رأي

مفتي الجمهورية يستعيد المبادرة: مؤتمر «جمع الشمل» في ٢٤ أيلول

كتب صلاح سلام في “اللواء”:

الوضع السنّي لا يحتاج إلى مزيد من التشريح والتفصيل. الجميع يدرك أن حالة التشرذم والضياع التي هيمنت على الساحة السنّية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي، وتجميد نشاط تياره الشعبي العريض،  تسببت في تصدعات وإهتزازات في القاعدة السنّية شملت معظم المناطق، وظهرت بعض مشاهدها في الإنتخابات النيابية الأخيرة، وأحدثت في الوقت نفسه خللاً في المعادلة السياسية، ما زالت إرتداداته تتفاعل على أكثر من صعيد داخلي .

وتفاقَم واقع البلبلة والضياع مع إنفراط عقد «نادي رؤساء الحكومات»، إثر إنسحاب الحريري من الساحة السياسية، وتولي ميقاتي رئاسة الحكومة، وإعتزال سلام العمل السياسي، وتركيز السنيورة على الإهتمام بالإنتخابات النيابية. الأمر الذي أدّى إلى غياب المرجعية السياسية، على علاّتها، عن ساحة العمل الوطني.

أثار هذا الفراغ المفاجئ موجة من القلق والحذر في الشارع السنّي، خاصة بعد تهافت بعض الأحزاب والقوى السياسية على إقتسام أصوات الناخبين في المناطق ذات الغالبية السنّية، والتسابق المذموم على وراثة تيار المستقبل، على طريقة «وقعت البقرة وكتروا الدبّاحين».

تسارعت الإتصالات مع دار الفتوى للحد من مناخ الضياع والإحباط الذي إنتشر في الساحة السنّية بعد الصدمة الحريرية، فكان جواب سماحة المفتي، بحكمته المعهودة:

يجب إنتظار نتائج الإنتخابات النيابية حتى نبني على الشيء مقتضاه.

بغض النظر عما أسفرت عنه الإنتخابات، بما لها وما عليها، بادر المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان بالتحرك الهاديء، وبعضه بعيداً عن الأضواء، تحت عنوان أساسي وإستراتيجي: جمع الشمل، بما يعني ذلك من إعادة تنظيم الصفوف، والحفاظ على مكانة ودور الطائفة الأكبر في المعادلة الوطنية، وفي مواقع القرار، وحماية الشارع السنّي من المحاولات الحزبية، والحفاظ على نهج الإعتدال والحوار، ودحض كل حملات الإفتراء وإتهامات التطرف واللجوء إلى العنف، إضافة إلى تنسيق المواقف بين نواب الدائرة الإنتخابية الواحدة، والتركيز على الحاجات الإنمائية الملحّة في مناطقهم. 

«مبادرة جمع الشمل»، التي أطلقها مفتي الجمهورية قوبلت بكثير من الحماس والإرتياح في مختلف الأوساط والفعاليات السنّية، كما لقيت تجاوباً كبيراً  من قبل الأكثرية الساحقة من النواب، ومهّدت لعقد مؤتمر وطني شامل للنواب السنّة في دار الفتوى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، للتأكيد على الثوابت الوطنية التاريخية للطائفة السنّية، والتي لطالما شكلت النواة الأساسية للتوافقات الوطنية، وآخرها إتفاق الطائف، وأساسها أن الدولة هي المرجعية الشرعية والدستورية الوحيدة للجمهورية اللبنانية، والحاضنة الأولى والأخيرة لكل اللبنانيين. 

لم تكن دار الفتوى يوماً المرجعية الروحية للمسلمين وحسب، بقدر ما كانت مرجعية وطنية لكل اللبنانيين، تحتضن القمم الروحية والإجتماعات الوطنية، المتنوعة بألوانها الطائفية والسياسية، وتتصدى للإنحرافات والشطط في ممارسة السلطة، وتقاوم سياسات التسلط والتعسف، وتُنادي بالحوار أسلوباً وحيداً لمعالجة كل الأزمات، وبالإعتدال نهجاً لإيجاد الحلول المناسبة للخلافات المستعصية بين اللبنانيين. ولذلك كان المفتي حسن خالد شهيداً على مذبح الوطن، ولم يُعتبر شهيد الطائفة السنّية فقط.  

لذلك يمكن القول أن «مؤتمر جمع الشمل»، لن يكون إجتماعاً طائفياً أو مذهبياً، بقدر ما هو لقاءٌ وطنيٌّ بإمتياز، لأنه سيخرج بثوابت وطنية واضحة وصريحة تهم كل اللبنانيين، تؤكد على التمسك بإتفاق الطائف والحرص على تطبيق الدستور نصاً وروحاً، وإحترام مواعيد الإستحقاقات الدستورية، وضرورة العودة إلى الحوار،  وإلى لغة التفهم والتفاهم بين أبناء الوطن للخروج بالبلاد والعباد من النفق الحالي، وإطلاق ورشة الإصلاح والإنقاذ التي ينتظرها الشقيق والصديق. 

لعل أهمية مؤتمر دار الفتوى تكمن في إبتعاده عن المواقع السياسية والمرجعيات التقليدية، وحصره في إطار المرجعية الروحية التي إتخذت هذه المبادرة بعيداً عن أي مؤثرات سياسية محلية، ومن منطلق الحرص على جمع الشمل، وإعادة التواصل بين أطراف المناطق والفعاليات النيابية الجديدة. 

إن نجاح مبادرة مفتي الجمهورية في «جمع الشمل» من شأنها أن تُعيد الدور الطليعي والقيادي لدار الفتوى، بعيداً عن كل شوائب المرحلة السابقة وما علق بها من إلتزامات سياسية وشخصية، لم يعد لها ما يبررها اليوم، وتؤكد من جديد أهمية بقاء المرجعية الروحية فوق كل التباينات الشخصية والخلافات السياسية، وعلى مسافة واحدة من جميع فعاليات الطائفة، على إختلاف مواقعهم السياسية والحزبية. 

 وأول الغيث أن «مؤتمر جمع الشمل» سيحضره نواب من كل الإتجاهات السياسية والحزبية، ومن جميع الدوائر الإنتخابية، فيكون بذلك سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان قد أعاد دار الفتوى إلى مكانتها الحاضنة للجميع، لتبقى هي المظلة التي تجمع كل  الأطراف دون تمييز أو تفضيل. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى