رأي

نيويورك تايمز: أحداث مليلية نتاج سياسة قاسية تجعل الأفريقي يقتل الأفريقي أما يد إسبانيا فنظيفة

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للروائية الأمريكية- المغربية ليلى العلمي علقت فيه على الأحداث الأخيرة في مليلية. وجاء مقالها بعنوان “قل لي إن سمعت هذه القصة من قبل؟”.

وتذكرت العلمي مشهدا مختلفا عما شاهده العالم في حزيران/يونيو، وقالت “إن حرس الحدود كانوا يقفون بجانب مبنى صغير من الطوب، ويحدقون في ضوء الشمس. من حيث جلست في المقعد الخلفي لسيارة والدي القديمة من طراز رينو، بدا الحارس طويلا ومخيفا بعض الشيء. ولكن بإلقاء نظرة سريعة داخل السيارة فقط، قام بالسماح لنا بالمرور لنكمل رحلتنا اليومية إلى مليلية، وهي جيب إسباني في شمال المغرب”.

كان ذلك، كما تشير في عام 1977، في وقت كانت حركة المرور عبر الحدود محلية في الغالب. ولكن مع نمو الاتحاد الأوروبي، نمت عمليات الحماية والتحصين.

وتبدو مليلية في هذه الأيام، مدينة محاطة بخندق عريض وبسياج بارتفاع 20 قدما وأبراج حراسة مجهزة بأحدث تقنيات المراقبة. يكاد يكون من المستحيل على مهاجر لا يحمل وثائق عبورها.

وأضافت أنه في الصباح الباكر من يوم 24 حزيران/ يونيو، اقتحم حوالي 2000 شخص السياج. وقابلهم ضباط أمن مغاربة بالغاز المسيل للدموع والهراوات. وعندما انتهت الاشتباكات قتل 23 مهاجرا، على الرغم من أن تقديرات المنظمات غير الحكومية المحلية تشير إلى أن عددهم 37.

وفي تعليقه على مسار الأحداث، ألقى بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الاشتراكي الإسباني، باللوم على عصابات تجار البشر، واصفا الأحداث بأنها “هجوم على وحدة أراضي إسبانيا”. وشكر السلطات المغربية على عملها، مضيفا أن “المغرب أيضا يكافح ويعاني من هذا العنف”.

وتعلق العلمي أن تصوير إسبانيا والمغرب كضحايا مشتركين للغزاة العنيفين يعتبر مبررا مريحا، لكن مقاطع الفيديو المؤلمة التي ظهرت لاحقا تروي قصة مختلفة. فقد ألقيت عشرات الجثث في كومة، مع أن عددا منها كانت تتحرك وبحاجة إلى رعاية طبية، بينما وقفت شرطة مكافحة الشغب في مكان قريب.

تصوير إسبانيا والمغرب كضحايا مشتركين للغزاة العنيفين يعتبر مبررا مريحا، لكن مقاطع الفيديو المؤلمة التي ظهرت لاحقا تروي قصة مختلفة

وبحسب ما ورد، فقد جاء اللاجئون والمهاجرون من السودان وتشاد وأماكن أخرى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتقول “لقد ملأني الغضب والعار أن أولئك الذين تعاملوا بوحشية معهم كانوا أفارقة مثلهم، يعملون بتعاون وثيق مع حرس الحدود من الاتحاد الأوروبي”. ففي جميع أنحاء شمال الكرة الأرضية، تقوم الدول الغنية بالتعاقد في حراسة الحدود مع الدول الفقيرة مقابل الدعم الاقتصادي أو العسكري أو الدبلوماسي. هذا التعاون يثقل كاهل البلدان الفقيرة بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية، ويبعد اللاجئين آلاف الأميال عن الملاذات الآمنة التي يبحثون عنها”.

وتستدرك الروائية أن ما حدث بالضبط صباح 24 حزيران/ يونيو لا يزال غير واضح. ولا نعرف كيف مات الأشخاص على الحدود – سواء بسبب السقوط عن السياج أم الغاز المسيل للدموع أو الاختناق أم الإهمال الطبي أو مزيج من ذلك.

و”لا نعرف أسماءهم، نحن لا نعرف بالضبط عدد القتلى. وبدون تحقيق كامل ومستقل، قد لا نكتشف ذلك أبدا”.

وبعد يومين من المجزرة، نشرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على تويتر صورا لمقابر محفورة حديثا في مقبرة قريبة، مما يشير إلى أن بعض القتلى على الأقل قد يكونون مدفونين هناك.

