فيلم “أميرة” بين الذعر من سيطرة اليهود على أنساب الفلسطينيين وتجريم نضالهم
كتب الصحافي أحمد أشقر في “القدس العربي” مقالاً اشار فيه الى انه يعتمد فيه “مقاربة مختلفة بعض الشيء عن المقاربة أو المقاربات التي تم فيها تحليل فيلم “أميرة” من قبل مؤيدي عرضه ومعارضيه. فهذا المقال لا يقول بإجازة عرضه أو رفضها وسحب الفيلم كما فعلت الهيئة والأطراف التي أنتجته، بل سيعتمد المقال على مقاربات اجتماعية وسياسيّة مجتمعيّة تتفق المجاميع الفلسطينية على خطورتها وضرورة التصدي لها، إلا أنها لم تفعل شيئاً في سبيل ذلك. فهذا المقال سيحاول تقديم مقاربة من شأنها أن تقدم تفسيرا لحالات الغضب والذعر التي أصابت المجاميع التي تعيش على ضفتيّ نهر الأردن. هذه المقاربات لا تتطرق إلى التطبيع وحقّ التعبير عن الرأي، رغم أهميتها، فخطورة رمزيته ورسائله تتعديانها لتصل إلى إدانة وتجريم النضال العربي في فلسطين. بل سيعتمد مقاربات شائكة نوعاً ما، لكنها ضروريّة لفهم الخلفية الاجتماعية- السياسية التي تسببت بردود الفعل القاسِية والمذعورة في نفس الوقت، وسبر أغوارها الغاضبة وغير المتزنة على ما جاء في فيلم “أميرة. بعد دراسة الاستعارات والرموز التي حملها الفيلم كما قرأت عنها في وسائل الإعلام المختلفة بتّ أخمن- وأكثر- أن للقوى اليمينية اليهودية الأمريكية والخليجيّة دورا بارز بإنتاجه. فرموزه وتعييناتها بحاجة إلى أكثر من الطاقم الذي عمل على إنتاجه، لذا أعتقد أن مختصين في تفكيك وتجريم العرب يقفون خلفه.”
وتابع كاتب المقال ” أثناء انشغال قطاعات واسعة من أصحاب الحسابات على شبكات التواصل اللا- اجتماعي بفيلم “أميرة” (موضوع مقالنا) أعلنت إسرائيل أنها أتمت حصار قضاء غزة بإتمام بناء جدار بطول 65 كيلومتراً وارتفاع ستة إلى عشرة أمتار يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أي أنها سجنت نحو مليوني عربي في جيتو لم يشهد التاريخ مثله. كذلك استضافت ملكات جمال العالم وألبستهن الزيّ الفلسطيني خلال جولة في قرية “راهط” المنكوبة التي يسبح أبناؤها في بحر من البؤس ودماء الجريمة ودموع أهالي القتلى. في الفترة ذاتها تقريباً قُتل طالب جامعي في الجامعة العربية الأمريكيّة في جنين، ودهست طالبتين في جامعة النجاح وأغلقت أبوابها خمس جامعات فلسطينية نتيجة لاعتداءات “مسلحين” (من هم؟!) على طلبتها، وهذا ناهيك عن استمرار مسلسل الجريمة في مناطق الـ48 وبدء امتدادها إلى مناطق السلطة الفلسطينية يعود يذكر الناس بسنوات الفلتان الأمني. هذه الجرائم كانت كافية لأن تجعل الموتى يتململون في قبورهم لاستنكارها ومحاولة التصدي لها. أما مجاميع العرب التي تعيش على ضفتي نهر الأردن وأصحاب الخطوط الحمراء فلم تؤثر بهم شيئاً وانبروا للتحريض على فيلم “أميرة” المثير للجدل والقرف والغثيان من الرسائل التي يحملها. في البداية عليّ الاعتراف بأنني لم أشاهد الفيلم المذكور، كذلك لم أشاهد فيلماً فلسطينيّاً واحداً في العقود الثلاثة الأخيرة، لأنني لا أزال أعتقد جزءً من هذه الأفلام يحوّل عرب فلسطين إلى سعادين ومهرجين أو شحادّين في سيرك الممولين والداعمين في الأخيرة أصبح بعضها يدين المقاومة وتحويل الصراع العربي- اليهودي إلى ثأر كما جاء على لسان صبا مبارك لابنتها تارة عبود، أميرة: “في ناس هون عندن تار مع الإسرائيلية، في بيناتن دمّ” في محاولة إقناعها الهروب من فلسطين. كما يجب الاعتراف أيضاً بوجود أفلام أخرى ليست جيّدة فقط، بل عظيمة شاهدتها في الماضي أو قرأت عنها كتابات نقديّة رصينة وحصيفة.
يتحدث الفيلم عن الفتاة “أميرة” التي اكتشفت أن والدها ليس هو الأسير التي حبلت بها أمها من نطفته المفترضة التي تم تهريبها خارج السجن لتحبل بها وتلدها، بل ليهودي ولا تهمنا مهنته إن كان ضابطاً أو بروفيسوراً في علم الأخلاق، إذ لا يجوز خلط الأنساب بالإكراه. وما أن عُرض الفيلم لأول مرّة في الأردن حتى بدأت ردود فعل غير مدروسة، غاضبة وشعبوية إلى درجة الذُّعْر سأعمل على شرحها لاحقاً، وبدأت حملة لإيقاف عرضه ونجحت بالفعل، مُنكرة على الذين عملوا على إنتاجه وتمثيله تناول قضية أطفال نطف الأسرى المهربة الذين بلغ عددهم وفقاً لما جاء في نهاية الفيلم أكثر من 100 مولود بهذه الصورة معتبرين تناولها على هذا النحو “خطّاً أحمر” كي يسهل تجاوزه عندما ينقضي الأمر، كما تعلمنا تجارب الماضي.. هؤلاء تعاملوا مع فيلم يقول صانعوه بأنه خيالي وكأنه كشف معادلة تحرير فلسطين والوحدة العربية، وأحواض بناء الغواصات الرقميّة في صحراء النقب، وموارس ومقاثي اليورانيوم المخصب بنسبة 90% في مرج ابن عامر والبطّوف، واسم حامل الحقيبة النوويّة من “قيادات شعبنا” للعدوّ.
. * * * *
قبل البدء بتقديم مقاربة عن رمزية الفيلم التي سببت هذا الذُّعْر- نعم ذُعر- نؤكد على ما يلي:
كان بإمكان الأسرى، وزوجاتهم والمجاميع التي يهمها الأمر الإبقاء على تهريب النطف سريّة كي لا يعبث الاحتلال بها في أي وقت يريد (…)، إلا أنهم أعلنوها وكأنها الإنجاز الأوحد والبديل لتحرير فلسطين. أي أنهم حوّلوها إلى قضيّة عامّة لذا لم يعد بإمكانهم أو من حقّهم منع العامة والخاصّة من تداولها بأية طريقة، خاصة وأن مشاريع تَخَرُّج ورسائل ماجستير ساذجة كُتبت عنها في الجامعات الفلسطينيّة. بهذا يكونون هم الذين زجّوا بأطفالهم في وضع لا يمكنهم التعامل معه خاصة وأن التنمرّ ضد المختلف والضعيف بات شائعاً في المدارس وعلى صفحات التواصل اللا- اجتماعي. فليس من حقّ أحد زجّ الأطفال والقاصرين في خلافات ونزاعات مجتمعية. أما نشر صور بعضهم واستنطاقهم لشتم فيلم “أميرة” فكان عملاً غير مسؤول وغير تربوي بالمرّة، وكان على أهاليهم ووسائل الإعلام المختلفة الذين استخدموهم سلاحاً ضد الفيلم أن يكونوا أكثر حرصاً على خصوصيتهم ومصلحتهم. مع هذا لا نسمع أيّا من الجمعيات المعنيّة بحقوق الأطفال أو من المختصين التربويين والنفسيين تعليقاً أو تحليلاً لما جرى.
الذين رفعوا شعار “الأسرى خطّ أحمر” أين كانوا عندما تمّ إفشال إضراب الأسرى الذي دام 43 يوما ما بين شهري نيسان وأيّار سنة 2017؟ ماذا يعرف هؤلاء عن معاناة الأسرى القابعين في سجون الاحتلال أو المحررين، أو عن معاناة أسرهم، أو عن أحلامهم التي انهارت وتشظّت، وهل يعرفون مدى المعاناة المجتمعية والنفسيّة لهؤلاء الزوجات. فهذه المجاميع ليست من القديسين والأنبياء وليس بينهم مار شربل واحد كما يعلمون هم (…).
أين كان أصحاب الشرف الرفيع عندما اكشفت في أيلول 2016 فضيحة بحجم قنبلة بيولوجيّة في خربطة الأنساب قام بها طبيب نابلسي بتحَبيل مئات النساء من حيوانته المنوية والرجال الذين كانوا يترددون على عيادته، أي أنه حبّل مئات النساء ليس من أزواجهن! ما حدث في هذه القضيّة يمكن تشبيهه بجريمة من شأنها الاستمرار لقرون في اختلاط الأنساب وسفاح المحارم. بعدها واصل الناس بالتردد على عيادته وباتت القضيّة نسيّا منسيّا مثل لاءات الخرطوم، وشعارات التحرير الفلسطينية واتفاقيات أوسلو التي وقّع عليها الطرف الفلسطيني الشبقّ للسلطة.
الذين انشغلوا بالفيلم هم أيضاً انشغلوا بفيلم “ليكن صباحاً” (…). في نفس الوقت ذاته تواصل إسرائيل محاكمة الممثل محمد بكري على فيلمه “جنين جنين” وتطالب هي بمعاقبته وعدم عرضه! هؤلاء الذين هم بالغالب من مريدي محمد بكري لم يبذلوا من التضامن معه رُبع الطاقة التي قصفوا بها فيلم “أميرة”، كما أنهم لم يدركوا صدى أفعالهم في كل مكان. في هذا السياق نقول: إن حريّة التعبير ليست شتم الاحتلال فقط، بل غرْز الدبابيس في اللحم الحيّ كي تعي هذه المجاميع وتدرك ما يحيط بها ويخبئ المستقبل لها من مصائب.
انطلق بعض المؤيدين لعرض الفيلم من منطلق ليبرالي يهاجم الهيمنة الزكورية- بالزاء وليس بالذال- التي باتت هي والنسويّة معاول تهدم بواسطتها الشعوب التابعة. فالمستر الإمبريالي، (جورج سوروس)، الذي يدعم غالبية الحركات النسوية في البلاد التي تدين بالإسلام هو والنظام الذي يعتبر قائدا له، هو الذي يدعم سلطات القمع ولا يهمه الذكور والنساء فهدفه العمل على تراكم الثروة والقوة- وإضعاف هذه البلاد وإلحاقها إلى مزارعه. في هذا السياق تساءل الأستاذ عبد الله البياري في مقاله الموسوم (“أميرة”… هل يستطيع الفلسطينيّ أن يتكلّم؟، عرب 48، 10. 12. 2021). الجواب واضح: يُحظر على التابع قطع لسانه والإنخراس، لأن مهمته محددة بترديد خطاب السيّد وإعادة إنتاجه (سمير أمين في الاقتصاد، فرانس فانون وهومي بابا في الثقافة). فقضيّة الفلسطيني ستبقى محاولة فكّ التبعيّة عندها ستنفك عقدة لسانه ويبدأ الكلام بلغته هو- مصلحته.
. * * * *
انطلق معارضو الفيلم من رفضهم التعرضّ أو المساس بشرف زوجات الأسرى وأخلاقهن. هذا الأمر مفروغ منه، فزوجات الأسرى جبلتهن الملهاة الفلسطينيّة من الشرف والأخلاق والصبّْر، ولو كنت مؤمنا لقضيت بقية عمري أصلّي لكُليّ القُدْرَة وأتضرع له أن يحشرهن في الحياة الآخرة هن وأمهات الأسرى إلى جانب مريم العذراء وفاطمة بنت محمد. هؤلاء الرافضون لم يأخذوا بعين الاعتبار أن عدوهم يمتلك من التقنيات العلمية في الإخصاب ما يجعله يتربع على عرشها في المرتبة الأولى بالعالم (دون تحفظ وذلك لأسباب دينيّة)، ويتمتّع بخسّة وحقارة لن تمنعه من خربطة جينات أجيال من نسب الأسرى والأحرار لن يتمكن الفلسطينيون التخلص منها لقرون. بهذا يكون كل من منتجي الفيلم وهؤلاء قدّ قدموا هديّة ثمينة جداً للاحتلال بكشفهم عن خاصرتهم الرخوة وأعتقد أنه لم يفكر بها من قبل يمكنه تحويلها حقلاً لتجاربه وممارساته القذرة.
