رأي

نحو عزل الاحتلال دولياً

كتب يسري الغول, في صحيفة الميادين:

هل يمكن للمواطن العربي أن يصنع جبهة؟ هل يستطيع أن يستنفر كلّ مجالس طلبة الجامعات والمؤسسات الفكرية والثقافية والرياضية وغيرها للحشد ضد السفارات أو زيارات المسؤولين الإسرائيليين لتلك البلدان؟

شهدت الفترة الأخيرة العديد من الحراكات والاحتجاجات العالمية ضدّ “دولة” الاحتلال، وذلك نتيجة للإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لذلك تمّ استصدار قرارات غاية في الأهمية على صعيد الدفاع عن الإنسان المظلوم، سواء في المالديف أو بنغلاديش، حيث أعادت بنغلاديش كتابة “باستثناء إسرائيل” أسوة بماليزيا، على جواز سفر الدولة الذي يسمح بدخول ذلك الجواز إلى جميع بلدان العالم باستثناء “دولة” الاحتلال.

علماً أنّ بنغلاديش ذاتها قد خرجت في تظاهرة ضخمة قبل أسبوع شارك فيها أكثر من مليون مواطن في العاصمة دكا، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تتجاهل فيه الأمّة العربية معاناة الشعب الفلسطيني، بل وتقمع أجهزة مخابرات تلك الدول أيّ حراك يسعى للتظاهر أو إعداد الفعّاليات التي تنتصر للدم، ثم تخرج الحكومة الأردنية لاحقاً بمسرحية اكتشاف خلايا “إرهابية” بحسب وصفها تسعى وتخطّط لإرباك الجبهة الداخلية، وهي المسرحية ذاتها التي تتكرّر دوماً، في محاولة لوأد أيّ حراك ضدّ الاحتلال، ثم تخرج التظاهرات بعد ذلك السيناريو المعدّ مسبقاً دعماً للملك وللحكومة وغيرها.

في الوقت ذاته، خرجت رئاسة المالديف بقرار صادق عليه رئيس الجمهورية، يحظر دخول الإسرائيليين إلى البلاد، فيما أعلنت تلك الدولة عن مواصلة الدعوة إلى مساءلة الاحتلال عن انتهاكات القانون الدولي التي تمارسها “إسرائيل” بحقّ الشعب الفلسطيني. في المقابل فإنّ دول الطوق، وتحديداً جمهورية مصر العربية تفتح أبوابها لمستوطني “دولة” الاحتلال لأجل السياحة في طابا وغيرها من الأماكن، بينما تغلق معبر رفح في وجه أهل غزة المحاصرين، كما يتكدّس على الجانب المصري آلاف الشاحنات من المساعدات المقبلة من بلدان شتى لدعم قطاع غزة، لكنّ البضائع تتلف نتيجة ذلك الحصار، الذي تتهم فيه مصر الاحتلال بأنه السبب، كأنّ السيادة لم تعد على المعبر إلا للاحتلال وحده.

وأمام حالة الخذلان العربي، والعجز عن إلزام “دولة” الاحتلال بتنفيذ تفاهمات الصفقة، أو الإعلان بكلّ وضوح عن إخلال “إسرائيل” بشروطها، سيما وأنّ قطر ومصر وسيطان إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، ترسو السفن المحمّلة بالأسلحة والمتجهة نحو “إسرائيل” في موانئ المغرب كما سبق ومرت عبر قناة السويس، في الوقت الذي تتصدّى فيه المملكة الأردنية الهاشمية وكذلك المملكة العربية السعودية للصواريخ والمسيّرات الانتحارية اليمنية، المتوجهة نحو “تل أبيب”؛ وفي الوقت الذي تقوم فيه الإمارات بوضع رادار للإنذار المبكر في الصومال ـــــ صناعة إسرائيلية ـــــ لرصد إطلاق الصواريخ المقبلة من اليمن؛ بدلاً من تعزيز منطق القوة العربي، حيث إنّ تلك الأنظمة وأجهزتها المخابراتية ستؤكل كما أُكل الثور الأبيض لاحقاً، فالجميع يؤدّي دور الكومبارس لأجل إرضاء السيد الأبيض، الذي لا يرضى إلا بالسيطرة على مقدّرات الأمة، مقابل منح الملوك والرؤساء شرعيّة لن تدوم.

