لا تتأمّلوا في إخراج روسيا وإيران من سوريا
كتب سركيس نعوم في “النهار”: الدول والجهات المتضرّرة من الوجود العسكري المباشر وبالواسطة لإيران الإسلامية في سوريا منذ 2011 والراغبة في شدة في رؤيته مغادراً هذه الدولة العربية الى بلاده لا تعتقد على الإطلاق أن الولايات المتحدة ستقدم على إخراجه منها بالقوة العسكرية أو بالتفاوض في حال نجحت في إحياء الاتفاق النووي معها من خلال مفاوضات فيينا غير المباشرة بينهما الجارية منذ أشهر. فهذه الدولة ورغم كونها الأعظم في العالم حتى اليوم على الأقل تعرف المتغيرات التي حصلت فيه وتصميم الدول المنافسة لها والراغبة في مشاركتها سيطرتها على أجزاء مهمة منه، كما المحققة نجاحات معينة على هذا الصعيد يتمثل بعضها في اضطرارها الى تخفيف دورها في منطقة دولية معينة من دون إلغاءه كالشرق الأوسط مثلاً لاضطرارها الى التركيز أكثر عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وديبلوماسياً الى مواجهة الخطر المتزايد للصين على دورها ومصالحها، وأيضاً لمواجهة محاولة #روسيا بوتين استعادة سيطرة الاتحاد السوفياتي الذي ورثته على الدول التي كانت جزءاً منه والأخرى التي دارت في فلكه زمناً طويلاً في أوروبا وحتى خارجها. هل تعتقد الدول والجهات نفسها، المتضررة من وجود إيران الإسلامية عسكرياً وسياسياً في الشرق الأوسط بدءاً بسوريا الأسد، أن روسيا ستخرجها منه وتحديداً سوريا، إذ أن من شأن ذلك إضعاف وجودها في لبنان وغزة وربما لاحقاً في العراق واليمن؟ الجواب الذي يقدمه أصحاب “الفكر الأمنياتي” في المنطقة يكادون أن يجزموا بأنها مع رئاسة بوتين لها لن تقبل أن يكون لها شريك في سوريا على الأقل ولو كان إيران الإسلامية. إلا أن باحثين أميركيين جديين يستبعدون طلاقاً أو فراقاً أو احتراباً روسياً – إيرانياً في سوريا رغم اختلاف المصالح بينهما أحياناً كثيرة. ومن هؤلاء باحثة جدية جداً في مركز أبحاث أميركي مهم “متخصصة” إذا جاز التعبير في روسيا تناولت الموضوع المطروح أعلاه في بحث موضوعي وعميق نُشر في السادس عشر من الشهر الجاري.
ماذا جاء فيه؟ بدأ بحثها بسؤال: “في أثناء الحرب الأهلية السورية اعتمد الرئيس بشار الأسد على مساعدة روسيا وإيران و”حزب الله” لدعم استمرار نظامه. يبدو واضحاً اليوم أن هذه الجهات قد ربحت وبعد إعادة الأسد توطيد سلطته على سوريا وإمساكه بها يأمل البعض في إسرائيل في إحتمال تخلصه من النفوذ الإيراني. هل هذا الأمل واقعي؟”. كان جوابها “أن نشاطات إيران النووي وازدياد هيمنتها الإقليمية تبقى أولوية للولايات المتحدة وإسرائيل في آن. فوزير دفاع الأخير بني غانتس أكد الحاجة الى وقف العدوان الإيراني في محادثاته مع وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين في التاسع من الشهر الجاري. وهناك عديدون في القدس وواشنطن يأملون في إمكان دفع الأسد بعيداً من إيران وذلك من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية للدولتين. في صورة خاصة يعتقد أو بالأحرى يثق مسؤولون إسرائيليون في قدرة روسيا على منع العدوان الإيراني وذلك بالحد من عديد القوات التي تنشرها طهران في سوريا. في هذا المجال قال قبل وقت قصير مستشار أمن قومي سابق لإسرائيل هو مائير بن شابات “هناك نظرة مشتركة بيننا وبين الروس أبعد من أي شيء يُعرض حالياً على الجمهور. فالروس يكافحون من أجل الاستقرار الإقليمي وخصوصاً في سوريا وأنا أعتقد أن الطرفين قد يتفقان على أن إيران هي القوة التي تهدّد هذا الاستقرار”. منشأ هذا الإعتقاد كان التدخل الروسي في سوريا عام 2015 ومنذ دخولها المسرح العسكري والسياسي في هذه الدولة سيطرت موسكو على الأجواء السورية، وكان على الجيش الإسرائيلي أن يُخطر روسيا وربما أن يأخذ إذناً منها لتنفيذ ضربات جوية لأهداف تدعمها إيران في سوريا. واعتبر مسؤولون إسرائيليون سماح روسيا بالضربات إشارة الى أن موسكو تتفهم وتؤيّد قلق القدس من مصالح طهران في سوريا. ربما يُسيء الإسرائيليون فهم دوافع موسكو. فهي قبلت ضربات إسرائيل ليس لتعاطف معها بل لأن لها مصلحة حقيقية في أن لا تسمح بأي لاعب في سوريا بأن يقوى كفاية لتحدي روسيا. الضربات الإسرائيلية كانت وبكل بساطة لإبقاء الطموحات الإيرانية مكبوحة. هذا الموضوع” تابعت الباحثة في بحثها “إن القيادة الإسرائيلية بحثت في هذا الأمر في عمق واستنتجت أن أعمال موسكو وأفعالها أظهرت تكراراً أن روسيا لا تمتلك القدرة أو الرغبة للحد من القوات المدعومة إيرانياً في سوريا. لا بوتين ولا مسؤولون روس كبار أعطوا إشارة عامة الى أنهم سيحدّون عمل القوات الإيرانية في سوريا. ثانياً إن المحللين الروس القريبين من الكرملين يميلون الى التحدث بإعجاب واحترام عن إيران وعن الحضارة الفارسية. هذا موقف لا يمتد الى دول عربية ربما باستثناء مصر. ثالثاً اعتمد التدخل الروسي بكامله في سوريا على قيام إيران بالعمل الشاق. وهذا أمر يظهر كيف حافظ بوتين على محدودية تدخل قوات بلاده وعلى خفض كلفته. رابعاً توافق إيران وروسيا على إحباط النفوذ الأميركي أو كبحه سمح لهما بوضع اختلافاتهما التكتية جانباً. أخيراً هذه المواقف أظهرت أن كلام الروس عن ضرورة مغادرة القوات الأجنبية سوريا لم يعنِ يوماً الإيرانيين والروس لأن وجودهما فيها شرعي ومبني على دعوة مباشرة ورسمية من الأسد”.
في أي حال ترى الباحثة الأميركية نفسها أن على الإسرائيليين أن يوضحوا وبدقة كيف تحد روسيا القوات المدعومة من إيران في سوريا وبطريقة واضحة. إذ أن النظر جانباً عندما تشن إسرائيل ضربات عسكرية جوية رغم اعتراض شكلي لروسيا أو إدانة شيء، واعتبار أن القوات الروسية ملزمة وقف هذه الضربات أو منعها شيء آخر. لا توجد أي إشارة الى أن بوتين يريد أن يجازف باصطدام مع إيران. والأمل في أن الاختلافات بين روسيا وإيران ستبرز بوضوح كبير مع انتهاء القتال هو في غير محله وتعكس تفكيراً أمنياتياً أكثر مما تعكس الحقيقة. فبوتين يفضل العمل مع كل اللاعبين حتى عندما تكون المصالح متضاربة بينه وبينهم. هذه كانت حال علاقة بوتين بتركيا. فـ”المجسات” الإيرانية مغروزة عميقاً في سوريا، والأسد يدين ليس لبوتين فقط بل لطهران إيضاً. والإثنتان مكّنتاه من البقاء. وليس عند بوتين آلية لإبعاد إيران عن سوريا وعلى نحو يُحدث فرقاً حقيقياً والأسد ربما يميل للاحتفاظ بالإنخراط الروسي في بلاده ولكن محدوداً ومقتصراً على مصالح موسكو ومن الأفضل من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية أن تكون روسيا في سوريا وليس إيران. لكن الحقيقة هي أن الدولتين متكاملتان في استراتيجيتيهما.