاندفاع لذلك الرد المزلزل الذى قد يؤدى لحرب مباشرة وشاملة مع إسرائيل، وعلى فرض حدوث رد إيرانى على اغتيال هنية سيكون خجولا ويسبقه تعيين دقيق لإحداثيات أهدافه على الخرائط بين واشنطن وطهران، على غرار ما جرى فى 13 أبريل الماضى لحفظ ماء الوجه أمام الرأى العام الإيرانى الداخلى بالدرجة الأولى.
‎أقول ذلك لأن النظام الإيرانى صار لديه ــ أكثر من أى وقت مضى ــ هدفا استراتيجيا هو مستعد لبذل الغالى والنفيس وتحمل المكاره والاختراقات للوصول إليه وهو «الردع النووى» عبر الوصول لصنع القنبلة النووية، بعد أن أضحى مقتنعا فى السنوات الأخيرة أن ذلك هو الضمانة الوحيدة لبقائه، وأنه بدون امتلاك هذا الردع لا ثمن له فى حسابات القوة على المسرح الدولى، وأن مفاوضاته مع الأمريكان عبر القناة العمانية طيلة الأشهر الأخيرة لا جدوى منها، خصوصا بعد أن تحدى نتنياهو الإدارة الأمريكية وجعلها تسير فى ركبه طوعا أو كرها.. وبعد أن صار دونالد ترامب الذى ألغى الاتفاق النووى معها فى 2018 على مرمى حجر من العودة للبيت الأبيض.
*
‎شواهد عديدة ترجح أن إيران غيرت عقديتها النووية فى السنوات الأخيرة نحو امتلاك الردع أو السلاح النووى، عكس فتوى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله على خامنئى التى تحرم إنتاج الأسلحة النووية، فقد أحرز البرنامج الإيرانى تقدمًا كبيرًا منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووى وقرار طهران اللاحق بانتهاك التزاماتها بالاتفاق بدءًا من صيف 2019، وما رافقه من قيامها بطرد الكثير من مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم السماح لآخرين من ذوى الكفاءات العالية من دخول إيران، فضلا عن التوسع فى إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجات نقاء مختلفة، بما فى ذلك 60٪.
‎وهنا يجب أن نستحضر تصريح رفائيل جروسى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام اجتماع مجلس محافظى الوكالة فى يونيو الماضى الذى قال فيه: «إن الدول التى لا تمتلك أسلحة نووية لا تقوم بالتخصيب إلى 60% وليس هناك حاجة مدنية لمثل هذه المستويات العالية من التخصيب»، والذى أضاف إليه أن إيران لم تتعاون مع الوكالة، وفقًا للبروتوكول الإضافى، وفشلت فى الرد على أسئلة الوكالة حول أنشطتها السابقة فى مواقع غير معلنة، وحتى يومنا هذا، فإن الغرض من هذه المواقع غير واضح وأين تم نقل المواد الموجودة فيها، وأنه منذ فبراير 2021، منعت إيران أيضًا الوكالة من مراقبة إنتاج وتجميع وتخزين أجهزة الطرد المركزى المتقدمة.
*
‎رؤية النظام الإيرانى القائلة بأن الطريقة الأكثر مباشرة لضمان بقائه هى أن يصل إلى رادع نووى، ليست رؤيته وحده، بل يتبناها الكثير من منظرى العلوم السياسية الغربيين منذ عدة سنوات، وعلى رأسهم كينيث والتز (1924 ــ 2013)، عبر دراسته التى نشرها فى مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية فى عدد يوليو ــ أغسطس 2012 بعنوان: «لماذا ينبغى لإيران أن تحصل على القنبلة النووية: التوازن النووى يعنى الاستقرار»، ويذهب فيها إلى أن «امتلاك سلاح نووى من شأنه أن يقلل من مخاوف إيران الأمنية، ويمنحها أسباباً أقل لإثارة المشاكل للآخرين، ويجبر أعدائها الإقليميين على الامتناع عن استخدام القوة ضدها».
*
‎هل إيران صارت قريبة بالفعل من الوصول للردع النووى؟
‎أحيلك على الفور إلى تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسى فى أبريل الماضى بأن «إيران على بعد أسابيع وليس أشهر من الحصول على ما يكفى من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية».
‎إذن الرد الإيرانى المزلزل ليس بإطلاق صواريخ على إسرائيل متفق على أعدادها وأهدافها مع الأمريكان، بل بالإعلان عن الوصول للردع النووى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى