مصر تكثف جهود استبعاد الدولار من التبادل التجاري.
على أكثر من محور، تواصل الحكومة المصرية تحركاتها لاحتواء أكبر أزمة في ملف شح الدولار، وبعيداً من الإجراءات التقليدية التي تتعلق بتقنين الواردات وتضييق الخناق على السوق السوداء والمضاربات التي تسببت في ارتفاعات قياسية بأسعار الصرف، تواصل الحكومة المصرية التحرك في عديد من المبادرات، ومن بينها استبعاد الدولار في تعاملاتها التجارية الخارجية.
تبحث مصر وتركيا استخدام العملة المحلية في التبادل التجاري بينهما، وقال سفير أنقرة لدى القاهرة، صالح موتلو في تصريحات حديثة، إن هذه الخطوة مدرجة في جدول أعمال وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير، الذي قد يزور تركيا في الأشهر المقبلة لمناقشة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
يأتي ذلك بعد أن أعادت مصر وتركيا العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينهما وتعيين السفراء للمرة الأولى منذ عشر سنوات في وقت سابق من الشهر الجاري.
في الوقت نفسه، تجري الحكومة المصرية محادثات أيضاً مع روسيا والهند والصين في شأن زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية وتقليل الاعتماد على الدولار، وتشير البيانات المتاحة، إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا بلغ نحو 9.7 مليار دولار خلال العام الماضي، فيما بلغت الصادرات التركية لمصر نحو 4.5 مليار دولار، بينما تجاوزت الصادرات المصرية إلى تركيا نحو خمسة مليارات دولار خلال عام 2022.
المضاربات تتوقف مع انهيار الطلب
منذ الربع الأول من العام الماضي، تواجه مصر أزمة تتعلق بشح الدولار، وفي إطار تجاوزها، اتخذت عديداً من الإجراءات أهمها إعلان خفض كبير في قيمة الجنيه المصري ثلاث مرات متتالية كان آخرها في يناير (كانون الثاني) الماضي، كما سارعت من تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية الذي يعد الحل الأسرع لتوفير العملة الصعبة لتغطية الالتزامات الخارجية التي تصل إلى 13 مليار دولار خلال الفترة المقبلة.
كما لجأت القاهرة إلى طلب تمويل من صندوق النقد الدولي الذي وافق على البرنامج في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان من المقرر أن يجري “الصندوق” أول مراجعة للبرنامج التمويلي في مايو (أيار) الماضي، لكن تم التأجيل لتأكيد استمرار الحكومة المصرية في تنفيذ اشتراطاته ومن بينها اعتماد سعر صرف مرن بشكل كامل للدولار.
وفيما يجري تداول الدولار في السوق الرسمية عند مستوى 30.95 جنيه سواء في البنوك الحكومية أو الخاصة، فقد تراجع سعر صرف العملة الأميركية في السوق الموازية إلى مستوى أقل من 38 جنيهاً في الوقت الحالي، ويتزامن ذلك مع توقف المضاربات على الورقة الخضراء بسبب تضييق الخناق على تجار العملة والمضاربين.
كما تسبب استمرار البنوك في الموافقة على إصدار الإفراجات الجمركية للمستوردين في عدم اتجاههم إلى السوق السوداء لتدبير ما يلزمهم لتغطية التزاماتهم الخارجية، وتسبب ذلك في تراجع وانهيار الطلب على دولار السوق السوداء، مع زيادة المعروض.
أيضاً أدى التراجع الكبير في أسعار الذهب إلى خروج شريحة كبيرة من المضاربين في سوق العملات إلى شراء المعدن النفيس الذي تشير التوقعات إلى ارتفاعه خلال العام المقبل مع اتجاه البنوك المركزية عالمياً إلى خفض أسعار الفائدة.