وإذا ما ولجنا إلى تفسير ومقاربات منهج التكليف الذي يتجاوز سطح الأمور ليلج في عمقها في التحليل ليصل إلى فهم معقول ومنطقي، وعدنا بالذاكرة إلى شعارات “أطفال الأر. بي. جي” و”أطفال الحجارة” لاتضح لنا عقم هذه المجاميع التي بدل أن تحمي أطفالها زجتهم في أتون القتل والإعاقة دون فائدة تذكر- كما تعلمنا التجارب. فالذين لم يحترموا سلامة وخصوصية هؤلاء الأطفال يصفقون فرحاً بنشوة نيكروفيليّة بسقوط 8 شهداء من قرية بيتا خلال أربعة أشهر في لعبة فُتّيش دمويّة أسموها “الإرباك الليلي”! هؤلاء على ما يبدو لا يعلمون أن عدوهم دموي وشرس ولن يتوانى لحظة واحدة عن قتل أطفالهم قبل كبارهم. كنت قد سمعت في إحدى الإذاعات المحليّة التي مهمتها الأساسيّة تفكيك الهوية الوطنيّة إلى هويات جهويّة قاتلة ‘مسئولاُ’ يقول: “بدأت فاتورة بيتا ترتفع”. يا إلهي سقوط 8 شهداء وأنهار من دموع أهاليهم ومحبيهم: فاتورة! فاتورة! وسمعت آخر يقول إن المستوطنين “تسللوا مثل خفافيش الليل”. هنا عليّ أعترف بأنني لم أكن أعلم أن الخفافيش تتجوّل في النهار لمتعتها ومتعة الناس، لكنها عندما تريد إلحاق الضرر بهم فإنها تتسلل ليلا. صوبّوا معلوماتكم! إذا ما استمررنا في تقديم تفسيرات منهج التكليف وحفرنا بالعقل الباطن لهؤلاء المجاميع لقلنا إن ذعرهم ينبع من إمكانيّة قيام يهودي أو يهود بزرع نطفة منهم في رحم عربيات (كما في الفيلم)، وإمكانيّة خلط جينات اليهود بجينات العرب، أي الاستحواذ على أرحام النساء، أي خلط دمه بدمهم، وخلط نسبه بأنسابهم عندها سيختفون عن وجود أنفسهم إذا صحّ التعبير. للتوضيح: إن ما فعله الطبيب النابلسي يُعد من المحرمات التي تعاقب عليها القوانين الوضعية والشرائع الدينية كافة لكنه لم يعاقب وتم إغلاق ملفه. لذا فخلط جينات المحتلين اليهود بات وارداً نظريّا وعلميّا الآن وليس بعد سنوات أو عقود. فذعر هذه المجاميع شرعيّ لأنها ذوّتت حالة هزيمتها، بؤسها واستكانتها وباتت تنطلق منها وكأنها الحالة الوحيدة الممكنة، كما أنها تدرك أن المحتلين اليهود الذين سيطروا على مصادر ثرواتهم كافة من أرض ومياه ووعيّ، وانتهكوا واستباحوا حُرمات منازلهم وغرف نومهم.. قادرون على استباحة أرحام نسائهم!
في أحد المشاهد يقوم الفيلم بعرض مشهد يرسم فيها فلسطينيون نجمة داود على بيت عائلة أميرة في إشارة كما فعلت النازية برسم إشارات على البيوت اليهود في ألمانيا أثناء الحرب العالميّة الثانية، ويندرج في باب تشبيه المجاميع العربية بالنازيّة. أي اختارت الجلوس على حضن اليمين الصهيوني الذي يصف نضال العرب بأنه معاد للسامية ونازي. بناء على ما تقدم كان على العرب ليس مقاطعة الفيلم بعد أن وقعت الفاس بالراس، بل محاكمة كل القائمين عليه شعبيّاً إلى أن يجثو على ركبهم مطالبين الصفح منهم ومن تاريخ الصراع. لذا ننصح القائمين على الفيلم والمجاميع التي هاجمته بنصف حقّ عدم جعل أخلاقهم معياراً يسلطوه على الناس. كي يفوزوا بحقّ كامل غير منقوص عليهم النضال ضدّ الواقع الذي هيأ منتجي “أميرة” والمُسلحين والمتواطئين معهم من الذين يقتلون الناس ويغلقون الجامعات.”