رأي

لماذا يتشاءم الأميركيون بشأن الاقتصاد؟

كتب الكاتب والأكاديمي بول كروجمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد مقالًا في «نيويورك تايمز» جاء فيه:

مرّ عام تقريباً على إعلان «مكتب التحليل الاقتصادي» انكماش الاقتصاد الأميركي لرُبعين متتاليين. ويعتقد بعض الأشخاص، خطأ، أن رُبعين من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي هو التعريف الرسمي للركود. وفي الأثناء، تتفشى السلبية الاقتصادية بشكل خاص على اليمين السياسي – ولكنها لا تقتصر عليه.

والسؤال المثير للاهتمام الآن، على الأقل وفقاً لبعض استطلاعات الرأي، هو لماذا ما زال الجمهور متشائماً بشأن الاقتصاد – بنفس القدر من التشاؤم الذي كان عليه في الماضي وسط فترات تراجع اقتصادي شديد – مع أنه من الواضح أن تلك التحذيرات بشأن الركود كانت غير صحيحة وأن الاقتصاد يبدو قويا على نحو لافت. أو ربما ينبغي أن يكون السؤال هو لماذا يقول الناس إنهم متشائمون بشأن الاقتصاد.

الواقع أن هذا موضوع حساس، وإن كان موضوعاً سبق لي أن علّقتُ عليه. فالمرء لا يريد أن يقول إن الأميركيين أغبياء، والأكيد أن المرء لا يريد أن يبدو مثل مستشار جون ماكين الذي ألحّ على أن أميركا «أمّة متذمرين» يعيشون «ركودا عقليا».

ولكن من جهة أخرى، هناك الآن هوّات كبيرة جداً بين ما يقوله الناس عن الاقتصاد، من جهة، وما تقوله البيانات وما يقولونه عن تجاربهم الخاصة، من جهة ثانية. ولدينا بعض المعلومات الجديدة حول ما يكمن خلف هذه الهوّات. ولنبدأ أولاً ب«ركود بايدن» ذاك الذي جرت حوله أحاديث كثيرة. فالتعريف الحقيقي للركود يشمل عدداً من المؤشرات الاقتصادية، وفي ما عدا أرقام الناتج المحلي الإجمالي تلك، فلا شيء مما حدث للاقتصاد يبدو شبيها بالركود. ذلك أنه منذ ديسمبر 2021، أضاف الاقتصادُ الأميركي قرابة 6 ملايين وظيفة بينما انخفض معدل البطالة من 3.9% إلى 3.4% وهو مستوى لم يُرَ منذ الستينيات. ثم كلاّ، إن البطالة ليست منخفضة لأن الأميركيين أخذوا ينسحبون من القوة العاملة: فصحيح أن النسبة المئوية للبالغين الذين يعملون أو يبحثون عن وظيفة قد انخفضت، ولكن ذلك كله تقريبا يعزى إلى شيخوخة السكان، وقد عادت مشاركةُ القوة العاملة لتنسجم مع توقعات ما قبل الجائحة. والأكيد أن عودة التضخم الخطير بعد عقود من الهدوء أزعجت الجميع، وليس فقط لأنه قلّص المداخيل الحقيقية.

فأحد فوائد التضخم المنخفض هو أنه يمنح الناس شيئاً واحداً أقل ليقلقوا بشأنه، إذ تفيد الجمعية الأميركية للطب النفسي بأن التضخم كان مصدراً رئيسياً للتوتر خلال 2022. غير أنه لئن كان التضخم ما يزال مرتفعاً، فإنه انخفض كثيراً، إذ بلغ معدلُ التضخم خلال الستة أشهر الماضية 3.3%، مقارنة مع 9.6% في يونيو الماضي. واليوم، بات سعر الغازولين، الذي كان موضوعاً سياسياً رئيسياً العام الماضي، عادياً تقريباً مقارنة مع متوسط الأجور الدخل. وعليه، فما الذي يجري؟

يبدو أن القاعدة العامة هي أن الأميركيين راضون عن وضعهم الشخصي ولكنهم يعتقدون أن أشياء سيّئة تحدث لأشخاص آخرين. فقد وجدت دراسةٌ ل«الاحتياطي الفيدرالي» أن نسبة مئوية مرتفعة قياسية من الأميركيين متفائلة بشأن أوضاعها المالية في أواخر 2021، بينما كانت نسبة منخفضة قياسية منهم سلبية بشأن الاقتصاد. ولئن كنا لا نملك نتائج سنة 2022 بعد، فإنني أعتقد أنها ستكون مشابهة.

ولا شك أن الانتماء الحزبي يفسّر الكثير من هذا الاختلاف. إذ تُظهر دراسة نُشرت حديثاً أنه أيا يكن من سيفوز بالبيت الأبيض فإن له تأثيراً كبيراً جداً على الآراء بخصوص الاقتصاد، وهذا ينسحب أيضا على أنصار كلا الحزبين، وإن كان التأثير يبدو أقوى بمرتين تقريبا بالنسبة للجمهوريين. غير أن الدراسة وجدت أيضا أن هذه التغييرات في الآراء لا يبدو أن لها أي تأثير على الإنفاق الحقيقي – وأنها تعكس «نوعا من التشجيع» خلافا ل«التوقعات الحقيقية». وفضلا عن ذلك، هناك سببٌ وجيهٌ للاعتقاد بأن التقارير الإعلامية حول الاقتصاد كان لها تحيز سلبي قوي. في أحد الأشياء التي كانت ناجحة في أميركا مؤخراً هو خلق الوظائف، ومع ذلك يشير الجمهور باستمرار إلى أنه سمع عن التشغيل أخباراً سلبية أكثر منها إيجابية.

على أن الاقتصاديين يتحملون أيضاً جزءًا من المسؤولية. فكما أشار «مارك زاندي» من مؤسسة «موديز أناليتيكس»، فإن الكثير من الاقتصاديين كانوا يتوقعون الركود شهراً بعد شهر على مدى العام الماضي. وعاجلاً أو آجلا، سيحدث ركود بلا شك، ولكن كما يقول زاندي، «خلال أكثر من ثلاثين عام من مسيرتي المهنية كاقتصادي محترف، لم يسبق لي أبداً أن رأيتُ مثل هذا التشاؤم بخصوص الركود»، رغم أن الاقتصاد ظل قويا. ولا شك أن هذا التشاؤم انتقل إلى الجمهور. ما هو الوضع الذي نحن فيه اليوم؟ الواقع أن أميركا لم تُعِد التضخم إلى المستويات التي كان عليها قبل الجائحة، كما أننا قد نشهد تراجعا اقتصاديا. ولكن لحد الآن، على الأقل، كان لدينا تعافٍ ناجح جدا من صدمة كوفيد.

ولئن كان الكثير من الأميركيين يقولون لاستطلاعات الرأي إن الأمور سيئة – وهو ما يُخبرنا بشيء ما عن الكيفية التي يُجيب بها الناس على استطلاعات الرأي وعن المصادر التي يستقون منها معلوماتهم – فإن ذلك لا يتعارض مع ذاك التقييم المتفائل.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى