رأي

في اليوم العالمي للتضامن مع شعب فلسطين

كتبت سوسن جميل حسن في صحيفة العربي الجديد.

في مثل هذا اليوم، التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أقرّ في العام 1977. وفي هذا اليوم أيضًا صدر قرار الجمعية العامة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين 1947، وحصلت فلسطين على صفة مراقب في 2012.

كانت فلسطين “التاريخية” تحت الانتداب البريطاني بين العامين 1920 و1948، عندما أعلنت الأمم المتحدة قيام دولة إسرائيل في 14 مايو/ أيار 1948، لتنسحب بريطانيا بعد أن نضج مشروعها، ومشروع الغرب عموماً، لصالح حكومة الدولة الوليدة التي تهافتت دول كثيرة للاعتراف بها، وكان يعيش فيها فلسطينيون بين مسلمين ويهود ومسيحيين، لكن الحال قبل قرار التقسيم، ومن بعده إعلان قيام دولة إسرائيل، لم يعُد كما كان.

لم تنشأ فكرة إنشاء فلسطين من العدم، هذا معروف، أقلّه لشعوب المنطقة العربية، فقد سبقهتا تحضيرات تُنضج فكرة قيام “وطن قومي لليهود”، سعت إليه أوروبا التي كانت تمرّ بمتغيّراتٍ كثيرةٍ أدّت إلى الحرب العالمية الأولى، وتوجتها الحرب العالمية الثانية، ففي 1917 احتلّ البريطانيون فلسطين في الحرب العالمية الأولى، بعد الهزيمة التي لحقت بالخلافة العثمانية المتهالكة، وأصدر وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، وعده الشهير الذي نص على أن “حكومة صاحب الجلالة تنظُر بعين العطف إلى إقامة وطن (قومي) في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذُل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليّاً أنه لن يؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتّع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”. ما حدث بالضبط في العقود التي تلت أن الحقوق المدنية والدينية وغيرها من حقوق للفلسطينيين من غير اليهود هي التي انتُهكت، وحقوق اليهود في أي بلد آخر ازدادت وقويت. ثم قرّر مؤتمر سان ريمو 1920، بين القوى المنتصرة في الحرب، منح بريطانيا حق الانتداب على فلسطين “من أجل تحضيرها لتقرير مصيرها”. وكانت الهجرات اليهودية الأولى في تزايد، وبدأت المقاومة الفلسطينية، أشهرها ثورة عز الدين القسام 1930-1935 في وجه الانتداب البريطاني وموجات الهجرة اليهودية ومنظماتها، وما أن أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين في 1947، حتى سارعت الأمم المتحدة إلى إعلان تقسيم فلسطين إلى دولتين (عربية ويهودية) وإخضاع القدس والمناطق المحيطة بها لسيطرة دولية.

جعل التاريخ المسنود بالأدلة مثل كتاب مفتوح أمام الشعوب منذ نهاية الحرب العالمية الأولي ضرورة من أجل تغيير الأفكار المسبقة

وفي 1948، أخفقت الجيوش العربية في منع التقسيم، وسيطرت إسرائيل على بقية الأراضي بما فيها القدس الغربية، طُرد أو هجّر ثلاثة أرباع المليون فلسطيني على الأقل من ديارهم. وتأسست حينها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أجل الاستجابة لحاجات اللاجئين الصحية والتعليمية، الوكالة التي اعتدت عليها إسرائيل، ودمّرت مقرّاتها وتسعى إلى إلغائها في حربها الحالية على غزّة.

وفي حرب حزيران/ يونيو التي دامت ستة أيام، تمكّنت إسرائيل من احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزّة وهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية. وأسّست مستوطنات يهودية في كل تلك الأراضي المحتلة في السنوات التالية بموافقة الحكومة الإسرائيلية، وما زالت حركة الاستيطان في توسّع وقضم لأراضي الفلسطينيين بحكم الأقوى، والمجتمع الدولي يشيح بوجهه.

في العام 1993 وقع كلٌّ من إسحق رابين الذي قتل لاحقاً على يد متطرّف إسرائيلي وياسر عرفات على إعلان أوسلو الذي نصّ على تأسيس حكم ذاتي فلسطيني. وفي 1995 جرى التوصل إلى اتفاق مرحلي بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، وضع أسس نقل مزيد من السلطات والأراضي للسلطة. أصبح ذلك الاتفاق أساس ميثاق الخليل لعام 1997 ومذكرة واي ريفر لعام 1998 و”خريطة الطريق” الدولية لعام 2003، لكن المفاوضات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود باراك وعرفات انهارت نتيجة خلافات حول مواقيت الانسحاب الإسرائيلي المقترح من الضفة الغربية. وبعدها، وكان ياسر عرفات قد مات، في العام 2011 شرعت منظمة التحرير الفلسطينية في حملة تهدف إلى الحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، فشلت المحاولة حينها، لكن منظمة التعليم والثقافة والعلوم التابعة للمنظمة الأممية (يونسكو) قبلت عضوية فلسطين فيها في أكتوبر/ تشرين الأول، وقد حصلت على صفة مراقب بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة بأغلبية كبيرة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني أيضاً من العام 2012.

