مكافحة الأسلحة البيولوجية
تُعدُّ الأسلحة البيولوجية أسلحة دمار شامل تنشر كائنات حيّة أو جراثيم معدية بهدف التسبب بانتشار الأمراض أو بموت البشر أو الحيوانات أو النباتات. وتكمن خطورة هذه الأسلحة في كون الجراثيم ما تزال حيّة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تكاثرها وانتشارها وإصابة الجنود والمدنيين بها على حدّ سواء ومن دون تمييز. ويمكن أن تكون هذه العوامل البيولوجية في هيئة جراثيم أو فيروسات أو تُكسينات سامة.
ومع أن استخدام الأسلحة البيولوجية بدأ منذ زمن بعيد، حيث أن العصور القديمة شهدت على التسبب المتعمد في تفشي الأوبئة، فقد أخذ الإلمام بعلم البيولوجيا والأحياء يتطوّر في القرن العشرين وهو ما أتاح تصميم أسلحة ناقلة في هذا المجال جرى اختبارها في بعض ساحات القتال، ولا سيّما عندما اختبرتها اليابان في منطقة منشوريا بين عامَي 1932 و1933.
وما يزال الخطر المترتب على هذه الأسلحة شديدًا للغاية في يومنا هذا بفعل تطوّر العلوم والتكنولوجيات المطبّقة على البحوث البيولوجية والطبيّة البيولوجية وعلى صناعة الأدوية، وبفعل تقدّم علم الوراثة والتكنولوجيات النانوية.
الصكوك الدولية المتعلقة بنزع السلاح ومكافحة انتشار الأسلحة البيولوجية
بروتوكول جنيف لعام 1925
أدرك المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى خطورة الأسلحة البيولوجية وصاغ بروتوكول جنيف في عام 1925. وما يزال يحافظ هذا النص المتعلق “بحظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب” على أهميته وجدواه.
وأودع نص بروتوكول جنيف لعام 1925 لدى فرنسا التي تحفظه في المحفوظات الدبلوماسية لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية. وألغت فرنسا في عام 1996، على غرار جميع الموقّعين تقريبًا، التحفّظات التي كانت قد أبدتها عند التصديق على البروتوكول والتي تتعلق بإمكانية استعمال هذه الأسلحة كإجراء انتقامي.
وينبثق بروتوكول عام 1925 عن القانون الإنساني وقانون الحرب أكثر مما ينبثق عن قانون نزع السلاح، وفي الواقع فهو لا ينصّ على حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إنما يمنع استعمالها في الحرب.
اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة لعام 1972
تُعدُّ هذه الاتفاقية الأداة القانونية الرئيسة لمكافحة انتشار الأسلحة البيولوجية، فقد وضعت الأسس القانونية لحظر الأسلحة البيولوجية وهي تضمّ اليوم 183 دولة طرفًا.
وقد أصبحت فرنسا طرفًا في هذه الاتفاقية في عام 1984، فقد كانت تعتبر حتى ذلك الحين أن غياب آليات التحقق تعيق تطبيق الاتفاقية. لهذا السبب اعتمدت فرنسا في عام 1972 تشريعًا وطنيًا يتضمن آليات تشبه الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية.
تعزيز اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة وتحسين سبل تطبيقها
تعمل فرنسا بلا هوادة منذ تصديقها على الاتفاقية على تعزيز نظامها ونفوذها وعلى تحسين سبل تطبيقها.
وترأست في عام 2019 مؤتمر الدول الأطراف الذي عُقد من 3 إلى 6 كانون الأول/ديسمبر 2019.
وبما أن الاتفاقية لا تتضمن آلية للتحقق، ففي غياب الضوابط يعتمد الامتثال لحظر الأسلحة البيولوجية على حسن نية الدول الأطراف. وبعد فشل المفاوضات بشأن بروتوكول التحقق التابع للاتفاقية في عام 2001، استُهلّت دورة أعمال، تتضمن ما يلي:
- تنظيم مؤتمر استعراض كلّ خمس سنوات، وهو المحفل الوحيد الذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات.
- تنظيم مؤتمر الدول الأطراف واجتماع الخبراء العلميين وغيرهم كلّ سنة. ويرمي هذان المؤتمران إلى استنباط رؤى مشتركة بشأن الوسائل التي من شأنها تحسين سبل تنفيذ الاتفاقية.