صندوق النقد يرحب بتسريع الطروحات
في ما يتعلق بالبرنامج التمويلي، رحب صندوق النقد الدولي بالتقدم الذي أحرزته الحكومة المصرية في برنامج الطروحات، بحسب ما قالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك في مؤتمر صحافي دوري للصندوق.
وكانت الحكومة المصرية أعلنت الأيام الماضية، توقيع اتفاقيات بقيمة 1.9 مليار دولار لبيع أصول مملوكة للدولة في إطار برنامج الطروحات ضمن إجراءات إنهاء أزمة نقص العملات الأجنبية وزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
وقالت كوزاك، إن هذه الإجراءات تمثل عنصراً حاسماً في برنامج “تسهيل الصندوق الممدد”، وخطوة مهمة نحو دعم وتوفير الموارد للتمويل الخارجي، وخفض الديون.
وأكدت استمرار العمل مع الحكومة المصرية، لتمهيد الطريق لاستكمال المراجعة الأولى للبرنامج التمويلي الجديد، مشيرة إلى أن ذلك يشمل التنفيذ الثابت لاستراتيجية تخارج الدولة من حصصها في كيانات مملوكة لها، وتبني سياسات توفر المناخ التنافسي للقطاع الخاص، لتعزيز تكافؤ الفرص، والتحرك بشكل مستدام نحو سعر صرف مرن للتخفيف من نقص العملات الأجنبية.
وتستهدف الحكومة المصرية، جمع مليار دولار من برنامج الطروحات خلال الفترة المقبلة، وفقاً لما صرح به رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
وتم تكليف مؤسسة التمويل الدولية للمساعدة في برنامج الطروحات وزيادة عدد الشركات المستهدفة إلى 50 شركة بدلاً من 32 شركة حالياً، في إطار زيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
وأوضحت كوزاك، أن إعلان الحكومة المصرية عن الإجراءات السابق ذكرها يشكل تقدماً مهماً في تنفيذ عنصر أساسي من حزمة السياسات الشاملة، التي تهدف إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي.
وفي 16 ديسمبر الماضي، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على تسهيلات مالية تبلغ قيمتها نحو ثلاثة مليارات دولار، بهدف دعم برنامج الإصلاح الخاص بمصر، والذي يستهدف معالجة نقاط الضعف الاقتصادية، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وتعزيز النمو المستدام والشامل، وخلق فرص العمل.
التأمين على الديون يواصل التراجع
في الوقت نفسه ومع حالة الاستقرار التي تشهدها سوق الصرف في مصر، انخفضت كلفة التأمين على الديون السيادية لمصر، منذ أن كشفت الحكومة المصرية عن التطورات الأخيرة في برنامج الطروحات الحكومية، للتداول بالقرب من أدنى مستوياتها في أكثر من أربعة أشهر.
وسجلت عقود مبادلة أخطار التخلف عن السداد أجل خمس سنوات نحو 12.31 في المئة في تعاملات نهاية الأسبوع الماضي، مقابل نحو 15.8 في المئة نهاية تداولات 10 يوليو (تموز) السابق لإعلان بيع حصص بقيمة 1.9 مليار دولار في عدد من الشركات.
وسجلت كلفة التأمين على ديون مصر السيادية أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام، وبالتحديد في 18 مايو الماضي عند 1945 نقطة أساس، وفيما تراجعت بقوة من حينها إلا أنها لا تزال مرتفعة بنسبة 42 في المئة تقريباً عن مستوياتها في بداية العام البالغة 867 نقطة أساس.
وفي الأسواق الثانوية، تراجعت العوائد على سندات مصر الدولية المقومة بالدولار أجل 2025، والمطروحة بفائدة كوبون تبلغ نسبتها 5.875 في المئة، في تداولات بورصة لوكسمبورغ إلى مستوى 14.33 في المئة مقابل نحو 18.47 في المئة في 10 يوليو الماضي، فيما تراجعت فائدة السندات أجل 2047 المقومة بالدولار إلى مستوى 14.62 في المئة مقابل نحو 16.651 في المئة.