إسرائيل دولة استعمارية استيطانية إحلالية، تسعى إلى القضاء على وجود جزء كبير من السكان الأصليين على أرضهم التاريخية التي اسمُها فلسطين

تبنّى مجلس الأمن في العام 2016، بأغلبية ساحقة، قراراً يدين الاستيطان الإسرائيلي، ويطالب بوقفه في الأراضي الفلسطينية، لكن المستوطنات لم تتوقّف. وفي عام 2018 نقلت الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس في اعتراف رسمي منها بالقدس عاصمة لإسرائيل، برعاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في ولايته الرئاسية السابقة. واليوم تبلغ الهمجية الإسرائيلية ووحشيتها وتحديها المجتمع الدولي وقرارات الهيئات الدولية حدًّا لا يوصف في حربها على غزّة منذ عام وشهرين.

كانت القضية الفلسطينية، منذ ولادتها، “دولية” ولم تكن شأناً داخليّاً يخصّ الفلسطينيين وحدهم في أساليب إدارتها، ولا حتى العرب وحدهم، فإسرائيل ابنة الغرب ومصالح الدول الكبرى، وهناك تعتيم على حقائق كثيرة، بل وطمسٍ لقسم منها، وإحداث أوضاع قائمة وتحويلها حقائق تمحو ما قبلها، وتمحو التاريخ وتعيد تشكيله بطريقةٍ تجعل من إسرائيل صاحبة الحقوق، تتعاطف معها الشعوب والأنظمة، وما شهدناه من مظاهراتٍ لشرائح من بعض الشعوب مع الفلسطينيين، واستهجان لما تمارس إسرائيل في حربها على غزّة من إبادة جماعية ومجازر فوق الوصف، لا يعدو أن يكون صرخة تتبدّد على جدران النظام العالمي المسلحة ضد القيم والضمير الإنساني.

ما يجب الاشتغال عليه هو الوعي العام تجاه فلسطين وظروف نشأة إسرائيل، فهناك أفكار مسبقة متمكّنة من وعي الشعوب بشأن هذه القضية التي تعدّ بالنسبة إلى العالم “مشكلة”. وقبل كل شيء، يتطلب الأمر كسر القاعدة التي تشهر في وجه أي رأيٍ أو حتى كلمة لا تعجب إسرائيل، وهي تهمة “معاداة السامية”، ثم دحض مقولة إن فلسطين كانت “أرضاً بلا شعب” وهي حقّ تاريخي ومقدّس لـ “شعب بلا أرض”، بالتذكير الدائم بالتاريخ.

 صحيحٌ أن القضية الفلسطينية تزداد تعقيداً، لكن لا بد أن يكون هناك حلول في ما لو أراد العالم ذلك

صحيحٌ أن القضية الفلسطينية تزداد تعقيداً، لكن لا بد أن يكون هناك حلول في ما لو أراد العالم ذلك، وما هذا العرض الموجز في البداية إلّا تذكير بتاريخ حديث ما زال عدد من جيل واكبه يعيش ويتذكّر، منهم ربما من زار فلسطين، ورأى الحياة هناك، ومنهم من تراسل مع أشخاصٍ واستلموا الرسائل الممهورة بطابع عليه اسم فلسطين، ومنهم من يعرف أن عشية قرار التقسيم كان الفلسطينيون من المسلمين والمسيحيين يشكّلون نحو ثلاثة أرباع سكان فلسطين، وكان اسمُها فلسطين، ولا بد من عرض خرائط التقسيم التي تتقلّص فيها مساحة فلسطين إلى اليوم، والتي تبدو فيها المستوطنات كندوب مصابٍ بالجدري، أو كالثآليل على وجه الخريطة الفلسطينية.

ما تمارس إسرائيل اليوم من وحشية لا تستطيع إخفاءه مهما حاولت في عصر الإنترنت والخبر السريع بالصوت والصورة، لكن ما تسعى إليه من فرض لحقائق تمحو معها الوجود الفلسطيني، قد يفوق بالأهمية حربها ونياتها المبطّنة. إن جعل التاريخ المسنود بالأدلة مثل كتاب مفتوح أمام الشعوب منذ نهاية الحرب العالمية الأولي ضرورة من أجل تغيير الأفكار المسبقة، وفهم أن فلسطين كانت موطناً عريقاً لشعبٍ متنوع يعيش أفراده على بقعة جغرافية اسمُها فلسطين، حيث لم تكن هناك إسرائيل، التي منذ أعلنت دولة وأقرّت بها غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، رسخت سمة بالغة الخطورة للصراع في فلسطين، ولمقاومة الشعب الفلسطيني من أجل وجوده وبقائه فوق أرضه التاريخية، فيها، فأعلنته صراعاً يهوديّاً/ عربيّاً، وأن إسرائيل هي المستهدفة، وهي صاحبة الحقّ التاريخي، بينما الواقع والحقيقة أن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية إحلالية، تسعى إلى القضاء على وجود جزء كبير من السكان الأصليين على أرضهم التاريخية التي اسمُها فلسطين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى