رأي

“لولا” يحوِّل بريكس للاعب جيوسياسي

كتب محمد صابرين في صحيفة الأهرام.

لم يكن هناك وقت أصعب من اللحظة الراهنة لاختبار مجموعة بريكس، واختبار قدرة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على أن تخرج قمة بريكس، التي استضافتها بلاده، بموقف قوي مما يحدث في الشرق الأوسط. إلا أن لولا تمكن بقدر معقول أن يحوّل بريكس إلى لاعب جيوسياسي على الساحة الدولية، وبديل اقتصادي أكثر جاذبية للمؤسسات الغربية والدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

ويبدو أن بريكس، التي قوبلت بلامبالاة في البداية، باتت تؤرق الولايات المتحدة. فقد هدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على أي دولة تدعم السياسات “المعادية للولايات المتحدة” التي تنتهجها مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة، وقال إن بلاده ستفرض رسومًا جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تتبنى سياسات بريكس مع عدم وجود أي استثناءات.

وسارع الكرملين ليؤكد أن بريكس لا تستهدف تقويض دول أخرى، ورفضت الصين تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الدول التي تتبنى سياسات بريكس. وأكد قادة بريكس خلال قمتهم في البرازيل على أهمية التعاون متعدد الأطراف، وانتقدوا السياسات الأمريكية العسكرية والتجارية، مطالبين بإصلاح المؤسسات العالمية وحذروا من تأثير زيادة الرسوم الجمركية على التجارة العالمية.

ويبدو أن بريكس تريد أن ترفع صوتها بقوة على الساحة الدولية، فقد كان الرئيس لولا واضحًا في قمة البريكس بتأكيده: “لا يمكن أن نبقى غير مبالين بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والقتل العشوائي للمدنيين الأبرياء، واستخدام المجاعة كسلاح حرب”. ولم تتخلف قمة بريكس وأكدت قلقها البالغ إزاء استئناف الهجمات الإسرائيلية على غزة وعرقلة دخول المساعدات، وحثت الأطراف على الانخراط بحسن نية في المفاوضات لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وطالبت في بيانها الختامي بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأكدت إدانتها للضربات العسكرية ضد إيران والتي تمثل انتهاكًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأعربت عن قلقها البالغ إزاء التصعيد اللاحق بالوضع الأمني في الشرق الأوسط.

ويبدو أن واشنطن تساعد بريكس في زيادة حضورها الدولي في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والتوتر الاقتصادي، وبات يُنظر إلى بريكس كبديل آمن، ومصدر للاستقرار.

ويحذر معهد الولايات المتحدة للسلام من تجاهل تطلعات دول الجنوب العالمي لنظام متعدد الأقطاب، ويطالب واشنطن أن تأخذ هذه الاتجاهات بجدية، ولكن دون مبالغة، فقد تؤدي مجموعة البريكس الموسعة إلى زيادة قوتها في الساحة الدولية أو قد تتسبب في عرقلة صنع القرار داخل المجموعة.

وبينما تتطلع العديد من دول البريكس+ إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، مثل السعودية والهند، فإن البريكس تبزغ كبديل للهيمنة الجغرافية السياسية الغربية.

ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في النزاعات، حيث فشلت المؤسسات متعددة الأطراف في معالجة هذه الأزمات بشكل فعال. وبالتالي يتطلب العصر الجديد متعدد الأقطاب نظامًا متعدد الأطراف مُجددًا لمواجهة التحديات المعقدة، من الحروب إلى التغير المناخي والتكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي.

ووفق المعهد، فإن ثمة توافقًا واسعًا على الحاجة إلى الإصلاح، حيث عبرت الولايات المتحدة عن دعمها لإصلاح مجلس الأمن، بما في ذلك إضافة مقعدين دائمين لدول أفريقية. ويُعتبر التعامل الجاد مع مخاوف دول الجنوب العالمي حول نقص تمثيلها في الساحة الدولية خطوة أولى هامة.

وفي المقابل ما يميز مجموعة بريكس هو أنها تلبي احتياجات الاقتصادات الناشئة، وخاصة تلك التي تنتمي إلى الجنوب العالمي، التي تسعى إلى فرص تنموية أكثر عدالة. وتماشيًا مع موضوع قمة هذا العام الذي يحمل عنوان “تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي من أجل حوكمة أكثر شمولًا واستدامة”، عملت مجموعة بريكس على تعزيز صوت الدول التي لطالما هُمّشت في عملية صنع القرار العالمي، وتحمل تطلعات الجنوب العالمي إلى السلام، وتصر على حل النزاعات بالحوار، والاستجابة المشتركة لمختلف التحديات الأمنية، والتوسط الفعال في القضايا الساخنة، ومعارضة سياسة المحصلة الصفرية وفكر الحرب الباردة.

ويعد توسع مجموعة بريكس قفزة نوعية في مستوى تمثيلها وتأثيرها. فقد انضمت إندونيسيا، أكبر اقتصاد في الآسيان، إلى بريكس. واليوم، تمثل دول بريكس أكثر من نصف سكان العالم، وقرابة 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 50 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي. وهذا يعني تحولًا تاريخيًا في ثقل الجنوب العالمي من هامش الساحة الدولية إلى مركزها. والواقع أن مجموعة بريكس الموسعة وجاذبيتها المتزايدة وتمثيلها الأقوى وانتشارها الجغرافي الأوسع، تعمل الآن على إعادة تشكيل المشهدين السياسي والاقتصادي العالميين.

ويرى الخبراء أن مجموعة بريكس تعد إحدى أهم المنصات لتحويل العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، لكن هذا التحول يتطلب أدوات فعالة وأفكار بعيدة المدى. ويحدد الخبراء عدد من الأفكار أبرزها:

أولًا، يتعين أن تكون هناك أيديولوجيا أو سياسة واضحة يتفق عليها جميع الدول الأعضاء، على غرار الاشتراكية التي كانت أساس التحالف السوفيتي، أو الديمقراطية التي تبنتها الولايات المتحدة كنظام رئيسي. كل دولة تحتاج إلى هدف مشترك وواضح تتحرك باتجاهه.

ثانيًا: هناك حاجة ماسة إلى التعاون المشترك في مواجهة الأزمات العالمية، مثل الحروب والصراعات في الشرق الأوسط أو الأزمة الأوكرانية، التي تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي والنظام الغذائي. إذا لم توجد حلول جماعية لهذه التحديات، فقد تظل مجموعة بريكس كيانًا ضعيفًا في التعامل مع تلك الأزمات.

ثالثًا: يجب التفكير بجدية في فكرة العملة الموحدة التي تجمع كل دول بريكس، خاصة الدول التي تواجه عقوبات مثل روسيا وإيران. يمكن لهذه العملة أن تكون نواة لنظام مالي جديد. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري التفكير في إنشاء عملة رقمية ونظام مالي مبتكر يكون بعيدًا عن تأثير النظام البنكي العالمي الحالي.

وفي حوار مع باولينو نيتوسفير البرازيل بالقاهرة قال لي إن بلاده ترى أن بريكس لا بد أن تلعب دورًا “جيوسياسيًا” مهمًا، وأن تكون أداة لحل النزاعات. ومن الواضح أن التحديات التي تواجه المجموعة كبيرة، لكن الفرص والإمكانات المتاحة أكبر إذا تم التنسيق بين دول بريكس. ويبدو أن الرئيس لولا نجح.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى