كوريا الجنوبية وطموحاتها الفضائية
كتب الصحافيان سانجمي تشا وستيفن إنجل لدى «بلومبيرج»:
الخطوة العملاقة لكوريا الجنوبية في عالم ارتياد الفضاء بدأت بخطوة صغيرة على الإنترنت. فنظراً للاتفاقيات التي تحظر بعض أشكال نقل التكنولوجيا، لجأ علماء الصواريخ الكوريون الجنوبيون إلى خدمة بحث لإيجاد محرك يمكنهم محاكاته، في وقت انكبّ فيه البلد على خطة طموحة لإنشاء برنامج فضاء وطني. وفي أكتوبر 2021، أطلقت البلادُ أول صاروخ لها محلي النشأة واسمه «نوري». وقال يو جاي سوك، أحد مديري المعهد الكوري لأبحاث الفضاء، المشهور اختصاراً بـ«كوري»، «ما أثار انتباهنا هو محرك (ميرلن) في صاروخ فالكون. وهكذا، قمنا بتطوير صاروخ (نوري) عبر النظر إلى الصور واستخدامها كنقطة مرجعية بالنسبة للتصميم»، في إشارة إلى محرك «سبيس إكس».
البرنامج الذي بدأ بعدد صغير من الموظفين وطموحات محدودة، طوّرَ صاروخاً بطول 6 أمتار لأول مرة في عام 1993. ولدى البرنامج الآن حوالي 1000 موظف، من بينهم 250 باحثاً، في قاعدة مركز نارو الفضائي. وتقع المنشآت الحديثة في جنوب البلاد حيث يلتقي المحيط بالجبال الوعرة.
«يو» الذي تقلّد مؤخراً منصبه الجديد في المعهد، هو مدير أبحاث تكنولوجيا مركبات الإطلاق، كانت تعلو وجهَه ابتسامةٌ حين مرَّ عبر مستودع أبيض بارد يحتوي على نسخة من صاروخ «نوري» تنتصب في المكان.
غير أن هناك هدفاً تجارياً كذلك، إذ تخطط الحكومةُ لزيادة حصة كوريا الجنوبية في اقتصاد الفضاء العالمي إلى 10 في المئة بحلول عام 2045 مقارنة مع 1 في المئة حالياً.
ويبدو أن المنافسة ستزداد مع الهند والمملكة المتحدة وأستراليا ودول أخرى تخطط أيضاً لتوسيع برامجها الفضائية. وعلى سبيل المثال، لدى المملكة المتحدة حالياً 7 قواعد لإطلاق المركبات الفضائية قيد الإنشاء، في وقت تسعى فيه عدة شركات ناشئة إلى تمييز نفسها عن المنافسة. وفي نوفمبر الماضي، أصدرت المملكة المتحدة أولَ ترخيص لمركز إطلاق في جنوب غرب إنجلترا، مما يعبّد الطريق لمهمة رائدة لشركة «فرجن أوربيت» المملوكة للملياردير ريتشارد برانسون. وبالنظر إلى وجود اتفاقية بين القوى الفضائية بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا تحظر نقل التكنولوجيا الخاصة ببعض العناصر الأساسية إلى الدول التي تطمح لامتلاك برامج فضائية، كان على كوريا الجنوبية بناء صاروخ خاص بها، يبلغ وزنه 200 طن ويتألف من ثلاثة طوابق ويعمل بالوقود السائل، من نقطة الصفر.
إطلاق صاروخ «نوري» في عام 2021 كان مراً وحلواً في الوقت نفسه، إذ نجح الصاروخ في الوصول إلى الفضاء، لكنه فشل في إيصال قمر اصطناعي للتجارب بنجاحٍ إلى مداره على ارتفاع يناهز 70 كيلومتراً.
وفي يونيو 2022، أطلقت كوريا الجنوبية صاروخ «نوري» من جديد ونشرت القمر الاصطناعي التجريبي، لتصبح بذلك سابع بلد يطلق صاروخاً محليَّ النشأة وقمراً اصطناعيا يفوق وزنُه طناً. ويأتي الإنجاز الكبير التالي في شهر مايو، إذ من المقرر أن يقوم «نوري» بنشر ثمانية أقمار اصطناعية في مدار متزامن مع الشمس.
ولا شك في أن الاستخدام التجاري سيمثّل خطوةً تاليةً طبيعية لاقتصاد التقنية العالية في كوريا الجنوبية. غير أن المهمة تُبرز أيضاً الشوطَ الذي ينبغي لها أن تقطعه لمنافسة القوى الفضائية الحالية ومنافسة حتى جارتها كوريا الشمالية التي قامت في 18 فبراير الماضي بإرسال واحد من صواريخها إلى الفضاء على بعد 5700 كيلومترا.
والجدير بالذكر هنا أن العديد من الشركات الكورية الجنوبية وكذلك الحكومة تعتمد على شركات تجارية أجنبية للأقمار الاصطناعية من أجل وضع حمولتها في الفضاء.
ويبلغ ارتفاع صاروخ «نوري» الرائد 47 متراً، أي أنه أصغر بقليل من صاروخ «أريان 5» التابع لشركة «أريانسبيس»، والذي لديه سعة حمولة أكبر بأكثر من ست مرات. وتبلغ كلفة صاروخ «نوري» حوالي 80 مليون دولار لعملية الإطلاق الواحدة. وهو رقم أعلى من 67 مليون دولار التي يكلّفها صاروخ «فالكون 9» الأكثر قوة من شركة «سبيس إكس»، ومن 50 مليون دولار التي يكلّفها صاروخ «إتش 3» الياباني، الذي فشل في محاولة إطلاق فاشلة ثانية يوم الأسبوع الماضي.
وقد كلّف تطوير صاروخ «نوري» كوريا الجنوبيةَ 1,6 مليار دولار على مدى العقد الماضي، لكن ذلك كان مجرد وسيلة لتحقيق التقدم. والأولويات الآن هي خفض الكلفة، وزيادة الكفاءة، وإسناد مزيد من العمليات إلى القطاع الخاص، كما يقول يو. وفي هذا الإطار، اختارت الحكومة شركة «هانوها» كمتعاقد أساسي العام الماضي.
ووفقاً لبيانات من مؤسسة «كويلتي أناليتيكس»، فإن الوتيرة العالمية لعمليات الإطلاق ارتفعت إلى مستوى جديد في عام 2021 وبدا أنها أكملت عام 2022 المنصرم بحجم مماثل تقريباً.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن العقوبات العالمية المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا قبل عام أدت إلى تقليص أنشطة الفضاء الخاصة بذاك البلد. لكن محللين يقولون إن روسيا كانت قوة آخذة في التراجع في تجارة الفضاء قبل الحرب وإن لاعبين مثل «سبيس إكس» و«يونايتد لونتش ألاينس»، وهي عبارة عن مشروع مشترك بين «بوينج» و«لوكهيد مارتن»، مستعدون لحمل المشعل.
ويقول بارك تشانغ سو، الذي يتزعم أبحاثَ أنظمة إطلاق المركبات في معهد «كاري»: «إننا نحاول إنشاء شركة تشبه سبيس إكس في كوريا»، معبِّراً عن آماله في أن تستطيع «هانوها» جعل الأعمال مربحةً. وأضاف: «لقد ضيّق إيلون ماسك السوق َجداً على الشركات الأخرى».
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا