مصر وسيطاً في «النووي الإيراني»: هل تنجح حيث فشل آخرون؟

شكّل دخول مصر مسارَ التسوية في الملف النووي الإيراني، مفاجأةً قد تولّد فرص استقرار تبدو المنطقة، وفي قلْبها القاهرة، في أمسّ الحاجة إليها.
دخلت القاهرة قائمة العواصم الوسيطة في الملف النووي الإيراني، من بوابة إعادة إحياء التعاون بين طهران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، مع إعلان الجانبَين، من العاصمة المصرية، أمس، التوصّل إلى آلية جديدة للتعاون بينهما، بعدما انهارت بفعل العدوان الإسرائيلي على إيران. ويحمل مسعى مصر للوساطة بين إيران والوكالة الدولية، اعتبارات عدّة، خصوصاً في ظلّ غياب العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين. فمن جهتها، تعمل طهران، بعد العدوان الإسرائيلي – الأميركي عليها، على خلْق مناخات إقليمية غير تقليدية، في محاولة لفتح آفاق التطمينات لدول الجوار المتأثّرة من الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
على أنّ تطوّر العلاقات بين البلدَين لم يكن وليد صدفة؛ فقد ثمّنت طهران عالياً مواقف القاهرة الشاجبة للعدوان عليها، وهو ما تزامن أيضاً مع حراك ديبلوماسي مصري، رأت فيه إيران جهداً يتجاوز البيانات، إلى الأفعال، فقرّرت ملاقاته في منتصف الطريق، لعلّ ذلك يعيد العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، بما يفتح المجال لتبادل السفراء لاحقاً.
وأدّت مصر دوراً محوريّاً في الأشهر الأخيرة، للتوسّط في الملف النووي الإيراني، عبر تكثيف اتصالاتها الديبلوماسية. ووفقاً لمصادر إيرانية مطّلعة على الملف، فإنّ الاتصالات التي يقودها وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، تهدف إلى منع تصعيد التوتّرات، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وكان الوزير المصري أجرى، بعد حرب الأيام الـ12، العديد من الاتصالات مع الأطراف الرئيسة المشاركة في الملف النووي، شملت محادثات عقدها مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، والممثّل الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، والمدير العام للوكالة الدولية رافاييل غروسي، ووزراء خارجية الترويكا الأوروبية، إلى جانب سلطنة عُمان. ووفقاً للمعنيين، فإنّ هذه المشاورات تمّت بتوجيه من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مسعى إلى التخفيف من حدّة التوتّرات، ومنع صراعات جديدة في المنطقة.
أدّت مصر دوراً محوريّاً في الأشهر الأخيرة، للتوسّط في الملف النووي الإيراني
من هذه الخلفية تحديداً، يمكن قراءة الحراك المصري، باعتباره مسعى لمنع وقوع حرب إقليمية جديدة، قد تكون لها عواقب سلبية على أمن المنطقة واستقرارها واقتصادها أيضاً. وبالتالي، فإنّ هذا المسعى سيكون مرتبطاً بشكل أو بآخر بمصالح القاهرة المباشرة في المنطقة؛ ذلك أنّ منع صراع جديد مع إيران لا يسهم فحسب في استقرار المنطقة، بل يعزّز المصالح الاقتصادية لمصر، خصوصاً إذا عادت حركة الملاحة في «قناة السويس» إلى طبيعتها، بعدما تعطّل جزء كبير منها بفعل التوترات في البحر الأحمر.
وهكذا، يمكن الجهود المصرية في الملف النووي الإيراني، أنّ تعزّز مكانة القاهرة الديبلوماسية في المنطقة والعالم. فعبر استخدام علاقاتها الجيدة مع إيران والولايات المتحدة وأوروبا و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، تسعى مصر إلى تحقيق توازن في المعادلات الإقليمية، فيما سيؤدّي النجاح في هذا الدور، إلى تقديمها كلاعب رئيس في حلّ أزمات الشرق الأوسط.
مع هذا، لا تزال ثمّة تحدّيات كبيرة أمام إيران، لعلّ أهمّها قرار الدول الأوروبية تفعيل «آلية الزناد»، والخلافات بين طهران وواشنطن حول مسألة تخصيب اليورانيوم، في ظلّ إصرار الجمهورية الإسلامية على حقّها في التخصيب على أراضيها.
وتشير بعض التقديرات إلى أنّ القاهرة، وعبر مساعيها الديبلوماسية، تحاول تجنيب طهران عقوبات دولية عبر الإسهام في خفض التصعيد، لأنّ في ذلك مصلحة اقتصادية كبرى لها. فغياب العقوبات عن إيران، سيسمح لمصر بإنجاز اتّفاق نفطي طويل الأجل مع طهران، وهو ما يشكّل حافزاً اقتصاديّاً آخر للوساطة المصرية، لا سيّما أنّ توفير الطاقة المستدامة، له أهمية قصوى بالنسبة إلى مصر.