استقبلت الحكومة الإسبانية نحو 124 ألف لاجئ من أوكرانيا، بينما تحرم القادمين من دول مثل السودان من فرصة دخول مليلية من أجل طلب اللجوء

وتقول إن دفن الجثث لن يجعل الحدث يختفي. ويواجه المغرب بالفعل غضبا داخليا وتداعيات دبلوماسية في الخارج، حيث أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، أنه “صدم وقلق من المعاملة العنيفة والمهينة” التي تلقاها المهاجرون. على الرغم من أن المغرب عقد اجتماعا سريعا في الرباط مع سفراء دول أفريقية أخرى، أعرب بعضهم عن دعمهم، إلا أن الضرر قد وقع.

ومن ناحية أخرى، يمكن لإسبانيا أن تحافظ على نظافة يديها. يمكن توجيه الغضب الذي يشعر به جمهورها بشأن وفاة عشرات المهاجرين على عتبة بابها ضد الحكومة المغربية أو المتاجرين بالبشر أو المهاجرين أنفسهم. ويمكن للحكومة الإسبانية الاستمرار في استقبال اللاجئين من أوكرانيا – ما يصل إلى 124 ألفا، وفقا لآخر تقدير، وحرمان اللاجئين من دول مثل السودان من فرصة دخول مليلية من أجل طلب اللجوء.

وترى الروائية أن التفاهم بين إسبانيا والمغرب جديد نسبيا. في العام الماضي فقط، اتهمت الحكومة الإسبانية المغرب بـ “عدم الاحترام” و”التحدي” بعد أن سمحت لآلاف الأشخاص، كثير منهم أطفال، بعبور الحدود دون عوائق. لكن الإعلان في آذار/ مارس عن دعم إسبانيا لخطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء الغربية حول الجارين المتنازعين إلى حليفين مقربين وسرعان ما تمت الموافقة على اتفاقية أمنية.

وتضيف أن إسبانيا والمغرب ليستا الدولتين الوحيدتين المنخرطتين في مثل هذه الصفقات.

ولمنع المهاجرين من الوصول إلى أراضيه، شرع الاتحاد الأوروبي وعلى مدى عقد من الزمن في جهد قام على التعاون مع مصادر خارجية لتنفيذ القوانين على الحدود ونقلها إلى دول بعيدة.

ووقع الاتحاد اتفاقيات مع ليبيا وتونس لاعتراض المهاجرين المتجهين إلى أوروبا في البحر الأبيض المتوسط ونقلهم إلى مراكز احتجاز في بلدانهم. وقامت بإجراءات لنشر عناصرها على الحدود في السنغال لمنع المهاجرين من الوصول إلى جزر الكناري. وأقامت شبكة من الجدران والأسوار بين اليونان وتركيا لمنع المهاجرين من الجنوب وبين بولندا وبيلاروسيا لمنع القادمين من الشرق. كما أنفقت هذه النقابة من الدول الملايين على الجدران الافتراضية – وهي التكنولوجيا التي تسهل مراقبة الحدود واكتشاف حركة البشر وتحديد هوية المهاجرين. كل هذا يحول قضية واضحة للغاية إلى قضية غير مرئية.

يفقد الناس منازلهم وسبل عيشهم بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الخراب المالي، لذلك يصبح عليهم الانتقال إلى مكان آخر. إذا كان حظ الحياة يمنحهم الأوراق الصحيحة، فيمكنهم إعادة الاستقرار وبناء حياة جديدة لأنفسهم. لكن إذا كانوا من أمة غير مرغوب فيها، فسيتم صدهم بأي وسيلة ضرورية

وترى العلمي أن الناس في العواصم الأوروبية معزولون عن العنف والمعاناة التي تحدث على حدودهم، لأن هذه الحدود، في الواقع، تخضع لرقابة حكومات أخرى على بعد آلاف الأميال. في سخرية واضحة من حقوق الإنسان التي تفاخر أوروبا وتزعم دعمها، بما في ذلك حق اللجوء.

هذه قصة، قل لي إذا كنت قد سمعتها من قبل؟.

يفقد الناس منازلهم وسبل عيشهم بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الخراب المالي، لذلك يصبح عليهم الانتقال إلى مكان آخر. إذا كان حظ الحياة يمنحهم الأوراق الصحيحة، فيمكنهم إعادة الاستقرار وبناء حياة جديدة لأنفسهم. لكن إذا كانوا من أمة غير مرغوب فيها، فسيتم صدهم بأي وسيلة ضرورية.

وتعلق أن القصة، سواء كانت تدور على أبواب أوروبا أو أمريكا، فإنها تحمل نفس المغزى. “لا أحد يختار أن يكون لاجئا. نختار فقط كيف نستجيب للاجئين. إعادة المهاجرين إلى المغرب كما تفعل أوروبا، أو نقلهم إلى رواندا، كما تخطط بريطانيا للقيام بذلك أو إخبارهم بالبقاء في المكسيك، كما كانت تفعل أمريكا – هذه كلها ردود قاسية وقصيرة النظر. إلى أن تصبح أوطانهم آمنة، سيستمر اللاجئون في القدوم”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى