أبرزشؤون لبنانية

الراعي في قداس الميلاد : رهن مصير مجلس الوزراء بموقف فئوي خرق للدستور

ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد الميلاد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، “كابيلا القيامة”، بمشاركة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقيادات سياسية ونواب ووزراء وعدد من المطارنة .

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “ولد لكم اليوم المخلص الذي هو المسيح الرب” (لو 2: 11). وقال: “فخامة الرئيس، شئتم بمبادرة كريمة منكم المحافظة على التقليد الحميد، وهو الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في كنيسة الكرسي البطريركي، للصلاة معا والتماس نعمة الخلاص الروحي والوطني، السياسي والاقتصادي، الاجتماعي والمعيشي، من المخلص الإلهي يسوع المسيح، الذي نحتفل بذكرى يوم ميلاده، وهو اليوم الدائم. فالمسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عب 13: 8). إن هذا الاحتفال الذي يجمع سنويا رئاسة الجمهورية اللبنانية والبطريركية المارونية يؤكد أن رسالة هذين الموقعين وواجبهما واحد، وهو الحفاظ على كيان لبنان واستقلاله وسيادته وهويته والحؤول دون ذوبانه في أي مشاريع عقائدية ودينية وجغرافية”.
 
أضاف: “يسعدني باسم إخواني السادة المطارنة، وسيادة السفير البابوي، والآباء، وأصحاب المقامات وهذه الجماعة من المؤمنين والمؤمنات أن أهنئكم بالعيد، ومن خلال فخامتكم الشعب اللبناني وأهنىء كل الحاضرين، وكل الذين يشاركوننا عبر وسائل التواصل الإجتماعي. فلكم ولهم جميعا أطيب التمنيات. ويذهب فكرنا إلى أعزائنا أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت الذين يحرمون فرحة العيد، ويجرحون كل يوم بسبب عرقلة مسار القضاء والخوف على مصير التحقيق. لكننا نؤمن ان بميلاد ابن الله انسانا على ارضنا، يولدون هم في السماء أولادا لله وشفعاء لأهلهم وللوطن. كما يذهب فكرنا الى إخواننا اللبنانيين الذين يعانون الفقر والجوع والحرمان من أبسط وسائل الحياة كالغذاء والدواء والتدفئة من البرد القارس، فنطالب المسؤولين في الدولة الكف عن جريمة تعذيبهم وقهرهم، فيما العمل السياسي يهدف إلى تأمين الخير العام، الذي منه خير الجميع، وإنماء البلاد. فأي بشرى سارة يحمل هؤلاء الذين يعطلون مسيرة البلاد لشعبنا في زمن بشرى الفرح العظيم الميلادي. ولكن بكل أسف لقد امتهنوا قهر الشعب ولفه بثوب الحزن والوجع بدل فرحة العيد. ولسنا ندري أهدافهم. فنأمل ان تتمكنوا فخامة الرئيس، مع ذوي الإرادة الطيبة والنوايا الحسنة والمخلصين للبنان وشعبه، من إيجاد السبل لتحرير الدولة من مرتهنيها، والشعب من ظالميه”.
 
وتابع: “عند ميلاد المخلص يسوع المسيح، أنشد الملائكة: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر (لو 2: 14). أنشدوا مجد الله لأنه أعاد للانسان بهاء إنسانيته، فتجلى مجده فيه، على ما يقول القديس إيريناوس: مجد الله الإنسان الحي. هذه هي الأنسنة الجديدة التي دخلت العالم منذ ألفي سنة. فليعد كل إنسان إلى ذاته ويرى إذا كانت صورة الله ومجده يتجليان فيه من خلال طريقة عيشه وأعماله ومواقفه. فالقاعدة هي الحق والخير والجمال النابع من الله. وأنشد الملائكة السلام على الأرض. لأنه إذا عاش الإنسان بسلام مع الله ومع ذاته، عاش بسلام مع الخلق أجمع. وأنشدوا الرجاء الصالح لبني البشر. هذا الرجاء يعطي معنى لحياة الإنسان. عندما جاء رعاة بيت لحم إلى المذود ورأوا الطفل الإلهي ويوسف ومريم، رجعوا مهللين فرحين ومسبحين الله على كل ما رأوا وسمعوا (لو 2: 20). رجعوا أغنياء بالرجاء وقد وجدوا معنى لحياتهم يفوق همومها اليومية ورتابتها، فأكملوا سهرهم على مواشيهم وفي قلوبهم وعقولهم شعلة رجاء”.
 
وقال: “ما ينقص الناس بالأكثر، أكانوا أغنياء أو فقراء، ليس فقط وسائل العيش، بل وبخاصة أسباب العيش، أي الرجاء، الذي يعطي معنى لحياتهم وقوة لصمودهم، ونظرة واثقة إلى المستقبل. من هذا المنطلق حري بالشعب اللبناني أن يخرج من حيرته الوجودية، وبالدولة أن تستنهض مؤسساتها وتنهض من واقعها المنهار الذي أوصلها إليه المسؤولون على مر السنوات إلى اليوم بفعل تفضيل نزواتهم ومصالحهم وولاءاتهم المتنوعة على مصلحة لبنان والشعب. من هذا المنطلق أيضا، نهيب بالحكومة ألا تخضع للاستبداد السياسي على حساب المشيئة الدستورية. فمن واجبها استئناف جلسات مجلسها لئلا يتحول الأمر سابقة وعرفا ويقيد عمل الحكومات. إن رهن مصير مجلس الوزراء بموقف فئوي يشكل خرقا للدستور ونقضا لاتفاق الطائف وتشويها للميثاق الوطني ولمفهوم التوافق. هناك فارق كبير بين التوافق على القضايا الوطنية وفرض إرادة أحادية عمدا على المؤسسات الدستورية وعلى جميع اللبنانيين في كل شاردة وواردة. إن المسؤولية الوطنية تفرض الفصل بين التجاذبات السياسية وعمل مجلس الوزراء وعمل القضاء والإدارات العامة”.
 
أضاف: “إن وجود حكومة من دون مجلس وزراء ظاهرة غريبة تبيح التفرد بالقرارات الإدارية من دون رعاية الحكومة مجتمعة وموافقتها. هناك من يريد أن يجعل الناس تعتاد غياب السلطات الدستورية وسائر مؤسسات النظام بغية اختلاق لبنان آخر لا يشبه نفسه ولا بنيه ولا بيئته ولا تاريخه ولا حضارته. قضيتم يا فخامة الرئيس الجزء الأوفر من حياتكم في الدفاع عن لبنان السيادة والاستقلال، ولا بد من إنقاذه بمبادرات جديدة من بينها اعتماد مشروع حياد لبنان. لذلك نحن نساندكم، فخامة الرئيس، لكي يستعيد لبنان توازنه وموقعه في العالم العربي وبين الأمم. نساندكم لكي ترفعوا غطاء الشرعية عن كل من يسيء إلى وحدة الدولة والشراكة الوطنية، إلى النظام الديموقراطي ودور الجيش اللبناني وعمل القضاء، ويمنع تنفيذ الدستور والقرارات الدولية. ولمستم مدى الضرر الذي ألحقه هذا الواقع القائم بعهدكم الذي أردتموه، لدى انتخابكم، عهد إصلاح وتغيير وتثبيت هيبة الدولة. في هذا السياق نؤيد بقوة التزامكم إجراء الانتخابات النيابية في الموعد الدستوري. فعدا عن أن هذه الانتخابات هي استحقاق دستوري واجب، هي ضمان لحصول الانتخابات الرئاسية في مواعيدها، وهي أيضا فرصة للتغيير عبر النظام. إنه لواقع محزن أن تغيب الحكومة، فيما كان يزورنا الأمين العام للأمم المتحدة، وفي الوقت الذي تفاوضنا فيه المؤسسات النقدية الدولية. وانه لواقع مضر كذلك أن يتم الاعتداء على القوات الدولية في الجنوب، والأمين العام هنا يختم زيارته بعدما جددتم مع أركان الدولة التزام دعم هذه القوات وتسهيل مهماتها. ولا شك في أن هذا الاعتداء آلمكم يا فخامة الرئيس في الصميم لأنه بدا اعتداء على هيبة الدولة وصدقيتها أيضا”.
 
وختم الراعي: “نصلي إلى الطفل الإلهي، الذي صار إنسانا لكي يصلح الإنسان، ملتمسين منه أن تكون ذكرى ميلاده ميلادا حقيقيا في قلب كل إنسان، جاعلا منه خلقا جديدا، فيكون لنا مجتمع أكثر إنسانية، ووطن أفضل. فننشد مع الملائكة: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر، الآن وإلى الأبد. ولد المسيح هللويا”.
 
بعد القداس، تقبل الراعي التهاني بالأعياد المجيدة.
 
خلوة
وكان رئيس الجمهورية وصل عند التاسعة والنصف الى الصرح حيث أدت له التحية ثلة من الحرس الجمهوري، واستقبله عند المدخل الخارجي المطارنة حنا علوان وبيتر كرم وانطوان عوكر ومدير مكتب الإعلام والبروتوكول في الصرح المحامي وليد غياض، ليتوجه بعد ذلك الى الصالون الكبير، حيث كان الراعي في استقباله.
وبعد تبادل التهاني والتقاط الصور التذكارية، عقدت خلوة بين الرئيس والبطريرك تناولت التطورات.
وبعد الخلوة التي استمرت حوالى النصف ساعة، وفي أثناء توجهه للمشاركة في القداس، اكتفى الرئيس عون بالقول: “نأمل أن نعيد في السنة المقبلة بظروف أفضل. أعتذر عن عدم الحكي اليوم، لاقونا يوم الاثنين”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى