رأي

مخاطر الحرب النووية

كتب أحمد مصطفى, في الخليج:

تحمل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كثيراً من المبالغة، وفي بعض الأحيان تكون بياناته وتصريحاته وما ينشره على مواقع التواصل من قبيل «الحقيقة البديلة». إلا أن تصريحه الأخير بأن الولايات المتحدة تحدّث وتطور ترسانتها من الأسلحة النووية، لا يمكن أخذه بخفة، حتى وإن كان أكمل تصريحه بالقول: «ونأمل ألا نضطر إلى استخدامها».
صحيح أن تصريح الرئيس ترامب جاء خلال أيام مؤتمر للقادة العسكريين المنتشرين حول العالم، بعد استدعائهم إلى واشنطن، وما بدا من محاولة ترامب، ضمان ولاء قادته العسكريين. وبالتالي يمكن أن يكون الحديث عن تطوير أحد أهم الأسلحة في الترسانة العسكرية الأمريكية، جزءاً من عملية «إرضاء» للجيش لكسب ثقته.
يظل السلاح النووي الأخطر والأكثر قدرة على التدمير منذ تجربته العملية منتصف القرن الماضي، حين ألقت الولايات المتحدة أول قنبلتين على اليابان دمرتا مناطق بالكامل بسكانها في هيروشيما وناجازاكي. لذا فالتحول إلى استخدام المسيرات الموجه بالأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يغني أكبر قوة عسكرية في العالم عن تحديث سلاحها المدمر الأول.
خاصة أن رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف يكرر منذ بدء حرب أوكرانيا التلويح بالسلاح النووي، كلما زاد ضغط أمريكا والغرب على بلاده. وفي العامين الأخيرين، تحاول بريطانيا تحسين قدراتها النووية المتردية، بينما تسعى دول أوروبية مثل فرنسا وغيرها نحو تطوير قدراتها من الأسلحة النووية في سياق الاعتماد الدفاعي الذاتي مع بوادر تخلي الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب عن حلفائها الأوروبيين أو ضمن حلف الناتو.
سيكون من المغالاة القول إن العالم يشهد «تصعيداً نووياً»، لكن في الوقت نفسه سيكون من التجاهل المخل التغاضي عن مخاطر الحرب النووية التي تزيد في ظل الوضع العالمي الحالي. وما يضيف لتلك المخاطر أن امتلاك السلاح النووي لم يعد حكراً على الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهي بعدد أصابع اليد الواحدة. إذ دخل لاعبون آخرون ساحة السلاح النووي، من إسرائيل منذ عقود إلى باكستان. وهناك دول أخرى لا تبتعد كثيراً عن إمكانية تطوير أسلحة نووية، في مقدمتها إيران التي أصبح لديها الخبرة التقنية وإمكانات تخصيب اليورانيوم حتى رغم تأكيد قادتها أنهم لا يريدون إنتاج سلاح نووي.
الخلاصة، أن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لم توقف توسع عضوية «النادي النووي» في العالم. ومع الضعف الذي أصبح يعتري الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، ومنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب منع الانتشار النووي، أصبح من الصعب التعويل على هذا الرادع الدولي للسلاح النووي عالمياً.
في ظل «الميوعة» الشديدة للوضع الدولي، وعدم اتساق السياسات بصعود اليمين السياسي واليمين المتطرف في دول كثيرة، منها قوى نووية كبرى، تزيد احتمالات استخدام السلاح النووي، ولو عن طريق خطأ في الحسابات أو مجرد خلل بشري عارض. المشكلة أنه في مثل تلك الحالات، التي قد تبدو بعيدة الاحتمال، يصبح من الصعب احتواء التداعيات.
راهنت البشرية منذ اختراع الأسلحة النووية على أن قادة الدول التي تملكها يتمتعون بقدر من الحكمة والمهارة السياسية، تجعل خطر الحرب النووية قليلاً جداً، إن لم يكن منعدماً. إنما ما يحدث منذ ثمانينات القرن الماضي من تدهور السياسة، وصعود قادة أقل ما يوصفون به أنهم يفتقرون للمهارة السياسية والحكمة إن لم يكونوا نموذجاً للرعونة والصلف والتقلب غير المتوقع.
مطلع الستينات قام المخرج البريطاني القدير الراحل ستانلي كوبريك بعمل فيلم من كلاسيكيات السينما العالمية بعنوان: «كيف تعلمت ألا أقلق وأحب القنبلة» بطولة بيتر سيلرز. يدور الفيلم حول أسطول طائرات بي 52 القاذفة المحملة بالقنبلة النووية وتدور بشكل دائم قرب الاتحاد السوفييتي السابق، وفجأة يصدر قائد إحدى القواعد الجوية الأمريكية الذي يبدو مختلاً عقلياً أوامره بهجوم نووي من سرب طائراته. في النهاية طبعاً تم احتواء الأمر بعد تصعيد درامي في الفيلم، إلا أن قنبلة واحدة ألقيت لكن دون رد فعل من موسكو.
ربما تتمتع السينما بالخيال الجامح، لكن كثيراً من الخيال السينمائي والأدبي سابقاً أصبح واقعاً الآن. وإذا كان فيلم ستانلي كوبريك، وبيتر سيلرز بدا تحذيراً من خلل بشري قد يؤدي إلى حرب نووية، فإن احتمالات ذلك تزيد حالياً حتى مع تطور التكنولوجيا. بل إن التكنولوجيا قد تكون سبباً في خطأ الحسابات، أو حتى كارثة غير متوقعة تؤدي إلى تسلسل غير قابل للاحتواء.
فزيادة الاعتماد الآن على برامج الكمبيوتر، ومنها الذكاء الاصطناعي، قد تعني الدقة والسرعة من ناحية، لكنها أيضاً قد تعني احتمالات الخطأ الكارثي. ومهما كانت وسائل وأدوات التحوط ضد الأعطال أو الثغرات المفاجئة يصعب ضمان ألا تؤدي تلك السبل التكنولوجية إلى إطلاق سلاح نووي عن طريق الخطأ. ومع اضطراب العالم الشديد الآن وعنجهية الدول الكبرى، ربما يصعب احتواء التبعات ومنع الدمار النووي للأرض والبشرية.
ليس القصد من الإضاءة على مخاطر الحرب النووية أنها واقعة لا محالة نتيجة الأوضاع العالمية الحالية، إنما القصد العودة إلى التحذير بقوة، لاتخاذ التدابير الممكنة للوقاية منها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى