لبنان لا يريد الحرب
كتب أسعد بشارة في صحيفة نداء الوطن.
هو عنوان حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تختصر شعوراً لبنانياً عاماً يمثل أغلبية وازنة، ترفض توريط لبنان في حرب ليس باستطاعته تحمّل أكلافها ولا نتائجها، والأهم أنها تُدار رغماً عن أنف هذه الأغلبية، واختصاراً لدورها وحضورها، وتؤدي إلى تقزيمه إلى حدّ جعله مجرّد ورقة لمساومة، على طاولة المشروع الإيراني الساعي دوماً لنيل الرضى الأميركي والاعتراف بهذا المشروع، ككيان إقليمي عابر للحدود.
لبنان لا يريد الحرب، أما الطريق إلى تفادي الحرب، فهي المرور الإجباري عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وفي طليعتها القرار 1701 والقراران 1559 و1680 الخاص بترسيم الحدود وضبطها.
يعتبر «حزب الله» الذي يتخذ من المقاومة شعاراً، بأنّ القرار 1701، هو الطريق إلى سلب الورقة الأهم التي يستعملها، أي ورقة الوجود على الحدود، والسيطرة عليها بعد منع أي دور ولو بالحد الأدنى للجيش اللبناني ولقوات الطوارئ الدولية. ولهذا يبدي حساسية مفرطة، إزاء كل من يطالب بتطبيق هذه القرارات، ويشنّ حملات التخوين بالعمالة، ويُقصي كل دور للحكومة، عبر تحويلها إلى ناطق رسمي باسم المقاومة، إذ تضطر هذه الحكومة إلى انتظار ما سيصدر عن «الحزب»، كي تتبنى الموقف الذي ينسجم مع الانضباط تحت سقف المحور.
قصة «حزب الله» والقرارات الدولية قصة قديمة ومكررة. لا يؤمن «الحزب» بوجود شرعية دولية، وهو يتلطى دائماً خلف ابتكار دائم، مفاده أنّ اسرائيل كيان معتد بالفطرة، وبالتالي وجب التمسك بالسلاح والمقاومة لردعها.
تتجاهل هذه السردية، التي يحاول «الحزب» فرضها على الجميع، وقائع تاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي، منها على سبيل المثال لا الحصر، السلام المصري الإسرائيلي، الذي أدى إلى استعادة سيناء وطابا بالتحكيم الدولي، وتتناسى أيضاً اتفاق وادي عربة الذي حفظ حدود الأردن. والأهم أنّ «الحزب» يتناسى استراتيجية حليفه النظام السوري، الذي احترم منذ العام 1973 وإلى اليوم، وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، ويتناسى أنّ إسرائيل انسحبت من لبنان في العام 2000 بعد مفاوضات شارك هو فيها في ألمانيا، وساد هدوء تام على وقع العمليات التذكيرية في شبعا، إلى أن نفّذ عملية الخط الأزرق في العام 2006، التي كلفت لبنان حرباً مدمرة.
أمام اللبنانيين الذين يرفضون الحرب، تجارب حية والأسباب واضحة. سردية «حزب الله» التي تتنقل بين نظرية الدفاع عن لبنان، ووحدة الساحات من صنعاء إلى بغداد إلى غزة، ونظرية الحرب الاستباقية التي بات يحلو لـ»الحزب» اللجوء اليها لتبرير حرب المساندة العقيمة، تتعرض اليوم للاهتزاز. إذ حسمت شرائح واسعة من اللبنانيين خيارها برفض الحرب، وهو خيار رفض مشروع «حزب الله» الذي خلع قفازات وشعارات الدفاع عن لبنان، ليبدو على حقيقة هويته الأصلية: ذراع يُدار من طهران، ويوظف لصالح طهران.
هذا الانكشاف، دفع ببعض المؤيدين لـ»الحزب»، إلى استعمال ثوب الراهبة مايا زيادة، في توظيف يهدف إلى استجداء التأييد، كما دفع هؤلاء إلى إبداء الغضب وحرق اليافطات على طريق المطار التي تقول لا للحرب ونعم لتطبيق القرارات الدولية… هوية المشروع الإيراني باتت تتحدث عن نفسها من دون التباس.