واضطلعت فرنسا برئاسة مؤتمر الدول الأطراف من 7 كانون الأول/ديسمبر 2018 إلى 6 كانون الأول/ديسمبر 2019.
وتمحور اجتماع خبراء الاتفاقية الذي يُعرف أيضًا بالاجتماع بين الدورات من عام 2017 إلى عام 2021 حول خمسة أفرقة عاملة منظمة في عدّة دورات، وهي:
- التعاون والمساندة؛
- استعراض التطوّرات في ميدانَي العلوم والتكنولوجيا؛
- تعزيز تنفيذ الاتفاقية على الصعيد الوطني؛
- المساندة والتصدي والاستعداد؛
- تعزيز الاتفاقية على صعيد المؤسسات.
ما هو موقف فرنسا؟
في ظل المخاطر المترتبة على استعمال الأسلحة البيولوجية، تراعي فرنسا الطابع الفريد لهذه الأسلحة، ونظام الحظر الذي تقوم عليه، فضلًا عن كون هذه العوامل المسببة للأمراض والخطيرة للغاية قد تُنشأ عن غير قصد. ويتمحور النشاط الفرنسي في مجال نزع السلاح ومكافحة انتشار الأسلحة البيولوجية حول محاور عدّة وهي:
- المشاركة الفاعلة في اجتماعات اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة المنظّمة كلّ سنتين، لكي يتابع المجتمع الدولي عن كثب المسائل المتعلقة بانتشار الأسلحة البيولوجية ومن أجل المضي قدمًا في التوافق على طرائق تنفيذ الاتفاقية.
- عرض تدابير تعزيز الثقة سنويًا في إطار الاتفاقية، وحثّ الدول التي لم تعرض مثل تلك التدابير بعد على عرضها. وتُعدُّ تدابير تعزيز الثقة بمثابة إعلانات سنوية تصدرها الدول الأطراف بشأن أنشطتها المتعلقة بالاتفاقية، مثل البحوث في الميدان البيولوجي، والتطوّر العلمي، وما إلى ذلك. وإن عرض هذه التدابير يخضع لقيود سياسية، أي أن تنفيذ أنشطة بيولوجية مطوّرة في بلد ما يجب أن يمتثل لبنود الاتفاقية، مثل حظر تطوير الأسلحة البيولوجية مثلًا. وترى فرنسا أن آلية الإعلان هذه مهمة للاتفاقية، فهي تتيح النهوض بالشفافية وتعزيز الثقة بين الدول الأطراف في الاتفاقية.
- تعزيز سبل تنفيذ الاتفاقية عبر اتخاذ تدابير وطنية ودولية من خلال ما يلي:
. إنشاء آلية مراجعة الأقران لالتزامات بعضهم البعض بشأن تنفيذ الاتفاقية على الصعيد الوطني؛
. الامتثال لتدابير مراقبة الصادرات. - إضفاء الطابع العالمي على اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة، إذ تتخذ فرنسا من خلال شبكتها الدبلوماسية إجراءات بغية إذكاء الوعي لدى الدول التي لم تنضم بعد إلى الاتفاقية بشأن أهداف تلك الاتفاقية ومبادئها.
- مكافحة انتشار الأسلحة البيولوجية على نحو فعلي من خلال الشراكة العالمية لمجموعة الدول السبع لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل وناقلاتها. وقرر رؤساء الدول والحكومات في مجموعة الدول الثمانية في مدينة دوفيل في عام 2011 تجديد الشراكة العالمية وزيادة أهدافها من خلال إعطاء حيّز وازن للسلامة البيولوجية. وتقود فرنسا عدّة مشاريع في هذا المجال وترأست الشراكة في عام 2019.
- قيادة العديد من برامج ومشاريع المساعدة في مجال الصحة العامة ومكافحة الأمراض المعدية.
- المشاركة الفاعلة في المبادرات الأوروبية في مجال نزع السلاح ومكافحة انتشار الأسلحة البيولوجية. وتتجسّد هذه الأنشطة بصورة خاصة في إنشاء مراكز الامتياز التي تتبع للاتحاد الأوروبي والتي ترمي إلى نشر الممارسات الأوروبية الجيدة في ما يخص المخاطر النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية والتي تشارك فيها فرنسا مشاركة ناشطة.