قوى “الثورة” تبرز نفسها في المجلس النيابي..فما هي شروط تحقيق هذا الهدف؟
كتب يوسف مرتضى في “نداء الوطن”:
تعلمنا في تاريخ الثورات السياسية – الاجتماعية ذات الطابع التغييري، البعيدة من الانقلابات العسكرية، ضرورة توفر شرطين لاندلاع الثورة وانتصارها.
الشرط الأول يتمثّل بنضوج الظروف الموضوعية في المجتمع، أي بلوغ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية حدوداً تعجز السلطات الحاكمة عن التصدّي لها ومعالجتها. حيث تنتشر البطالة وتتعاظم مستويات الفقر، وتتراجع واردات الدولة بشكل غير مسبوق، في وقت يتفشى فيه الفساد وتتعطل فيه المحاسبة، ولا يبقى لدى الحكام إلا القمع والاستبداد في مواجهة تحركات وانتفاضات الجياع والمظلومين. فتسود الفوضى وتُشلّ الإدارات والعديد من القطاعات. وهذا ما ينطبق على واقعنا اللبناني وما يكتوي به اللبنانيون في جهنم أسوأ منظومة حكم عرفها لبنان منذ تأسيسه قبل مئة سنة. وهذا ما يؤشّر تالياً على نضوج الظرف الموضوعي لإندلاع الثورة. فكانت ثورة 17ت1 سنة 2019 التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين من جميع الأطياف والأعمار، ومن أربع زوايا الجغرافية اللبنانية إضافة إلى لبنانيي الانتشار. كانت ثورة شعبية عفوية وطنية الطابع، لم يحرّكها حزب أو تنظيم، بل كانت صرخة وجع شعبية عارمة، فجّرتها تراكمات متعاظمة لسياسات المنظومة الحاكمة وفسادها، التي أفقدت اللبنانيين أبسط حقوقهم في الكهرباء والماء والطبابة والدواء والتعليم والعمل، وهجّرت مئات الآلاف منهم.
وبسرعة قياسية، أسقطت الثورة حكومة التسويات والمحاصصات، وكادت أن تجهز على المنظومة الحاكمة الفاسدة برمّتها لولا تصدّي قوتها الضاربة، المتمثّلة بـ”حزب الله” وأقماره الممانعة للثورة، تعنيفاً وشحذاً للعصبيات الطائفية والمذهبية، فضلاً عن استخدام أدواتهم في الاجهزة الأمنية والعسكرية في قمع الثوار والتصويب على عيونهم وزجّ العديد منهم في المعتقلات.
ثم كان 4 آب 2020جريمة العصر في انفجار مرفأ بيروت، والمحاولات المتمادية من أهل السلطة لطمس الحقيقة بالسطوة على القضاء وترهيبه، الأمر الذي كشف أكثر فأكثر مدى إجرام المنظومة الحاكمة وسقوطها الأخلاقي المدوي، وشللها السياسي الذي جعل مؤسسات الدولة في حالة موت سريري، هذا فضلاً عن تحليق سعر صرف الدولار الى ما فوق الـ20000 ل.ل للدولار الواحد، وتحليق أسعار مختلف السلع الحياتية إلى ما فوق طاقة أكثر من 70%من اللبنانيين على تحمّلها، وتبخّر ودائع المودعين، ما يؤشّر إلى أن الظرف الموضوعي لاشتعال الثورة أصبح أكثر نضوجاً وتشجيعاً على التغيير، ولا ينقصه سوى بلورة الأداة القادرة على القيام به وقيادته، وهو ما عنيت به.
الشرط الثاني، أي العامل الذاتي غير المكتمل للأسف حتى الآن، والذي يتلخّص بضرورة إنتاج أداة التغيير القادرة على قيادة الثورة إلى تحقيق أهدافها. وللإجابة على السؤال لماذا لم ينضج العامل الذاتي بعد، لا بدّ من التوقف عند بعض الحقائق المتصلة بالإضاءة على مكونات مجموعات ثورة 17ت1، وعلى مسار تطورها سياسياً وتنظيمياً. وما هو المطلوب منها عشية الانتخابات النيابية في استحقاق الـ2022، طالما أن الثوار حسموا خيارهم بالتزام الطريق السلمي الديموقراطي عبر الانتخابات كسبيل أساسي للتغيير.
1- كما أشرت سابقاً ثورة 17ت1 2019 كانت عفوية ولم يقدها اي حزب أو تنظيم.
2- لأن الثورة غير منظّمة، تمكّنت قوى السلطة من التأثير على حيويتها باستخدام العنف ضدّها واختراقها وافتعال التخريب والتكسير، ما أدّى إلى انكفاء أعداد كبيرة عن المشاركة في فعالياتها.
3- كان لـ”كورونا” دور مؤثر سلباً على الحشد في التظاهرات، ما أظهر الثورة في حالة ضعف وتراجع.
4- تفاقم الأزمة المعيشية وتوسع انتشار البطالة وتعاظم الضائقة المادية عند قواعد الثورة، فأصبح التفتيش عن لقمة العيش اليومية هو الأولوية عند جمهور واسع من الناس الذين انخرطوا بحماس في الأيام الأولى لاندلاع الثورة.
5- خلال هذه المرحلة الممتدّة لأقلّ من سنتين، راحت قوى الثورة تنتظم في هياكل تنظيمية سياسية واجتماعية ونقابية على المستويين الوطني والمناطقي. فإلى جانب الكيانات السياسية السابق نشوئها لـ 17ت1 2019 مثل “الكتائب” و”الشيوعي” و”التنظيم الشعبي الناصري” و”تحالف وطني” وحزب “الكتلة الوطنية” و”مواطنون ومواطنات”، و”بيروت مدينتي”، و”طلعت ريحتكم”، نشأت عشرات المجموعات في بيروت والمناطق منها “لحقّي”، “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” اللتان كانتا من مكونات تحالف وطني قبل اندلاع الثورة، وكذلك “حزب 7″ ومجلس مجموعات من الثورة و”الجبهة الوطنية المدنية” وغيرها. وأشدّد على اعتذاري المسبق لعدم امكانية ذكر اسماء جميع المجموعات التي اجلّها واحترمها جميعاً وكان ولم يزل لي شرف التعاون معها، فمساحة المقال لا تتّسع لذلك من جهة، ولأن الذاكرة ستخونني حتماً من جهة أخرى.
ولكن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن مختلف القوى المنخرطة في الثورة أدركت أن تحقيق أهداف الثورة يتطلّب إنجاز أمرين، الأول البرنامج السياسي للتغيير، والثاني هو توحيد الصفوف وجمع الجهود في المواجهة السياسية والمطلبية للمنظومة الحاكمة وفي التحضير لخوض الانتخابات النياببة المقبلة بلائحة موحدة ووفق برنامج سياسي مشترك.
لقد أفضت الحوارات والنقاشات بين مختلف مكونات الثورة خلال الأشهر الماضية إلى الاتفاق على مقاربات مشتركة حول برنامج التغيير المطلوب، قاعدته الأساسية إرساء أسس دولة القانون والمؤسسات المدنية، السيدة الديموقراطية والعادلة، تحت سقف تطبيق دستور اتفاق الطائف من دون استنسابية أو اجتزاء. وأن السير بهذا البرنامج يتطلّب وجود كتلة نيابية وازنة تحمله وتناضل من اجل تحقيقه من داخل السلطة وبالاستناد الى دعم شارع 17ت1.
لقد تمكّنت قوى الثورة خلال تلك الفترة القصيرة جداً بعمر الثورات من أن تنتظم في أطر جبهوية جمعت العديد من الاحزاب والمجموعات بين صفوفها، منها “جبهة المعارضة اللبنانية” التي تضمّ 12 مكوناً، “نداء 13 نيسان” الذي يضمّ 16 مكوناً، “إئتلاف الشمال” في الدائرة الثالثة، “اتحاد ثوار البقاع” الذي يضمّ مكونات ثورية من دوائر البقاع الثلاث، ويجري العمل على تكوين إئتلافات في الجنوب وبيروت ودائرتي الشمال الأولى والثانية وكذلك في كسروان -جبيل.
خاضت بعض الإئتلافات انتخابات نقابية ناجحة في نقابة المهندسين وفي الانتخابات الطلابية، وعندما فشلت في تكوين ائتلاف في نقابة المحامين لأسباب ذاتية وحسابات خاطئة عند البعض من وجهة نظري، خسرت قوى الثورة الانتخابات فيها. آمل أن تشكل نتيجة نقابة المحامين درساً للجميع لنتمكّن من إعادة تجميع الصفوف من أجل خوض انتخابات نيابية ناجحة في العام 2022.
وأزعم بأن النجاح مؤكد لإحداث خرق كبير في الانتخابات النيابية المقبلة، إذا تمكّنا من توحيد الصفوف في لوائح انتخابية تحت تسمية واحدة للثورة في الدوائر الـ 15 تجمع بين “نداء 13 نيسان” و”جبهة المعارضة اللبنانية” والحزب “الشيوعي” و”التنظيم الشعبي الناصري” و”مواطنون ومواطنات”، إضافة الى المكونات المناطقية السالفة الذكر و”جبهة 17 تشرين” و”الاتحادات الطلابية” وأي من المجموعات التي تلتقي معها تلك المكونات على الرؤية والبرنامج والمصلحة. ويكتمل العامل الذاتي لتقدّم خيار الثورة إلى جانب ذلك في الانتخابات المقبلة، بتوفير الدعم المادي والإعلامي واللوجستي للوائح الثورة، والمؤمل به في هذا المجال نجاح التعاون والتنسيق والوحدة بين مجموعتي “نحو الوطن” و”كلنا إرادة”.
ولنا في تجربة التعاون في تحفيز المغتربين للتسجيل من أجل المشاركة في الانتخابات النيابية، والنتيجة المحقّقة فيها خير مثل على أهمية توحيد الجهود بين قوى التغيير، وتجميد الخلافات في ما بينها للتفرّغ إلى مواجهة الخصم الأساسي المتمثّل بأحزاب المنظومة الحاكمة.
(نداء الوطن)