رأي

قائد حرب الإبادة يرتدي ثوب حمامة السلام

كتب أوس أبوعطا في صحيفة العرب.

إسرائيل تعرّت أمام المجتمع الدولي وفقدت ما كانت تتميز به عن دول الشرق المستبدة وتقدمت على باقي الدول في المنطقة بالعنف والعدوانية والقسوة غير المبررة والعقاب بلا جريمة.

لن تنطلِ مناورة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على أحد. فبعدما طالب نواب حزبه، الذين يؤيدون ضم الضفة الغربية، بأن يمتنعوا عن التصويت، التزموا بذلك باستثناء واحد صوّت مع الضم، وكان صوته حاسمًا لصالح القانون. ولا أستبعد أن يكون تصويته المخالف لمناشدة رئيس الوزراء قد تم بالتنسيق بينهما.

يحاول رئيس الوزراء المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وقائد حرب الإبادة الشاملة والتجويع والتهجير، أن يتسربل بثوب حمامة السلام بعد أن خلع ثوب الذئب المفترس، وأن يظهر شريكًا موثوقًا في مسيرة السلام والتطبيع.

أشعل بنيامين نتنياهو نار الكراهية والعنصرية والتطرّف وغذّاها داخل حكومته، ولم يعد بوسعه تطويقها. وبدا أن المتغيرات العالمية بدأت بتجاوزه بعدما قاربت الذريعة الإسرائيلية المستمدة من هجوم السابع من أكتوبر على النفاد وانتهاء صلاحيتها. لم يعد هناك سوى بعض الدول، التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، ممن يغضون النظر عما تقوم به إسرائيل بحجة عدم استعادة بعض الجثث. لم تعد الحجج الإسرائيلية الواهية يصدقها أحد. ولهذا أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نائبه جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو لسحب اتفاق وقف إطلاق النار من فكّ اليمين المفترس قبل أن يقضي عليه.

إسرائيل اليوم بكلّيتها غارقة في الإدانة ولا يمكن لدول العالم المتحضّر المضي مع خطابها المضلل أبعد من ذلك.. فالمساحة تضيق أمام إسرائيل ومن ساندها وبالمقابل تتسع أمام فلسطين وقضيتها العالمية

غني عن القول إن إسرائيل أخرجت في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني المسالم أسوأ ما أفرزته البشرية منذ آلاف السنين من شر وعدوانية واستعلاء واحتقار للآخر. إسرائيل تعرّت أمام المجتمع الدولي، وفقدت ما كانت تتميز به عن دول الشرق المستبدة؛ أي أنها فقدت استثنائيتها وخصوصيتها، وتقدمت على باقي الدول في المنطقة بالعنف والعدوانية والقسوة غير المبررة والعقاب بلا جريمة.

وإذا عدنا قليلًا إلى الوراء، وبالأخص إبان عاصفة الاعترافات العالمية بالدولة الفلسطينية، يظهر تصريح كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فهمًا جليًا لطبيعة الدولة الإسرائيلية العميقة. وهي تصريحات تستحق أن نقف مطولًا أمامها، وتشير في الوقت ذاته إلى تحوّل واضح ومؤثر في التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي. قال الرئيس الفرنسي في مقابلة له مع قناة العربية السعودية: “ضم إسرائيل للضفة لا علاقة له بحركة (حماس) ولا بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023”.

وفي السياق ذاته، قال أنطونيو غوتيريش: “ينبغي ألا نشعر بالخشية من خطر رد الفعل الانتقامي، لأنه سواء قمنا بما نقوم به أم لا، فإن هذه الإجراءات ستستمر، وعلى الأقل هناك فرصة لحشد المجتمع الدولي لممارسة الضغط لمنع حدوث ذلك”.

تتلاقى هذه التصريحات حول فكرة واحدة: النية الإسرائيلية المبيّتة والخطط الموضوعة مسبقًا على الطاولة بانتظار الذريعة المناسبة للبدء في تطبيقها؛ لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية. سواء حدث السابع من أكتوبر أم لم يحدث، فهو ليس سوى ذريعة إسرائيلية خادعة لم يعد أحد يصدقها. فمخططات الضم والاستيطان والتهجير تسير على قدم وساق نحو تحقيق الحلم الأكبر: “إسرائيل الكبرى”.

على إسرائيل أن تخشى على نفسها من بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة، وأن تقف مطولًا أمام المرآة بعد فضيحة القاعة شبه الخاوية في الأمم المتحدة

غني عن البيان أن عاصفة الاعترافات العالمية، والتزام الرئيس الأمريكي بعدم ضم إسرائيل للضفة الغربية، يمكن اعتباره رسالة موجهة إلى إسرائيل مفادها: أنتم تُصرّون على تدمير الشعب الفلسطيني، أما نحن فنعترف به. ربما يعلّق البعض على جدوى وفعالية الاعترافات، ومن الطبيعي أن توصف بأنها لا تتعدى الرمزية، لكن في الواقع هي بمثابة تغيير في قواعد اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط. بشكل أوضح: مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني أن الدول تضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي.

فلسطينيًا: من البديهي اعتبار أن السلطة الوطنية الفلسطينية تُعدّ ناجية مما يحدث سياسيًا ودبلوماسيًا، وفوق نجاتها حققت تقدمًا مهمًا من خلال الاعترافات الأخيرة، وهي الطرف الفلسطيني المعترف به عالميًا. في حين أن حماس انتهت سياسيًا، وفي حال قررت خوض الانتخابات فعليها الاعتراف بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية والدخول تحت سقفها. فهي لن تحصل على الاستثناء الذي حصلت عليه سابقًا بضغوط أمريكية عندما أصرت الإدارة الأمريكية على مشاركتها في انتخابات العام 2006 لأسباب باتت معروفة للجميع، أهمها تفكيك الوحدة الوطنية وضرب المشروع الوطني الفلسطيني.

على إسرائيل أن تخشى على نفسها من بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة، وأن تقف مطولًا أمام المرآة بعد فضيحة القاعة شبه الخاوية في الأمم المتحدة. كما على أميركا أن تنقذ إسرائيل من نفسها وألا تتماشى معها في كل متطلباتها غير المنطقية، وأن تغيّر نهجها القائم على دعم إسرائيل ظالمة أو مظلومة، وتحافظ على الحد الأدنى من وسطيتها المتلاشية بعد حرب غزة وما لذلك من تأثيرات جمّة على سمعتها الدولية وقيم العدالة المعروفة. فمنعها حضور الوفد الفلسطيني أتى بنتائج عكسية، إذ لاقت كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس زخمًا أكبر وتعاطفًا أعلى، على العكس تمامًا من كلمة رئيس وزراء إسرائيل. وهذه مفارقة واضحة: فمن يجب منعه ليس الرئيس الفلسطيني، بل رئيس وزراء إسرائيل كونه مطلوبًا لمحكمة الجنايات الدولية.

إسرائيل اليوم، بكلّيتها، غارقة في الإدانة، ولا يمكن لدول العالم المتحضّر المضي مع خطابها المضلل أبعد من ذلك، حتى لو فعلت الولايات المتحدة كرمى لعيون رئيس وزرائها المستحيل. فالمساحة تضيق أمام إسرائيل ومن ساندها، وبالمقابل تتسع أمام فلسطين وقضيتها العالمية. وبالتالي، على إسرائيل أن تستيقظ من غيبوبتها الدموية التي غرقت وأغرقت المنطقة فيها بعد كابوس السابع من أكتوبر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى