رأي

لا حدود لعجرفة بنيامين نتنياهو

كتب د. جيرار ديب, في صحيفة العرب:

وجود دول مقاومة إلى جانب القضية الفلسطينية وحق الشعب في تقرير مصيره يشكل عقبة حقيقية أمام طموحات نتنياهو

رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منشور له على منصة إكس الأحد الثالث عشر من أبريل الجاري أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرتكب خطأ جسيما بترويجه لفكرة دولة فلسطينية”.

وكان ماكرون أعلن أثناء عودته من القاهرة في زيارته الأخيرة، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن أن يحصل في يونيو المقبل، خلال مؤتمر سترأسه فرنسا بالاشتراك مع السعودية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، واضعا ذلك في إطار تحرك متبادل لاعترف بلدان عربية بإسرائيل.

منعا للإحراج أمام نتنياهو خفّض ماكرون من سقف التخاطب في شأن القضية الفلسطينية، إذ دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ناقش معه الاثنين الرابع عشر من أبريل الجاري، موضوع قطاع غزة، إلى وقف إطلاق النار وإطلاق كافة المحتجزين وإبعاد حركة حماس عن السلطة.

دعوة “إقامة دولة فلسطينية” ليست هي من استفزت نتنياهو وابنه الأكبر يائير الذي وجه نقدا لا أخلاقيا للرئيس الفرنسي وردت بعبارة “اللعنة عليك.” فهذا الصغير كما أبيه لم يزل يعيش حالة “النقمة” على ماكرون الذي كشفت صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية عن تصريحات له يذكر فيها نتنياهو عن ظروف نشأة إسرائيل.

لا خلاف على أنّ فرنسا كان لها اليد الطولى في زرع الكيان الإسرائيلي في أرض فلسطين نتيجة اتفاقية “سايكس – بيكو” مع الجانب البريطاني عام 1917. ولكن الأكيد أنها من تزعج الطموح الصهيوني التوسعي في المنطقة، وهذا ما تجلى في ثناء نتنياهو على ابنه الذي “شتم” الرئيس الفرنسي، متفاخرا بأنه “صهيوني حقيقي.”

يحظى نتنياهو بدعم أميركي لا مثيل له. وإضافة إلى الجسر الجوي العسكري الذي مكّن الجيش الإسرائيلي من فتح جبهات متعددة، هناك دعم دبلوماسي غير مسبوق تجلى في فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على أعضاء محكمة العدل الدولية بهدف معاقبة أعضائها على قرارهم اعتقال نتنياهو.

لم تتوقف العجرفة عند نتنياهو والأيديولوجيا التي يمثلها، في حالة “الرفضية” لكل معترف بحق الفلسطيني في إقامة دولته، ولكنها تترجم اليوم على أرض الواقع من خلال الممارسات الإجرامية التي يقوم بها الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

◙ نتنياهو يستغل حالة “التخبط” التي يمر بها النظام العالمي مدعوما بفكر يميني متطرف وصل إلى البيت الأبيض لا يتوانى في تقديم الدعم المطلق للسير في مخطط الصهيونية

وما حصل مع المؤمنين المسيحيين، يجسد الحالة الإرهابية لهذا الفكر، ويوضح أبعاده التوسعية، حيث قالت وكالة فلسطين، السبت التاسع عشر من أبريل الجاري، إن إسرائيل ارتكبت انتهاكات في القدس بحق المسيحيين في “سبت النور” بما في ذلك منع الوصول إلى الكنائس والاعتداء الجسدي والاعتقال التعسفي.

جاء ذلك في بيان أصدرته اللجنة الرئاسية العليا المتابعة لشؤون الكنائس في فلسطين، والتي يرأسها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رمزي الخوري. ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها الاعتداء على المصلين المسيحيين في فلسطين، ولن تكون الأخيرة، لأنّ النزعة العدائية تشكل جزءا من ثقافة المتصهينين.

تخطت وقاحة نتنياهو سلفه ديفيد بن غوريون الذي استغل قرار الرئيس المصري جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس عام 1956، ليذهب بعيدا نحو المطالبة من الذين اجتمع معهم في منطقة “سيفر” في جنوب باريس؛ كل من غيي مولييه رئيس الوزراء الفرنسي ووزير الخارجية البريطاني سلوينلويد، أن “يختفي الأردن بعد أن يقوم العراق بضم الضفة الشرقية لنهر الأردن وتقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية منه، كما وتقوم إسرائيل بضم جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، كما تحتفظ بجزء من سيناء الشرقية يمتد حتى شرم الشيخ”. لكن الفرنسيين هم من رفضوا ذلك.

لم يعد غريبا هذا الإسفاف في التخاطب مع الرئيس الفرنسي الذي طاله سهام الرد الوقح من قبل نتنياهو وابنه وما يمثلانه من فكر صهيوني متطرف. رغم أن العديد من الدول الأوروبية كانت قد اعترفت بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته، فالفرنسي أعلن نيّته هذه، بعد زيارة قام بها إلى مصر حملت في طياتها ما هو أبعد من حدود توطيد العلاقة بين البلدين، لتصل إلى عرض التوجسات المشتركة من مخططات نتنياهو التوسعية.

لهذا لم يعد من صدفة أن تحشد القوات المصرية في سيناء، وهذا ما أثار حفيظة الإسرائيلي، ليس تخوفا مما سرّب في الإعلان حول التسلح للجيش المصري، بقدر ما يحمل خفايا توسعية صهيونية.

يستغل نتنياهو حالة “التخبط” التي يمر بها النظام العالمي، مدعوما بفكر يميني متطرف وصل إلى البيت الأبيض، لا يتوانى في تقديم الدعم المطلق للسير في مخطط الصهيونية. لهذا استبق ترامب نتنياهو في دعوة أهالي غزة إلى مغادرة القطاع، وذهب بعيدا في الطلب من مصر والأردن استيعاب الأعداد المهجرة قسرا إلى أراضيهما.

هو مخطط تداخلت فيه عوامل كثيرة تصبّ اليوم في صالح نتنياهو ومشروعه الصهيوني، لكنّ وجود دول مقاومة إلى جانب القضية الفلسطينية وحق الشعب في تقرير مصيره قد يشكل عقبة حقيقية أمام قيام الدولة اليهودية الكبرى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى