نظرة على طريق التنمية بين تركيا والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي
كتب د. ثامر محمود العاني في صحيفة الشرق الأوسط.
في مايو (أيار) 2023، أطلق العراق مشروعاً جريئاً للبنية التحتية يمتد على أراضيه كافة، يربط ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي بتركيا من خلال شبكات السكة الحديدية والطرق. ومن شأن طريق التنمية هذا الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار، أن يشكّل رابطاً جديداً بين آسيا وأوروبا.
وكان المخطط موضوع النقاش الرئيسي في مؤتمر عُقِد ليوم واحد في بغداد، وحضره وزراء النقل ومسؤولون من مجلس التعاون الخليجي العربي والعراق وإيران وتركيا وسوريا والأردن.
الهدف من طريق التنمية، هو إحداث تحوّل في البنية التحتية للمواصلات في العراق، بعدما تسببت عقودٌ من النزاع في تردّي شبكات الطرقات والسكك الحديدية. ولم يؤثّر ذلك في قدرة الأشخاص على التنقّل فحسب، بل فاقم أيضاً من تكلفة التجارة والتبادل التجاري، ما أدّى إلى عرقلة الحركة الدولية والإقليمية للسلع والخدمات.
وفقاً للحكومة العراقية، سيبدأ المشروع رسمياً في 2024 ويمتدّ على ثلاث مراحل حتى عام 2050.
وأعلن العراق مشروع خطّ بري وخط للسكك الحديدية يصل الخليج بالحدود التركية، يطمح عبره إلى التحول خطاً أساسياً لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا. ولا يزال المشروع الذي حدّدت الحكومة العراقية تكلفته بنحو 17 مليار دولار وبطول 1200 كلم داخل العراق، في مراحله الأولى.
ويطمح العراق إلى تنفيذ هذا المشروع الذي أُطلق عليه اسم طريق التنمية، بالتعاون مع دول في المنطقة، هي قطر والإمارات والكويت وعمان والأردن وتركيا وإيران والسعودية وسوريا، والتي دُعي ممثلوها في العراق، للمشاركة في المؤتمر المخصص لإعلان المشروع؛ إذ إن هذا المشروع يمثل ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة، إسهاماً في جلب جهود التكامل الاقتصادي.
ويعاني العراق الغنيّ بالنفط، تهالكاً في بنيته التحتية وطرقه، جراء عقود من الحروب وانتشار الفساد؛ إذ إن من أولويات الحكومة، إعادة تأهيل البنية التحتية للنقل والطرق وقطاع الكهرباء المتهالك أيضاً.
ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثمّ أوروبا.
ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوباً مروراً ببغداد وصولاً إلى الحدود مع تركيا. وهناك أعمال قائمة حالياً لتأهيل ميناء الفاو في أقصى جنوب العراق والمجاور لدول الخليج، والذي سيكون محطة أساسية لتسلم البضائع قبل نقلها براً.
وتعدّ منطقة الخليج منطقة نقل بحري مهمة لا سيما في مجال نقل الموارد النفطية التي تستخرجها دول المنطقة.
يحظى ممر النقل البري المزمع إنشاؤه بين تركيا والعراق بأهمية كبيرة على مستوى التجارة الدولية، كونه يربط دول آسيا بأوروبا عبر العراق مروراً بمياه الخليج العربي، علماً أن العوائد الاقتصادية للقناة الجافة، التي يجري العمل على إنشائها، لا تقتصر على تركيا والعراق، بل تشمل دول المنطقة كافة.
وتشتمل على ممر بري وسكة حديدية، تمتد من البصرة إلى الحدود التركية. وتوصف القناة الجافة بأنها مشروع عملاق هو الأكبر والأهم، لكونه المنفذ الرئيسي لميناء الفاو، وسيتم من خلاله ربط الميناء بالحدود من الجنوب إلى شمال العراق وصولاً إلى الحدود مع تركيا، ومنها إلى شبكة النقل الأوروبية للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
وبالإضافة إلى تنويع الاقتصاد العراقي وتشكيل خط لوجستي عالمي جديد، فإن طريق التنمية سيسهم أيضاً في تعزيز العلاقات بين العراق وتركيا. حتى إن الموقع الجيوسياسي لتركيا سوف يتعزز نتيجة لاستثمارات العراق.
أما دمج طريق التنمية مع خط السكة الحديدية المنتظر إنشاؤه في منطقة الخليج، فسيمهد الطريق لزيادة نفوذ تركيا على المستوى الإقليمي وسيكون له تأثير إيجابي على حجم التجارة. وعلى الرغم من كل هذه الفرص، فإن هناك أيضاً تحديات مهمة أمام تنفيذ المشروع. ومن أجل استكمال هذه المبادرات، يحتاج العراق إلى الدعم في مجال الأمن والتمويل، وهناك حاجة كبيرة للتعاون والاستثمار الدولي للتغلب على هذه العقبات.
يوفر مشروع طريق التنمية، فرص إنشاء مصانع ومعامل ومخازن، بما يسهم في تنويع مصادر الدخل للعراق؛ إذ يشمل هذا المشروع ميناء الفاو وطرق النقل ومدينة صناعية، ويمر بمحافظات البصرة ثم ذي قار والقادسية وواسط باتجاه العاصمة بغداد، ومنها إلى صلاح الدين وكركوك ونينوى، وصولاً إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيشخابور. ويتضمن المشروع نحو 15 محطة يمر بها القطار.
ويستهدف مشروع طريق التنمية معالجة الأزمات الاقتصادية من خلال تنويع أنشطة الاقتصاد العراقي وخفض الاعتماد على النفط، وخلق فرص عمل جديدة بهدف خفض البطالة من خلال توفير فرص عمل للشباب وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق تنمية اقتصادية في المحافظات التي يمر بها المشروع، وإحياء دور القطاع الخاص وخفض الطلب على التوظيف الحكومي، خاصة أن العراق يعاني من بعض التحديات في معظم القطاعات.
كما يمثل مشروع طريق التنمية، خطوة طموحة في استراتيجية العراق للتنمية، لكن تظل بعض التحديات التي تتطلب المعالجة، خاصة أن العراق يعاني من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، إضافة إلى عدم تحديد مصادر تمويل المشروع؛ إذ تشير تقديرات أولية إلى أن الحكومة ترغب في امتلاك البنى التحتية من الطرق والسكك الحديدية.
من ناحية ثانية، يعاني العراق من أزمة في قطاع الكهرباء، بما يعرقل عمل القطارات المستهدف العمل بها ضمن طريق التنمية. وما زالت مواني العراق تعاني من إشكالية في البنية التحتية واستخدام تكنولوجيا متطورة ولديها طاقة استيعابية صغيرة.ختاماً، إن إنجاز مشروع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية سيتطلب التعاون والتنسيق ليس بين تركيا والعراق فحسب، ولكن أيضاً مع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى. كما أن تناول التحديات والمخاطر المحتملة، مثل الاستدامة المالية والمظاهرات والتوترات السياسية، سوف يتطلب تعاوناً وبذل جهود متواصلة بين مختلف الأطراف ذات الصلة.
وإشراك الجهات الفاعلة الأخرى في المشروع سيساعد في القضاء على هذه المخاطر؛ لذلك يجب على الجهات الفاعلة الإقليمية العمل معاً لتحقيق الفوائد المحتملة لهذا المشروع وضمان نجاحه. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الفوائد المحتملة لهذا المشروع كبيرة؛ إذ يتمتع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية بالقدرة على تحويل المشهد الاقتصادي للمنطقة وتوفير فرص جديدة للتجارة والاستثمار، ومن شأنه جذب المزيد من التجارة وخلق المزيد من فرص العمل.