لماذا نعاند سلطان النوم رغم الإرهاق؟
يشعر أناسٌ كُثُر بالنعاس مع رغبة شديدة في النوم، ولكنهم يؤجلون الذهاب إلى الفراش لأقصى حد ممكن، ويشغلون أنفسهم بأشياء كثيرة هربا من النوم، ويذهب بعضهم إلى الفراش ويحاول إغماض عينيه من دون فائدة، إذ ثمة شيء ما في الدماغ يرفض الاستسلام للنوم، وفي هذه الأثناء تراود هؤلاء أفكار شتى، ويصيبهم الأرق والقلق بحيث يفرّ النوم من عيونهم رغم الإرهاق والنعاس الشديدين.
تعد مشكلات النوم سمة مميزة للحياة العصرية، وإذا أخذنا الولايات المتحدة -على سبيل المثال- نجد أن دراسة أجراها “مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” عام 2016 أظهرت أن ثلث الأميركيين ينامون ساعات قليلة جدا في الليل، وزاد الأمر سوءا مع جائحة كورونا وضغوط الوباء وفقدان الوظائف وتعطيل الجداول الزمنية وإغلاق المدارس؛ مما أبقى أعدادا قياسية من البشر مستيقظين في الليل أو غير قادرين على الصحو في الصباح، وفق صحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post).
مماطلة النوم
إذا كنت مرهقا وتعلم أنك بحاجة إلى النوم، ولكن هناك شيئا ما يعاند ويقاوم ويمنعك من إغلاق حاسبك المحمول أو النهوض عن الأريكة أمام التلفاز، أو مواصلة “التمرير” على جوالك، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما لا نهاية؛ فاعلم أنك من “مماطلي النوم”.
وكتب فريق من الباحثين من جامعة أوتريخت في عدد حديث من مجلة “فرونتيرز إن سايكولوجي” ( Frontiers in Psychology) أن “مماطلة النوم تعرف بأنها عدم الذهاب إلى الفراش في الوقت المحدد، مع غياب أي ظروف خارجية تمنع الشخص من القيام بذلك”.
ووجد الباحثون أن تأجيل وقت النوم كان مشكلة حقيقية للغاية عند عدد كبير من البشر، وهي مشكلة مرتبطة بالتسويف، بالإضافة إلى مشكلات التنظيم الذاتي.
ولكن السؤال هو: لماذا يحدث ذلك؟ لماذا نماطل النوم ونعانده مع معرفتنا الكاملة بأننا في أمسِّ الحاجة إليه؟
الانتقام من النوم
أضيفت كلمة “انتقام” إلى المصطلح السابق “مماطلة النوم” ليصبح المصطلح الجديد (مماطلة النوم والانتقام منه) أحد أكثر المصطلحات انتشارًا على شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما بين الشباب.
وانتشر المصطلح أولا في الصين. وتقول ساندرا (شابة صينية تبلغ من العمر 24 عامًا وتعيش في باريس) لشبكة “غلامور” (Glamour) “إنها عبارة شائعة بين جيل الألفية والجيل زد في الصين”.
وانتقل المصطلح من الصين إلى أرجاء العالم، ونقلته الكاتبة دافني كيه لي إلى اللغة الانجليزية عبر تغريدة لها على تويتر بوصفه “ظاهرة يرفض فيها الأشخاص الذين ليست لديهم سيطرة كبيرة على حياتهم النهارية النوم مبكرا لاستعادة بعض الشعور بالحرية خلال ساعات الليل المتأخرة”.
هذا هو السبب إذا، نحن نعاند النوم ونماطله وننتقم من “وقت الفراش” لأن زمن النوم ليلا هو الوقت الوحيد الذي نمتلكه حقا، أما باقي اليوم فهو ليس لنا، إذ إنه للكد والتعب والعناء.
اكتشفت سامان حيدر (طالبة تدرس علم النفس في كلية الطب بجامعة أيوا الأميركية، وتبلغ من العمر 20 عاما) هذا المصطلح على موقع “غوغل” ذات ليلة وبقيت مستيقظة حتى الفجر. تقول حيدر “صادفت هذا المصطلح، وبمجرد أن قرأت التعريف الخاص به قلت هذه أنا”.
ولما عرفت مشكلتها وما يمنعها من النوم، أنشأت حيدر مقطع فيديو خاصا على منصة “تيك توك” لمشاركة الفكرة ومعرفة رأي الآخرين فيها. وتقول في الفيديو -الذي شوهد نحو 13 مليون مرة- “اكتشفتُ شيئا ممتعا. هل تعلمون يا رفاق أن هناك شيئا جديدا اسمه “مماطلة النوم والانتقام منه”، حيث يرفض الناس النوم لأنهم لا يملكون سيطرة كبيرة على حياتهم النهارية، ويبقون حتى وقت متأخر جدا من الليل لأنهم لا يريدون أن ينتهي الوقت الذي يملكونه، ولا يريدون أن يأتي الغد؟”
حقق مقطع الفيديو هذا شهرة مدوية، وحصد آلاف التعليقات التي تقول “هذا أنا” (It’s me) لأنه بكل بساطة سمّى الأشياء بمسمياتها “لا نريد أن يأتي الغد”، ولهذا نبقى طوال الليل مفتوحي الأعين رغم تعبها ورغبتها في الانغلاق.
وحيدون جدا
فوق كل ذلك، نحن وحيدون جدا؛ ولهذا نبحث عن التواصل، ونبقى مفتوحي الأعين لوقت متأخر ونحن نمرّر بأصابعنا على شاشات هواتفنا، نبحث عن الآخرين كي نتواصل معهم.
تقول البروفيسورة آشلي ويلانز (باحثة وعالمة سلوك في كلية هارفارد للأعمال) لموقع “غليمور” “نحن بطبيعتنا حيوانات اجتماعية، وتوفر لنا وسائل التواصل الاجتماعي قناة اتصال مع الحياة الاجتماعية للآخرين التي لا تتوافر لنا بشكل خاص في الوقت الحالي”. وتضيف “إن التمرير عبر هاتفك ليلا يسمح لنا بتخيل حقائق بديلة لأشياء يمكن أن نفعلها”.
وتوافق المتخصصة الاجتماعية الدكتورة تشيلسي ريان على هذا القول، مؤكدة أن المبالغة في فعل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي رد فعل مفهوم على التباعد الاجتماعي.
ما الحل؟ وكيف نتوقف؟
لدى مديرة مختبر الإدراك المقارن في جامعة ييل الدكتورة لوري سانتوس -التي أصبح فصلها الدراسي عن علم نفس السعادة مشهورا عالميا- إجابة قد لا ترغب في سماعها؛ “إن الشعور بأن لديك القليل من وقت الفراغ هو أمر مهم لرفاهيتك إذا عرفت كيف تستغل هذا الوقت. ومعاندة النوم أو الانتقام منه هي بكل بساطة انتقام من نفسك؛ فالنوم مهم جدا لصحتك النفسية والعقلية، وقلَّته تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والإرهاق والتعب، بحيث لا تغدو قادرا على الاستمتاع بيومك”.
وتضيف “أشعر بالقلق من الأشخاص الذين يدورون في حلقة مفرغة من خلال تدمير وقت الفراغ المتاح لهم عن طريق عدم الحصول على قسط كاف من النوم”.
بالطبع، نعلم جميعا أنه يجب أن نحصل على مزيد من النوم. لكن الدكتورة سانتوس لا تقدمه بوصفه “علاجا مزعجا” للجميع، وإنما على أنه “فرصة إستراتيجية” حقيقية لكسر دورة “الانتقام من النوم”.