رأي

مخاض محلي وخارجي.

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

كنا نقول إن العالم العربي يمر بمرحلة مخاض وتغييرات سريعة جداً، كان من أبرز صورها الربيع العربي الذي انطلقت شرارته وتمددت منذ عقد من الزمان، ثم تراجع بعد ذلك بسبب الثورة المضادة، وغياب المشروع الإصلاحي والإدارة للتغيير الإيجابي المنشود، وحتماً هذا المخاض في العالم العربي لم ينتهِ، بل من اليقين القول إننا ما زلنا في وسط المخاض، ومن المتوقع أن يشهد العالم العربي متغيرات كثيرة على مستوى الدول والأنظمة والتأثير السياسي الإقليمي والدولي.

وإذا كنا في السابق نعتقد أن حالة المخاض وعدم الاستقرار أمر مرتبط بإقليم الشرق الأوسط فقط، فقد كنا خاطئين، فالحالة امتدت إلى المحيط الدولي، وأصبح العالم في مخاض أكبر، فأميركا، وبعد تربعها على قيادة العالم بعد الحرب الباردة، تعيش حالياً أزمة التراجع وغياب التأييد العالمي لسوء إدارتها للقضايا الخارجية، وتجاوزاتها في مجال حقوق الإنسان. ومن جانب آخر، زادت حالة التململ لدى قوى عظمى أخرى تريد الخروج من قيد المجتمع الدولي، الذي يُقاد بعقلية أميركية إلى رحاب البحث عن المصالح الخاصة، وزيادة القوة الخاصة لتلك الدول، ومثال ذلك الصين وروسيا والهند وغيرها.

يستوجب الأمر عند تحليل أو فهم تداعيات أحداث «طوفان الأقصى» في فلسطين، التي انطلقت شرارتها في السابع من أكتوبر الجاري، والآثار المترتبة عليها، أن تقرأ تلك الأحداث في إطار المخاض والمراحل الانتقالية التي يعيشها المجتمع الدولي بصفة عامة، وكذلك الأوضاع المتغيرة السريعة في عالمنا العربي، فأحداث فلسطين، بما فيها من مشاهد مؤلمة وتدمير للإنسان ومكونات الحياة الأخرى، ما هي إلا جزء من صور المخاض والمرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم العربي، ومن المتوقع أن ينتج هذا المخاض مرحلياً عدداً من النتائج، أهمها أن قضية فلسطين ومنذ اللحظة ستحتل المراكز الأولى في الاهتمام العالمي، وإلى أمد قادم غير محدّد المدة، وهذا المخاض الذي انطلق زلزاله من فلسطين، من شأن تردداته أن تحدث تغييرات في النطاق الفلسطيني الداخلي، وأيضاً ترددات تمس المحيط العربي على مستوى الدول والشعوب والعلاقات العربية الدولية، ومن النتائج المتوقعة لهذا المخاض أن دولة الاحتلال الصهيوني ستعاني من أزمات من شأنها أن تعصف بهذا الكيان المسخ على المستويين الداخلي والخارجي، وأيضاً من المتوقع أن يجني النظام الغربي خسائر كبيرة، أبرزها فشل المشروع القيمي الغربي بما يحمل من مبادئ علمانية وليبرالية، وانحسار كبير لحالة الثقة بهذا النظام وأدواره في العالم بصفة عامة، والعالم العربي بصفة خاصة، ولأننا في مخاض ومراحل انتقالية غير ثابتة، بل ومتغيرة بشكل سريع، فالأيام حبلى بالأحداث وتوقّع غير المتوقع.

مع الفارق الكبير بين المشهدين الخارجي الإقليمي – الدولي والمشهد الداخلي، لكن تجمع بينهما أرضية مشتركة رئيسة، وهي أن الكويت بمنظومتها السياسية وإدارتها الحكومية وسلطاتها الدستورية تمر أيضاً بمرحلة انتقالية ومخاض سياسي، ساهم ذلك في حالة الجمود والتراجع في الأداء العام لمعظم مؤسسات الدولة، فمع الحالة المزمنة لسلبيات المنظومة السياسية والدستورية والقانونية منذ عقود، برزت مؤخراً حالة من الجمود والضعف في أداء السلطة التنفيذية أصابت الدولة بالخمول وعدم الإنجاز، ويرجع ذلك إلى غياب القيادة المؤهلة في السلطة التنفيذية، وغياب المشروع الإصلاحي المحدد، وغياب الانسجام بين مكونات السلطة التنفيذية، بل طغى أحياناً الخلاف الداخلي على إدارة شؤون الحكومة، مع غياب ملحوظ للخبرة السياسية في إدارة واجبات ومسؤوليات السلطة التنفيذية لأسباب عائدة إلى الغياب المستمر في نهج اختيار أعضاء الحكومة، ومع الإقرار بوجود مواقف وخطوات إيجابية للسلطة التنفيذية بين الحين والآخر، فإنها لا تمثل نمطاً لعمل مستمر أو مؤسسي يعتمد عليه، وعليه وفي ضوء ما هو قائم، فإنه من غير المحتمل قريباً أن تتوافر مقومات الإدارة الرشيدة في السلطة التنفيذية، مما يعني أننا سنبقى في ظل مخاض ومرحلة انتقالية غير مستقرة وغير منتجة وغير معلومة المدة والنهاية.

وكلمة أخيرة مرتبطة بالشأن المحلي، خاصة أننا على مشارف بدء أعمال مجلس الأمة في دور انعقاده الثاني، فإنه ينبغي التأكيد على الشكر والثناء والتقدير للموقف الحكومي والبرلماني والشعبي الإيجابي تجاه قضية فلسطين في كل المحافل المحلية والدولية، وهذا الموقف الإسلامي العروبي والإنساني المبارك، الذي تتصدره، خاصة القيادة السياسية وأعضاء الحكومة، وبالأخص وزارة الخارجية الكويتية، يتطلب من أعضاء مجلس الأمة أن ينظر إليه بعين التقدير والدعم والتأييد، وأن يكون هاجس كل من مجلس الأمة والحكومة التنسيق العالي المشترك بينهما لنصرة القضية الفلسطينية، والابتعاد عن كل ما من شأنه إيقاع الخلاف أو التأزيم بين السلطتين، حتى لا يسهم ذلك في إضعاف الموقف الرسمي والشعبي الداعم للحقوق الفلسطينية، وعلينا جميعاً أن نظهر للعالم بأن الكويت لُحمة واحدة، يتداعى فيها الجميع إلى نصرة القضية الفلسطينية العادلة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى