شؤون دولية

ماكرون من الجزائر: نعم للحقيقة والاعتراف ولا للاعتذار عن الماضي

قدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الجزائر، خطاباً يقوم على رفض تحمل أوزار الماضي الاستعماري لبلاده، كونه من «جيل لم يشهد تلك الفترة ويتطلع للمستقبل». لكنه أكد بالمقابل، أن ذلك لا يعني إنكار الماضي، مشيراً إلى ضرورة مواصلة جهد البحث عن الحقيقة والاعتراف بدل الاعتذار.
عندما سئل ماكرون بعد زيارته لمقبرة سانت أوجين (تضم رفات يهود ومسيحيين وعسكريين فرنسيين) في العاصمة الجزائرية، عما إذا كانت تصريحاته في أيلول/ سبتمبر الماضي التي أدت للأزمة مع الجزائر قد زال مفعولها، رد بدبلوماسية قائلاً، وفق ما اشارت “القدس العربي” : «إنها قصة حب فيها جزء تراجيدي… يجب أن نختلف ونغضب من أن أجل أن نتصالح». ثم انطلق ماكرون في شرح رؤيته للذاكرة: «أحاول منذ أن أصبحت رئيساً أن أشاهد الماضي أمامي… في مسألة الذاكرة وكأننا مجبرون على الاختيار بين الفخر والاعتذار… أنا اخترت الحقيقة والاعتراف. أنا لست ابن حرب الجزائر ولا عائلتي، لكنني أدرك شيئاً أن الجزائر وفرنسا لا يمكنهما التقدم دون النظر للماضي لأن تاريخينا مشتركان». وأضاف: «انظروا إلى المكانة التي تمثلها الجزائر في فرنسا عبر عدد مزدوجي الجنسية والفرنسيين من أصول جزائرية والمقيمين في فرنسا، وإذا أضفنا الحركى وأبناءهم والأقدام السوداء وأبناءهم، فهم بالملايين، والأمر نفسه بالنسبة للجزائر، فقد كنا هنا لقرن ونصف».

واعتبر ماكرون أن «ثمة تقدماً تاريخياً قررناه مع الرئيس تبون، من خلال تفويض لجنة مشتركة من مؤرخين تعمل على التاريخ من 1830 إلى نهاية الحرب». وقال حول هذه اللجنة: «سنفتح لهم كل الأرشيف والرئيس الجزائري قال سأفتح ما لدينا أيضاً، ومن 1830 إلى نهاية الحرب… سيكون لها الحرية المطلقة للعمل على كل شيء من بدايات الاحتلال بقسوتها ووحشيتها، وهي فترة مهمة للأمة الجزائرية، وكذلك قضية المفقودين التي أنشئت لأجلها لجنة إدارية يجب أن تعود للمؤرخين، وسنطلب من اللجنة أن تقدم أعمالها من هنا لسنة ثم نعقب نحن بأفعال سياسية».
ودافع الرئيس الفرنسي عن فكرة أن ما يقوم به هو لصالح فرنسا أيضاً وليس الجزائر فقط. وقال: «ليس لدينا درس نقدمه نحن الفرنسيين … افتتاح أول جلسة برلمانية كان بحديث نائب عن الجزائر. لا يمكننا أن نقول للجزائريين إننا قلبنا الصفحة».
وفي موضوع تنقل الأشخاص، أبرز ماكرون أن هذا الموضوع حساس، وقد استمر النقاش حوله إلى منتصف الليل، معترفاً أن العديد من العائلات الجزائرية تأثرت بإجراءات تقليص التأشيرات، خاصة وأن ذويهم يقطنون في فرنسا.
ودافع ماكرون عن خياره بالقول «قبل خمس سنوات كان عدد منح التأشيرات كبيراً جداً، لكن ذلك تسبب في ارتفاع عدد الهجرة غير الشرعية، ما ساهم في تعكير صفو النظام العام».
وقد جرى الاتفاق على صيغة، حسب ماكرون، من أجل محاربة الهجرة غير الشرعية، مع تخفيف إجراءات التأشيرة لفئات معينة مثل الفنانين والرياضيين ورجال الأعمال والسياسيين الذين يعملون على تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأكد الرئيس الفرنسي أنه تم الاتفاق مع الرئيس تبون على إعطاء إشارة الانطلاق لوزراء البلدين قصد الانطلاق في العمل على الموضوع خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة.
وبخصوص موضوع مساجين الرأي بالجزائر، تجنب ماكرون الإدلاء بتصريحات تثير غضب الطرف الجزائري. وقال: «تحدثنا في كل المواضيع مع الرئيس تبون بكل حرية، لكنني لن أتدخل في السياسة الداخلية الجزائرية»، وأبرز في الوقت نفسه أنه حريص على الشفافية واحترام الحريات العامة، وتابع قائلاً: «أعرف أن تبون حريص على ذلك أيضاً»، متمنياً إيجاد حل في إطار القوانين الجزائرية.
وعاد الرئيس الفرنسي إلى مسألة الغاز الشائكة في أوروبا رداً على انتقادات طالته بأنه جاء للجزائر بحثاً عن هذه المادة الاستراتيجية.
وقال ماكرون إن الغاز الجزائري لن يغير كثيراً من المعادلة في فرنسا، لأن بلاده تعتمد في مزيجها الطاقوي فقط 20 في المئة من الغاز، والجزائر لا تمثل سوى 8 في المئة فقط من استهلاك فرنسا للغاز.

وأشار ماكرون بالمقابل، إلى أن الغاز الجزائري مهم بالنسبة لأوروبا في إطار تنويع مصادرها، وقال يجب أن نشكر الجزائر على زيادة إمداداتها عبر الأنبوب الذي يربطها بإيطاليا، فهناك هامش للزيادة بنسبة 50 في المئة، لأن هذا سيساعد على التضامن الأوروبي في مجال الطاقة والسماح بتنويع مصادر الغاز. وطمأن فيما يخص فرنسا بأن المخزونات مملوءة بنسبة 90 في المئة وستسمح بمرور الشتاء بسلام.
من جانب آخر، بدا ماكرون منزعجاً مما وصفها حملة بث الكراهية ضد فرنسا في القارة الأفريقية بسبب ماضيها الاستعماري، وقال إنه من الغرائب أن تقوم بها قوى إمبريالية حالياً. وأضاف: «صراحة، هناك تلاعب كبير في هذا المجال؛ إذ إن العديد من الناشطين الإسلامويين عدوهم فرنسا، فضلاً عن مجموعات مدعومة من تركيا وروسيا تعتبر فرنسا عدواً لها». وبشأن الساحل، قال إن فرنسا انسحبت من مالي وليس من المنطقة، ولولا تدخل القوات الفرنسية سنة 2013 ما كانت مالي لتكون بلداً موحداً، حسبه. وشدد في الوقت ذاته، على أن «اتفاقات الجزائر نص أساسي بما يتعلق بالمرحلة الانتقالية في مالي».
وسيواصل ماكرون جولته في الجزائر إلى غاية يوم السبت، حيث سيزور مدينة وهران في الغرب الجزائري وسيلتقي هناك فنانين ورياضيين، كما سيزور معالم تاريخية مثل كنيسة سانتا كروز بأعالي المدينة، ومتجر ديسكو مغرب الذي كان سبباً في شهرة كبار فناني الراي الجزائري.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى