تيريز القسيس صعب.
خاص رأي سياسي.
يعتبر لبنان من الدول الاكثر عددا لمهاجرين الى اقطاب العالم قياسا لعدد سكانه.
وقد تميز اللبنانيون في ارجاء المعمورة العمل في القطاعات الاقتصادية والتجارية والطبية وغيرها من المهن التي تتطلب العلم والمعرفة والثقافة.
اليوم مع تأزم الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد وبعد تفجير مرفأ بيروت وما تسبب به من ازمات اجتماعية، اقتصادية ومعيشية، شهد لبنان موجة هجرة جديدة مع إعلان العديد من المؤسسات اعتزامها وقف أعمالها أو تسريح عمالها أو على الأقل خفض رواتبهم.
فلبنان جزء من بلاد الشام التي يمكن اعتبارها أقدم منطقة تجارية في العالم، حيث تعود سكانها على السفر بحثاً عن الرزق والعمل في التجارة.
وتسجل أولى مشاهد الهجرة اللبنانية في أيام الفينيقيين الذين استخدموا البحر وسيلة نقل وانتقال، فقطعوا مسافات واستثمروا في كل محطة وطاة أقدامهم فيها.
وتعود الهجرة اللبنانيّة الأولى الى العام ١٨٦٠، حيث هاجر العديد من الموارنة في تلك الحقبة، ومن ثم بدا الانتشار اللبناني يتشعب وينتشر في اقطار العالم ليعود ويتوسع خلال السنوات الثلاث الماضية اثر تردي الاوضاع المعيشية والاجتماعية جراء تفجير الرابع من آب ٢٠٢٠، والذي تميز هذه المرة بهجرة الشباب والادمغة الى دول يعتبرونها دولا قريبة ومتجانسة في تقاليدها وعاداتها وقريبة معنويا اليهم.
ومن بين الهجرة الجديدة والتي يتوسع انتشارها، هجرة اللبنانيين إلى فرنسا وتحديدا إلى جنوب فرنسا مدينة نيس ومرسيليا، حيث أن المشهدية البيئية والجغرافية لهذه البقعة الموجودة في فرنسا، تذكرنا بأهمية تعلقنا ببلاد الارز وبحضارتها وثقافتها.
فرئيس بلدية مدينة نيس كريستيان استروزي عندما تتحدث اليه عن الوجود اللبنانيين، يخبرك عن جمال بلاد الأرز وثقافة أبنائها، وتعلقهم بجذورهم وتراثهم الوطني.
ولا تغفل عن باله طبيعة مدينة نيس الفرنسية مع طبيعة لبنان الخضراوية والغنية بمواردها الطبيعية، وكرم أبنائها.
“راي سياسي” تناولت في حديث خاص لها مع عمدة مدينة نيس المراحل والعلاقات التي قطعتها هذه المدينة مغ مدينة بيروت والخطوات المستقبلية الواجب اجراؤها، وتوقف عند النجازات التي حققها تللبنانيون في هذه المدينة والتي بفضلهم كامت قيمة مضافة لانجاح اقتصاد هذه المدينة التي تقع على ابواب منطقة الشرق الاوسط.
سئل: ما هو عدد اللبنانيين المقيمين في منطقة نيس الفرنسية ، وبماذا يتميز الوجود اللبناني في تلك البقعة، وإلى متى تعود هذه الهجرة، ولما يختلفون عن بلدان الهجرة العربية الأخرى؟
اجاب: نيس لديها جالية لبنانية كبيرة تقدر بنحو 3000 شخص. وتفخر نيس والكوت دازور côte d’Azur بكونهما ، إلى جانب باريس منطقة الاستيطان المفضلة للبنانيين.
في بداية الحرب اللبنانية، وصل اللبنانيون الأوائل إلى الكوت دازور في التسعينيات، ونظرا إلى القرب من البحر الأبيض المتوسط ، فإن جغرافيتي بيروت ونيس متشابهة تمامًا. وبعد نهاية الصراع الدموي او ما يعرف بالحرب الاهلية، غادر الكثيرو، وبقي البعض منهم حيث واصل حياته هنا، ان في نيس او في مرسيليا.
لكن بعد الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ، رحبت الكوت دازور بموجة جديدة من الهجرة في سياق الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي يشهدها لبنان.
اضاف رئيس البلدية، تشكل اللغة والثقافة والروح الفرنسية جزءا مهما من المجتمع في البلد الفرانكوفوني لبنان. وقد ساهم تاريخها وموقعها الجغرافي في تقاربها مع فرنسا ولبنان، وحماسها الصادق للثقافة الفرنسية على وجه الخصوص.
فلبنان يخصص شهرًا كاملاً للاحتفال بالفرانكوفونية ، وهذا دليل ثابت وحقيقي على عمق الصداقة تجاهنا نحن الفرنسيين. فالعالمية التي ينادي بها لبنان من خلال انفتاحه الملحوظ على العالم والعديد من اللغات الأجنبية وتاثيراتها على المجتمع تجعله ثقافة تعددية تغني فرنسا.
سئل: ما هي نجاحات وامتيازات اللبنانيين في نيس؟
اجاب: لقد اندمجت الغالبية العظمى من اللبنانيين المقيمين في نيس في مجتمعنا هنا. فلدينا الكثير من الطلاب، والعائلات والأشخاص الذين يعملون في قطاعات مختلفة مثل التجار، الأطباء، المهندسون المطاعم ورجال الأعمال.
هذه الخبرات اللبنانية هي بحد ذاتها قيمة مضافة كبيرة إلى ديناميكية المدينة ونجاح النظام الاقتصادي المحلي.
ونحن نعتبر انه بفضل اليد العاملة والخبرات اللبنانية تم إثراء مدينة نيس بالثقافة والمعرفة ولكن أيضًا بطريقة حياة استثنائية للغاية.
تؤامة مستدامة
سئل: هل هناك توأمة بين مدينة نيس ومدن لبنانية أخرى ، وعلى أي مستويات؟
اجاب: نحن مرتبطون بعلاقات تعاون عديدة تمكنا من تكوينها مع لبنان واللبنانيين مع مرور الوقت. وقد أصبح هذا ممكناً بشكل خاص من خلال شبكة المدن الأورو-المتوسطية ، التي أرأسها والتي تعمل على بناء منطقة سلام وأمن وازدهار مشترك مع البلدان حول البحر الأبيض المتوسط، وتطوير وتعزيز استراتيجية منسقة لصالح التنمية المستدامة. وبذلك أصبحت 14 مدينة لبنانية أعضاء في الشبكة الاورو- المتوسطية بما في ذلك العاصمة بيروت.
كذلك الامر، لقد أتيحت لنا أيضًا العديد من الفرص للتعاون ودعم بعضنا البعض. واحب ان أشير بشكل خاص الى الدعم الذي تلقيته من مدن بعلبك، الشوف الاعلى، الجديدة، جزين، جبيل….حيث تم توقيع “إعلان نيس” في ايلول 2017 لصالح منع تطرف الشباب وتأمين المساحات الحضروية.
سئل: ما هي الرسالة التي توجهها بشكل خاص إلى اللبنانيين في نيس؟
اجاب: الرسالة الأولى والتي اعتبرها الأهم من وجهة نظري ، هي أن اللبنانيين ومن جميع الطوائف، سيجدون في نيس الترحيب الدائم والاستماع والدعم اللا محدود لجميع أولئك الذين يعيشون في المنفى.
اما الرسالة الثانية فهي ان مدينة نيس، ومنطقة الكوت دازور متروبوليس لديها تعاون وثيق وقوي مع البلديات اللبنانية في إطار تبادل المشاريع المتعلقة بدولنا أو مع الاتحاد الأوروبي.
اضاف المسؤول الفرنسي، حاليا هناك ثلاثة مشاريع تعاون جارية. الأول مشروع لدعم البلديات اللبنانية في إدارة المخاطر الكبرى بحيث يقوم اللبنانيون بتحسين تنظيمهم من خلال بناء وتنسيق النظام البيئي مع الجهات الفاعلة فيه. كما تدعم مدينة نيس إنشاء مركز تدريب وطني للمسؤولين اللبنانيين المنتخبين والمسؤولين البلديين.
أخيرًا ، تقدم Nice Côte d’Azur Metropolis ملاحظات حول إدارة وتطوير منطقة كبيرة مثل منطقتنا ، والتي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى قمم Mercantour ، وعلى وجه الخصوص نموذج EcoVallée من حيث إنتاج الطاقة المستدامة باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، وبناء المباني المستدامة والنباتية …
زيارة لبنان
سئل: هل تشجّعون وتدعمون أهالي نيس على زيارة لبنان وبالعكس؟
اجاب: يسعدني كثيرا التبادل الثقافي القوي الذي حدث منذ عقود بين مدينة نيس ولبنان. فاللبنانيون سيظلون دائمًا موضع ترحيب في هذه المدينة الفرنسية، اضافة الى انه يتم تخطيط وتسهيل وصولهم إلى مدينتنا بشكل مريح وبسيطً.
وخلال فترة الصيف، تعمل خمس طائرات في الأسبوع بتسيير رحلة مباشرة يومية من نيس والى بيروت مباشرة بهدف الربط بين مطار نيس كوت دازور الدولي ومطار رفيق الحريري في لبنان. علاوة على ذلك، أود أن أؤكد كل تعاطفي ودعمي للبنانيين في هذه الأوقات الصعبة سيما وانهم كانوا وللاسف ضحايا ازمة كبرى منذ السنوات الثلاث الماضية.
وقد تواصلت منذ البداية مع رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني الذي شهد إلى جانب السكان اللبنانيين تفجيرًا قاتلًا مزدوجًا في ميناء العاصمة.
هذه الحقبة المؤلمة، قللت بشكل كبير من النشاط السياحي في البلاد، وأكدت إلى تراجع التفكير بالسفر إلى لبنان.
في نهاية هذه الأزمة، من المؤكد أنني سأشجع سكان نيس على زيارة لبنان ، مهد المواقع التراثية التاريخية العظيمة. فلبنان دولة ذات ثروة بشرية وثقافية لا تضاهى ، دولة ذات روح فريدة لا يمكن أن تترك أي شخص غير منجذب لها.