وهنا يجب أن يطرح الإنسان العربي الأسئلة عن عدم مشاركة تلك الدول إلى جانب جنوب أفريقيا في محاكمة “إسرائيل” بالجنائية الدولية أو محكمة العدل العليا. لماذا لا تتقدّم جميع الدول لمناصرة جنوب أفريقيا كما فعلت إيرلندا وغيرها من الدول الحرّة، أم أنّ خوفها من عدم استلام حصة المساعدات الأميركية أصبح الجزرة التي تمّ كسر إرادة الأمة بسببها، علماً أنّ الاستعمار الرأسمالي يحصل على أضعاف ما يأخذه العربي من خلال وجود قواعده في بحر العرب والبحر المتوسط وفي البلدان العربية التي تنفق على القواعد الأميركية، بالإضافة إلى “الإتاوة” التي تدفعها السعودية تحت اسم استثمارات مع الولايات المتحدة.

وأمام مشهد الولائم التي يجلس أمامها قادة “دولة” الاحتلال في الإمارات أو السفارة الإماراتية في “إسرائيل”، فإنّ بلداناً أخرى لا تدين بلغة أو ثقافة أو مذهب المواطن العربي، لكنها تنتصر للإنسان بمنع الاحتلال من المشاركة بأيّ فعّالية، حيث طالب أكثر من 1000 فنان سويدي باستبعاد “دولة” الاحتلال من المسابقة بسبب الحرب الوحشية على قطاع غزة، كما تظاهر سكان مالمو في احتجاجات واسعة ضد تلك المشاركة.

ليس ذلك فقط، فقد ألقى محتجون الزجاجات الحارقة على السفارة الإسرائيلية مؤخراً في مكسيكو سيتي، كما أقام طلبة جامعات المكسيك الوطنية مخيماً تضامنياً مطالبين بقطع العلاقات مع “إسرائيل”. والسؤال هنا: هل يستطيع الشباب العربي فعل ذلك في القاهرة وعمّان ودبي وقطر؟ وكيف يمكن حشد الرأي العام العربي؟ كيف يمكن استنفار الجامعات والمؤسسات المحلية بينما ينغمس الإعلام العربي بالتبعية للأنظمة الشمولية التي تتجاهل الإبادة؟

الشواهد حول رفض استقبال أو مشاركة أيّ إسرائيلي كثيرة، وفي مجالات شتى، رياضية كما جرى مع “مكابي تل أبيب” حين تمّ الاعتداء على أفراده في هولندا، وثقافية كما السويد والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وغيرها، وإنّ هذه الحراكات تشير إلى أنّ الضمير العالمي لا يزال حيّاً، فالشعوب الحرّة وإن خذلتها الحكومات تصنع جبهة جديدة للمقاومة، فهل يمكن للمواطن العربي أن يصنع جبهة؟ هل يستطيع أن يستنفر كلّ مجالس طلبة الجامعات والمؤسسات الفكرية والثقافية والرياضية وغيرها للحشد ضد السفارات أو زيارات المسؤولين الإسرائيليين لتلك البلدان؟ ومتى سيفعل ذلك؟ بينما تتمّ إبادة شعب كامل أمام عين الأخ والابن والصديق.

إن ما يجري اليوم ليس مجرّد احتجاجات طارئة، بل حراك عالمي حقيقي نحو عدالة مطلوبة، وعلى المثقّفين والناشطين والأحرار في منطقة المغرب العربي والخليج ودول الطوق أن يقوموا باستثمار دعم وتوسيع تلك الحراكات من خلال التوعية عبر الإعلام الاجتماعي بحقيقة ما يجري من إبادة في قطاع غزة واحتلال للأراضي السورية واللبنانية، ثمّ العمل على تشكيل حواضن للفعل التحريضي ضدّ الاحتلال وممارساته القذرة؛ بالإضافة إلى تشكيل حراكات مثل (BDS) ودعم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتعزيز ذلك من خلال الإعلام الاجتماعي ووسائل الإعلام والصحافة التقليدية، لأنّ ذلك سيعجّل بإنهاء مركزية تلك “الدولة” الوظيفية التي رغم كلّ ما يجري، فإنها على وشكّ الزوال.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى