كيف يؤثر إلغاء قمة عَمّان على جهود التهدئة في الشرق الأوسط؟
كان من المفترض أن تشمل جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق أوسطية بالإضافة إلى إسرائيل، العاصمة الأردنية لعقد قمة رباعية مع رئيس السلطة الفلسطينية وقادة مصر والأردن، بيد أن قصف المستشفى الأهلي (المعمداني) خلط الأوراق.
بعد قصف المستشفى الأهلي (المعمداني) في قطاع غزة، والذي أودى بحياة المئات بين قتيل وجريح، ألغى الأردن المحطة الثانية من رحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، حيث كان من المقرر أن يحضر بايدن قمة في عمان مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لقناة “المملكة” التلفزيونية الرسمية إن بلاده قررت إلغاء القمة “لأننا نريد منها إذا عُقدت أن تنتج مخرجاً واحداً لا ثاني له وهو وقف الحرب واحترام إنسانية الفلسطينيين وإيصال ما يستحقون من مساعدات”. وتابع الصفدي: “بما أن ذلك لن يكون متاحاً (الأربعاء) قررنا عدم عقد هذه القمة”.
ومن جانبه، أكد جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن القرار كان “متبادلاً”. وأشار إلى أن جو بايدن سيتصل بالزعيم الفلسطيني والرئيس المصري من الطائرة التي ستقله في طريق عودته مساء الأربعاء.
وكان الرئيس الديموقراطي البالغ من العمر 80 عاماً قد أعلن الاثنين عن رحلته هذه، التي تنطوي على رهان كبير مرتبط من جهة بمدى نجاحه في تقديم نفسه ضامناً لأمن إسرائيل في حربها ضد حماس، ومن جهة أخرى بتقديم أمل للمدنيين الفلسطينيين وتجاوز مخاطر تصعيد إقليمي. لكن هذا المسعى لتحقيق التوازن، الذي كان يرتكز على توقف في تل أبيب تليه رحلة إلى عمان، انهار قبل أن يغادر بايدن بلاده.
بايدن يتبنى الرواية الإسرائيلية
وقال مسؤولون فلسطينيون إن الانفجار في المستشفى الأهلي (المعمداني) نجم عن غارة جوية إسرائيلية، بينما قالت إسرائيل إن الانفجار كان نتيجة إطلاق صاروخي فاشل من قبل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي نفت مسؤوليتها.
وقد تأسس المستشفى الأهلي العربي المعمداني عام 1882 وتديره الكنيسة الإنجيلية ويصف نفسه على موقعه الإلكتروني على الإنترنت بأنه “ملاذ للسلام في وسط واحدة من أكثر الأماكن اضطراباً في العالم”. وقال إنه يوفر 80 سريراً، إلا أنه كان مكتظاً بعدد يفوق طاقته من المصابين، بالإضافة إلى أناس غير مرضى معتقدين أن المستشفيات ملاذات آمنة من الضربات الجوية والقصف.
وفور وصوله إلى إسرائيل، تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء (18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023) رواية إسرائيل. وقال بايدن خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب: “شعرت بحزن عميق وغضب شديد بسبب القصف الذي أصاب المستشفى في غزة أمس”، الثلاثاء، مضيفاً: “بناء على ما رأيته يبدو أن ذلك تم من قبل الطرف الثاني وليس أنتم”. وتابع بايدن: “لكن هناك كثير من الناس يشككون في الأمر وعليه يتعين علينا تجاوز الكثير من الأمور”.
يشار إلى أن حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية تصنفها بعض الدول على أنها منظمة إرهابية، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.
“رصاصة الرحمة” على الجهود الدبلوماسية؟
وكان بيان رسمي أردني قد أكد أن “القمة كانت ستركز على سبل وقف الحرب الجارية على غزة وخطورة تداعياتها على المنطقة وضمان إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع”، وكذلك إيجاد أفق سياسي يسمح بإحياء عملية السلام.
في هذا السياق يرى الباحث في العلاقات الدولية د. خطار أبو دياب أن “إلغاء القمة ليس إطلاقا لرصاصة الرحمة على الجهود الدبلوماسية”. ويتابع مفسراً: “القمة كانت بالأساس كنوع من الديكور لتبرير زيارة بايدن التضامنية لإسرائيل والقول إن هناك توازناً في المشاورات مع جميع الأطراف”.
لكنّ خطار أبو دياب يستدرك في حديث مع DW عربية: “الإلغاء يمكن أن يعطي حجة لبايدن لممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل للجمها عن التمادي في ردها العسكري”.
وشنت حركة حماس، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية، يوم السابع من الشهر الجاري هجوماً غير مسبوق على إسرائيل تحت اسم “طوفان الأقصى” بإطلاق آلاف القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل، وبموازاة ذلك تمت عمليات دخول غير مسبوقة لمقاتلين فلسطينيين داخل الأراضي الإسرائيلية ما أدى إلى مقتل 1300 إسرائيلي.
ومنذ ذلك الوقت نفذ الجيش الإسرائيلي حسب مصادر فلسطينية على مدار الساعة ضربات جوية ومدفعية استهدفت أحياءً سكنية ومباني متعددة الطوابق مأهولة بالسكان في قطاع غزة ما أسفر عن أكثر من 3200 قتيل فلسطيني، حتى الآن.
ضغط شعبي على حلفاء الغرب
وكان من المفترض أن يؤكد العاهل الأردني في القمة على رفض الأردن أي محاولة لدفع اللاجئين الفلسطينيين للنزوح إليه، إذا اتسع الصراع إلى الضفة الغربية ومنه إلى المنطقة الأوسع.
وتشعر عمّان بالقلق أيضاً من احتمال انتشار العنف إلى داخل البلاد. وفرض الأردن إجراءات أمنية مشددة بالقرب من الحدود لمنع النشطاء من تنظيم احتجاجات. وبعد قصف المستشفى نظمت مظاهرات بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان. واليوم الأربعاء تظاهر نحو خمسة آلاف أردني بالقرب من السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية للتعبير عن غضبهم وسط حضور أمني مكثف.
وأطلقت قوات الأمن الفلسطينية الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين المناهضين لمحمود عباس في مدينة رام الله بالضفة الغربية. كما شجبت دول عربية تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل قصف المستشفى، ومنها مصر والمغرب والإمارات البحرين.
وفي حديث مع DW يرى الأستاذ المساعد في الجامعة العبرية في القدس سيمون فولفغانغ فوكس أن الدول العربية الحليفة للغرب تحت ضغط بعد قصف مستشفى المعمداني ويستشهد على قوله بخروج التظاهرات في عدة دول ومسارعة الدول المعنية للتنديد وتحميل إسرائيل المسؤولية.
ويتساءل الباحث في الدراسات الإسلامية وشؤون الشرق الأوسط فيما إذا كان قصف المستشفى سيفتح نافذة للدبلوماسية بما يسمح بإلغاء الهجوم البري أو إجراء محادثات للتهدئة وتحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس.
المصدر: DW.