مجلسُ النواب والنبيّ سليمان
كتب جوزيف الهاشم في “الجمهورية”:
ونحنُ أيضاً لا يزال عندنا مجلسٌ إسمـهُ المجلس النيابي، وإسمـهُ مجلس نواب الأمَّـة، وإسمـهُ الجمعية الوطنية، وإسمـه تلطيفاً البرلمان.
والمجلس النيابي الذي يختاره الشعب ممثّلاً له، هو الصورة الديمقراطية الدستورية التي تعكس وجْـهَ الأمّـة الحضاري، أوْ وجـهَ الأَمّـة المشوَّه.
مجالسُ النواب عندنا، يـوم كنّا وكانوا في ذلك اللُّبنان، كان يتـمّ إختيارهُم من خيـرةِ أبناء الأمّـة، ومنَ الوجوه السياسية البارعة في مجالات التشريع والمرافعات الدستورية البرلمانية، ومن باب اللّياقات نتحاشى التذكير بأسماء البارزين من السلَف مخافةَ الإساءة إلى الخلَف.
مجلس النواب السابق كان بمعظمه من التجَّار ورجال الأعمال والمسترزقين، وكان عـدد المشرِّعين فيه لا يتجاوز أصابع اليـد، ما أثـار يومها حفيظة المدير العام للمجلس النيابي.
ومجلس النواب الحالي: المؤَهَّلون فيه للتشريع قليلٌ عديدُهُم، ولست أدري ما إذا كان ينطبق عليهم قول الشاعر السمَوأَل: «إنّ الكرامَ قليلُ».
ممثّـلُ الشعب، هو الذي يحمل بأمانةٍ صوت الشعب وهمومَـهُ وطموحَـهُ وأوجاعه وحقّـه في الحياة الحـرّة الشريفة، وللشعب صـوتٌ، إنْ هو إلاّ صـدىً لرحمة ربّـك الأعلى.
وممثّـلُ الشعب يجب أنْ يكون المثلَ الأعلى للشعب، وقدوةً في الممارسات والتوجّهات والسلوكيات الأخلاقية والوطنية.
يعـزّ علينا ويؤلمنا عميقاً، في وطـنٍ صـدَّر الحرف نبراساً إلى العالمين، وسطَّر بالأقلام أمجاد الكلام، أنْ نـرى طليعة السياسيين فيه: حكّاماً وأحزاباً ومسؤولين ، يتراشقون باللغـة السوقّيـة والكلمات الفاجرة، كأنَّنا أمام بنات الهوى، كلُّ واحدةٍ تمارس الفحشاء وتتَّـهمُ الأخرى.
وأمّا المـرأةُ – في معزل عن السجال صحيحاً كان أوْ خاطئاً – فهي أمُّ المجتمعات، وقبل تاريخ المدنيّات كانت تحتلّ شأناً عظيماً على صورةِ رموزٍ إلهيّة: عشتار بابل، إيزيس الفراعنة، عشتروت فينيقيا.
وحتى الجاهلية بـرَزَ فيها نساءٌ عظيمات: بلقيس ملكة اليمن، وزينب ملكة تدمـر.
والنبيّ رافقتْ وصاياهُ المرأة حتى آخر أنفاسه في خطبة الوداع: «إتّقـوا اللـه في النساء فإنّهنّ عـوانٌ عندكم أخـذتموهنّ بأمانةِ اللـه».
وإنْ شئتُ أكثر فإنّ المأمون أحـبّ الشاعرة «غريب» إبنة جعفر البرمكي، ولمّا قبّل قدَمَها قالت: «والله يا أمير المؤمنين لو لم تضـع فمَكَ عليها لقطعتها..»
لا تؤاخذونا… لم نعد نعرف في أيِّ عصـرٍ نعيش وفي أيّ بلـدٍ ندفنُ أمواتـنا، الشعب يتلوّى في وادي الجماجم والمسؤولون يعيشون في الفضاء الخارجي كأنهم أقمارٌ إصطناعية.
نحنُ في بلدٍ، تهاوَتْ السلطات الشرعية فيهِ من أعلى إلى أدنى، حتى ضـاع المسؤول الشرعي والمسؤول الرسمي والمسؤول الحقيقي والمسؤول الحكومي، وكأنّـه بلدٌ أصبح خارج الزمن يفتّش عن نفسه في التاريخ.
لا… ليسَ كما تكونون يُولّى عليكم…
هـمْ الذين ولّـوا أنفسهم على أنفسهم بوسيلة غادرةٍ وخديعةٍ ماكرة إسمها القانون الإنتخابي، وهـمُ الذين بـهِ ينتخبون أنفسهم، ويحكمون أنفسهم، ويحاكمون أنفسهم ، وهكذا يستمرّون كأنهم النبيّ سليمان: «ربِّ إجعَلْ لي مُلْكاً لا ينبغي لإحـدٍ بعدي».
لست أدري، متى نستحقّ بعون اللـه حُكْماً حكيماً…؟
ومتى تمـنُّ علينا السماءُ بقانون إنتخابي، ومجلس نيابي على غرار مجلس الخمسمئة إبّـان الثورة الفرنسية حين راح رئيسه «لوسيان» يصوّب سهامه نحو صـدر أخيه نابوليون وأقسم أنْ يقتله إذا ما تعرّض بسوءٍ للحريّات في فرنسا.