رأي

نيويورك تايمز: الصين لا تريد استخدام تأثيرها على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا تساءلت فيه عن سبب عزوف الصين عن الدبلوماسية الدولية لحل الأزمة الأوكرانية.

وجاء في التقرير الذي أعده ستيفن لي مايرز وكريس باكلي، أن الصين رغم تفوقها السياسي والعسكري وعلاقتها القوية مع روسيا، امتنعت عن التوسط لوقف الحرب في أوكرانيا. وقالا إن الصين دعت في أكثر من مناسبة لمحادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا، وما لم تفعله هو الضغط على روسيا للدخول في مفاوضات لوقف الحرب التي أدت لمقتل الآلاف حتى الآن، وشرّدت الملايين وتهدد بوقف اقتصاد العالم والأمن الغذائي.

ورغم الدعوات من قادة العالم لأن تلعب دورا نشطا، فقد حاولت الصين إبعاد نفسها. فقد دعت للسلام، لكنها لم تقم بالوساطة، ولم تنظم محادثات سلام، حيث تركت هذه الجهود للدول الأصغر منها، فرنسا، تركيا، إسرائيل. ويقول المسؤولون في بكين إن التدخل بقوة أمر محفوف بالمخاطر السياسية والاقتصادية، وهي مخاطر يتردد الرئيس شي جين بينغ في القيام بها.

واختارت الصين بدلا من ذلك موقفا حذرا يوازن بين الغضب الدولي على الغزو الروسي ودعمها لواحدة من أهم شركائها، روسيا. وأدى هذا الموقف لترك الصين، دبلوماسيا على هامش الصراع، فهي غير قادرة أو مستعدة للعب دور يتناسب مع قوتها العسكرية والاقتصادية المتنامية. ويرى جون ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة يونسي بسيؤول: “لو أراد شي حقيقة وقف الأزمة. فإن الرد المتردد يكشف عن عقم الصين في السياسة العالمية رغم عقود من الصعود إلى موقع الدولة العظمى”.

ويقول المسؤولون في بكين إنهم يريدون رؤية وقف المذبحة، ففي مؤتمر عبر الفيديو مع الرئيس الأمريكي جوي بايدن يوم الجمعة، وافق الرئيس الصيني على نهج من شقين، وقف إطلاق النار يتبع بمساعدات إنسانية. لكن ليس من الواضح إن كان “شي” قد أوصل هذا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتحدثا بعد أيام من شن الحرب في 24 شباط/ فبراير، ولكنه لم يتحدث منذ ذلك الوقت مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي.

ومع استمرار الحرب والخسائر المادية والبشرية، أُجبر الدبلوماسيون الصينيون على تقديم دفاعات ملتوية عن موقف بكين. وتحدثوا عن مساعدات إنسانية لأوكرانيا، لكنهم رفضوا انتقاد حكومة بوتين وتحميلها مسؤولية الأزمة الإنسانية. وأخبر السفير الصيني في أوكرانيا، فان جيانرونغ، المسؤولين في مدينة لفيف، غربي أوكرانيا، أن الصين هي “قوة للخير” وأثنى على وحدة أوكرانيا في وجه الحرب التي لم يصفها المسؤولون في بكين بالغزو.

وكان تجنب الصين نقد روسيا سببا في إضعاف زعمها بأنها قوة للخير. وقال السفير الصيني في الولايات المتحدة، كين غانغ، في مقابلة مع شبكة “سي بي أس” يوم الأحد: “لا تكونوا ساذجين”. وأضاف: “الشجب لن يحل المشكلة”.

وتضيف الصحيفة أن الموقف الصيني أدى لتشدد المواقف في أوروبا، والتي أظهرت نوعا من الوحدة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، قبل قمة أوروبية- صينية في الأول من نيسان/ أبريل. وأدى إلى تحذير من الولايات المتحدة من أي دعم عسكري أو اقتصادي واضح سيقود إلى عقوبات شديدة على الصين.

وتشير الصحيفة أن السياسة الصينية من روسيا تقودها العلاقة الشخصية العميقة بين كل من شي وبوتين. ورغم التوتر الذي أصاب العلاقة بسبب الحرب، الإ أنها لم تؤد إلى انهيارها. ويشترك المسؤولون الصينيون مع بوتين في موقفه من الولايات المتحدة، واتهموها بأنها تقوم بتأجيج لهيب الحرب التي أشعلتها عبر توسيع الناتو. كما انتقدوا الولايات المتحدة في استخدامها العقوبات الاقتصادية والتجارية ضد روسيا. وفي معادلة محصلتها صفر والتي تدفع السياسة، فالضغط على روسيا لكي تقدم تنازلات بشكل يعني تقوية الموقف الأمريكي وحلفائها.

وفي نفس الوقت، لا تستطيع الصين أن تقطع علاقاتها معهم أيضا. ويقول بيلهاري كوسيكان، السفير السنغافوري السابق في الأمم المتحدة وفي روسيا: “لا تستطيع الصين الحصول على شريك بنفس الوزن كروسيا والتي تشترك معها في الشك وعدم الثقة بالنظام الدولي الحالي. هذا هو الحد الأدنى، فلا يريدون عمل أي شيء يمكن أن يعرض شراكتهم مع روسيا للخطر أو يؤدي لزعزعة حكم بوتين”.

وفي واشنطن، ينظر المسؤولون لموقف شي بأنه مزدوج، وقارنوه بطريقة معالجة الصين لملف كوريا الشمالية وبرنامجها النووي. وفي تلك الحالة، دعت بكين بيونغ يانغ للتخلي عن طموحاتها النووية، لكنها لا تزال تقدم لها الطاقة والمنتوجات الأخرى لتخفيف صدمة عقوبات الأمم المتحدة عليها. ومن نواح أخرى، فالمحادثات بشأن الملف النووي الكوري كانت أعلى مستوى للدبلوماسية الصينية على المسرح الدولي. ولعبت دور المضيف لعدة جولات من المفاوضات التي انتهت إلى اتفاق هام في عام 2005 لكي تتخلى عن أسلحتها النووية مقابل المساعدات الاقتصادية والتطمينات الأمنية. وبعد عام، انهار الاتفاق وقام كيم جونغ- إل باختبار نووي.

ومنذ ذلك الوقت، ظل الدور الدبلوماسي الصيني على المستوى الدولي محدودا. وفي مجلس الأمن، تعد الصين واحدة من الأعضاء الدائمين ولديها قوة الفيتو. ولعبت دور الداعم والقيادي. وفي العديد من الحالات، كان يعني دورها التعاون مع روسيا. وعندما بدأت الحرب، وكانت الصين واحدة من 3 دول من 15 عضو امتنعت عن التصويت لصالح قرار يشجب الغزو الروسي (واستخدمت روسيا فيتو). وهو ما أدى إلى زيادة التوقعات عن حدوث صدع بين البلدين، لكن بكين استمرت في تقديم الغطاء الدبلوماسي لروسيا. وفي الأسبوع الماضي قامت القاضية الصينية في محكمة العدل الدولية جوهانكين بالوقوف مع قاض روسي في رفض قرار يدعو لوقف العمل العسكرية في أوكرانيا.

وفي قرارها، قالت جوهانكين إن بنود القرار بشأن المزاعم الأوكرانية عن حدوث إبادة “لا تسهم في حل الأزمة في أوكرانيا”. وفي المنتديات الدولية الأخرى، عملت الصين جهدها لثني جهود دولية متعددة للسلام ورفضت مناشدة من أوكرانيا لطرح موضوع الحرب على طاولة النقاش في قمة دول العشرين المقررة هذا العام في أندونيسيا. وقال المتحدث باسم الخارجية الصيني جهاو ليجان: “مجموعة العشرين هي منتدى رئيسي للتعاون الدولي الاقتصادي، وليس منبرا مناسبا لمناقشة القضايا السياسية والأمنية مثل أوكرانيا”.

وربما وجدت الصين نفسها في موقع لا يمكنها الحفاظ عليه مع تواصل الخسائر المدنية والبشرية في أوكرانيا وأبعد منها. ودعا أهم دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي الصين لكي تعمل المزيد. وحتى في داخل الصين، هناك أصوات تدعو الحكومة الصينية لعمل المزيد، وتناقش أن حكومة تتطلع لقيادة عالمية يتوقع منها جهودا جريئة.

وقال وانغ هويياو، الباحث المقيم في المركز للصين والعولمة في بكين: “نحن بحاجة لجمع كل واحد معا” ودعا المركز إلى التوسط لإعادة بوتين إلى المسار الصحيح “وهذا هو الشيء المفقود في الوقت الحالي”. ويرى آخرون الحرب فرصة للصين لو تعاملت معها بحذر وهدوء. وفي اجتماع لباحثين في السياسة الخارجية الصينية عقد قبل فترة بشأن الأزمة الأوكرانية، توصل الباحثون إلى أنه لا توجد حاجة ماسة لوقف الحرب. وجاء في ملخص الاجتماع، أن الحرب تقوم باستنزاف القوة الوطنية للقوى القديمة، الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا و”تحتاج الصين لمراقبة النيران من الضفة الأخرى والبقاء بعيدا عن الحرب”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى